سفيان ونذير... الحقيقة القاتلة أم لعبة استخباراتية؟

01 مايو 2015
سفيان شورابي (Getty)
+ الخط -
لا حديث في تونس، منذ مساء الثلاثاء، إلا عن مقتل سفيان الشورابي ونذير القطاري، وخصوصاً بعد تأكيد وزارة العدل في حكومة طبرق الليبية مقتل الصحافيين التونسيين على أيدي مجموعة إرهابية تتكوّن من ليبيين ومصريين. الخبر نزل على الجميع نزول الصاعقة، ولا سيما أنه صدر هذه المرة عن جهة رسمية، خلافاً للخبر الذي تم تداوله عن إعدامهما عن طريق الفرع الليبي في تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش)، في 8 يناير/ كانون الثاني الماضي.

سفيان ونذير كانا مخطوفين في ليبيا منذ سبتمبر/ أيلول 2014 بعدما توجها إلى هناك لإجراء تحقيق صحافي لصالح القناة التلفزيونية الخاصة "فارست تي في". وقد انقطعت أخبارهما بعدما اختطفا من قبل إحدى الجماعات الليبية المسلحة، لتتواتر الأخبار بعد ذلك عن مقتلهما، إلى أن جاء التأكيد من قبل مصدر رسمي يؤكد مقتل الزميلين، وهو ما يجعل الخبر أقرب للصحة من غيره من الأخبار التي انتشرت في الأشهر الأخيرة....

ورغم حديث حاتم العريبي لـ"العربي الجديد" مؤكداً الخبر، إلا أنّ شكوكاً لا تزال موجودة حوله، في ظلّ نفي رسمي لصحّة النبأ... لتعود سلسلة الشائعات التي لا ترحم إلى الواجهة.

إقرأ أيضاً: حاتم العريبي لـ"العربي الجديد": قتلوا سفيان ونذير

المسيرة الحافلة

والدة سفيان الشورابي قالت لـ"العربي الجديد"، والدموع تسبق عباراتها: "كل ما أرجوه فى هذه اللحظة أن يكون كل ما قيل خبراً كاذباً". ورجت بقلب أم ملتاعة أن ترى سفيان الذي افتقدته وافتقدت معه كل لذة في الحياة. وهو ايضاً الشعور الذي يساور كل اصدقاء نذير
وسفيان، وخصوصاً أن سفيان الشورابي من الوجوه الإعلامية الشابة المعروفة في تونس على اعتبار أنه واحد من المدونين الذين سجلوا حضورهم في المشهد السياسي والإعلامي التونسي منذ انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008 وصولاً إلى ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. سفيان كان دائماً يحمل الكاميرا ويواكب التظاهرات والاحتجاجات ويساهم فيها أينما كانت في التراب التونسي. كما عرف بدفاعه المستميت عن حرية الرأي والتعبير وعن حرية الانترنت زمن القمع.

يذهب هؤلاء الأصدقاء المقربين إلى سفيان، ومنهم المدون والإعلامي المعروف هيثم المكي، إلى أن "سفيان ونذير قتلا منذ 8 يناير 2014... واعتبرت صديقي من يومها متوفياً رغم الأصوات التي حاولت التشكيك في الأشرطة التي ظهرا فيها حينها". وأضاف: "سفيان صديقي وأنا حزين على فراقه منذ سمعت خبر اختطافه، ويزداد ألمي وحزني عليه مع إعلان خبر موته، لكن عزائي أن التاريخ سيحفظ مآثره العديدة". المدونة لينا بن مهني، وهي صديقة مقربة من سفيان الشورابي، أكدت أنها تفتقده منذ اختطافه "فسفيان جزء من ذاكرتي، جزء من معيشي اليومي، فمعاً تجولنا بين أزقة المدينة العتيقة وسيدى بوسعيد". وتضيف: "سفيان أتذكر كل لحظة قضيناها معاً وأتذكر هديته التي جلبها لي من المغرب سنة 2008 وهي أمامي الآن تذكرني بأنني أفتقد صديقاً انتظر طلته كل يوم".

وكما لينا بن مهني، تقول القاضية والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية بتونس، كلثوم كنّو:
"أعتز بسفيان ولينا كأبنائي وكلي لوعة وحزن بفقدان واحد من أبنائي".

أما نذير القطاري، الذي رافق سفيان، فهو صحافي شاب، يقول عنه خاله، سفيان رجب: "نذير تسكنه الحياة والحيوية. كان يريد أن يجعل من الكاميرا جواز مرور للحياة، ولربّما كانت هذه الكاميرا نفسها التى طالما حلم بحملها جواز سفره إلى حياة أخرى". ويضيف: "ما يؤلمني أنه شاب اختار الحياة لكن يد المجرمين حرمته من ذلك. فرغم حداثة عهده بالعمل في المجال الإعلامي، اختار أن يلبي نداء الواجب حين دعاه، ليترك خلفه أُمّاً تتحرّق شوقاً لعودة ابنها الذي افتقدته" .

إقرأ أيضاً: تشكيك في خبر مقتل الصحافيين التونسيين سفيان ونذير

عزاء مرفوض

النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين كانت من المنظمات النقابية والحقوقية التي تابعت ملف الزميلين المختطفين منذ بدايته، وحاولت بكل الطرق الإفراج عنهما ووظفت علاقاتها الداخلية والخارجية، وخاصة مع المنظمات الليبية، من أجل تحقيق هذا الهدف.

أمس، النقابة، وعلى لسان النقيب ناجي البغوري، أعلنت بكل غضب: "ندين تعامل الحكومة الليبية بمنطق المليشيات مع الدولة التونسية وعدم إبلاغ خبر تصفية الشورابي والقطاري بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها". وأضاف نقيب الصحافيين: "النقابة ترفض قبول تعازي السلطات الليبية للشعب التونسي قبل تقديم أدلة ملموسة عن مقتل الإعلاميين".

النقابة أشارت إلى "توظيف طرفي النزاع في ليبيا لقضية الزميلين المختطفين للابتزاز السياسي من أجل انتزاع الاعتراف الدبلوماسي"، كما حمّلت الحكومة التونسية المسؤولية وطلبت منها وضع حد للتخاذل في التعاطي مع الملف. النقابة أصدرت أيضاً بياناً طالبت فيه الحكومة
التونسية بضرورة الإسراع بإرسال قضاة تونسيين للاستماع إلى اعترافات الخلية الإرهابية التي وقع القبض عليها، كما طالبت بـ"فتح تحقيق في تونس حول إمكانية تستر مسؤولين تونسيين في الحكومتين السابقة والحالية عن معطيات تتعلق بمصير الزميلين سفيان الشورابي ونذير القطاري".

حكومة الحبيب الصيد الحالية، وعلى لسان التهامي العبدولي، كاتب لدى وزير الخارجية المكلّف بالعالم العربي وأفريقيا، أعلنت عن أن خلية الأزمة التي أشرف عليها رئيس الحكومة التونسية قررت تكليف القنصل العام للجمهورية التونسية في ليبيا بالذهاب إلى مدينة البيضاء الليبية للتدقيق في موضوع الشورابي والقطاري مع الجهات الرسمية الليبية.

وأكد العبدولي أن اتصالاً حصل مع الجهات الرسمية الليبية التي أفادت بأن الأمر يتعلق بتحقيقات أولية مع خلية إرهابية اعترفت بارتكاب جرائم.

الغموض سيد الموقف

تصريحات العبدولي تتقاطع في جزء منها مع تصريحات مصطفى عبد الكبير، الناشط الحقوقي وعضو لجنة الصداقة التونسية الليبية، وواحد من المكلفين من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني في تونس بمتابعة الملف، لدرايته بالواقع الليبي وعلاقاته الجيدة مع العديد من الأطراف الليبية. مصطفى عبد الكبير قال: "لا شيء يؤكد إلى حد الآن مقتل نذير وسفيان... أخشى أن
يكون هذا الخبر مجرد لعبة استخباراتية".

هذا الغموض الذي صاحب ملف سفيان الشورابي ونذير القطاري تتواصل حلقاته رغم تصريح رسمي من قبل حكومة طبرق الليبية يجعله أقرب إلى التصديق، لتعود الأسئلة طرح نفسها عنوة من جديد: متى قتل سفيان ونذير؟ ومن المتسبب في مقتلهما؟ وهل يدفع صحافيون تونسيون ضريبة الخلافات الليبية الداخلية؟

إقرأ أيضاً: الصحافي المصري محمد جلال.. شهيد آخر في ليبيا

المساهمون