سفرياتي المشبوهة أيضاَ

28 فبراير 2015
+ الخط -

استكمالاً لحديث سابق عن السفريات التي يقال عنها إنها مشبوهة، لأنها بدون (رخصة)، ويقول عنها أنصار السلطة في مصر إنها مشبوهة، لأنها لا تحوز موافقة السلطة، أو لا تصب في مصلحة السلطة، أو قد تتعارض مع الأهداف الخبيثة لمن يسيطر على السلطة، في حين أن سفريات ممثلي السلطة، أو أنصارها أو القريبين منها، يعتبرها الإعلام سفريات ضرورية، وحلالاً، لأنها مرضي عنها من السلطة، حتى لو كانت أهدافها خبيثة ومشبوهة فعليا.

فمثلاً، قامت الدنيا، أخيراً، ولم تقعد، بسبب مقابلة بعض أنصار جماعة الإخوان المسلمين ممثلين عن الخارجية الأميركية، وتم اعتبار هذه اللقاءات مشبوهة، في حين أن ممثلي السلطة العسكرية في مصر ومؤيدي السلطة والمبررين يسافرون، بشكل دوري، إلى الولايات المتحدة وأوروبا، لمحاولة تخفيف الانتقادات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، حتى إن بعض ممثلي السلطة العسكرية وأنصارها في مصر يتقابلون مع الجمهوريين، أو يطلبون دعم اللوبي الصهيوني، أحياناً، بهدف الضغط على أوباما، لكي يخفف من انتقاداته حول تجاوزات نظام السيسي وجرائمه. وبذلك، طبقا لرخصة النظام الحاكم في مصر، يحظر على أي شخص بدون رخصة مقابلة أي أجنبي، خصوصاً لو كانت لديه رؤية، أو خطاب مختلف عن السلطة، أو كان معارضاً، خصوصا لو كان يتحدث عن حقوق الإنسان.

تذكرت، أيضاً، أول زيارة لي إلى الولايات المتحدة في إبريل/نيسان 2011، عندما تلقيت دعوة من تجمعات المصريين في أميركا، وكذلك المنظمات العربية في أميركا، وذهبت وقتها إلى الحديث عن الثورة، وللتواصل مع المصريين والعرب المقيمين في أميركا، ووقتها كذلك شن أتباع المجلس العسكري وأبواقه حملة ضدي، وأثاروا الكلام الفارغ نفسه عن السفريات المشبوهة، على الرغم من أنه كان هناك مشاركون عديدون في مؤتمر الجالية المصرية نفسه، مثل جورج إسحق وبثينة كامل وغيرهما.

في هذه الأيام، الطبيعي أن تجد وفوداً رسمية وغير الرسمية تزور الولايات المتحدة وأوروبا لتحسين وجه نظام عبد الفتاح السيسي، ولتخفيف حدة الانتقادات، ولمنع وضع شروط على المعونة الأجنبية لحكومة السيسي. فهذه النوعية الوحيدة من السفريات التي يتم منحها مباركة ورخصة من النظام، أما إن كان شخصاً بعيداً عن السلطة، أو مغضوبا عليه، فهو بالطبع خائن وعميل، ويسافر سفريات مشبوهة.

أتذكر، أيضاً، أنه، في خريف 2011، تلقيت دعوة من الحكومة البولندية للسفر لدراسة تجربة التغيير في بولندا، ولدراسة الفترة الانتقالية بعد الثورة وخطة العدالة الانتقالية والمائدة المستديرة، وكيف تحولت بولندا من دولة تعيش على المعونات إلى دولة منتجة تقود الاتحاد الأوروبي، بفضل الثورة التي حدثت في 1989.

وعلى الرغم من أن هذه السفرية كانت بعلم وزارة الخارجية المصرية وقتها، وعلى الرغم من أنها للدراسة، ويغلب عليها الطابع الأكاديمي أكثر من السياسي، وعلى الرغم من أن وزير الخارجية المصري كان يزور بولندا في هذا الوقت، إلا أنه، أيضاً، انطلقت أبواق إعلام المجلس العسكري، للحديث عن أسطورة الجيل الرابع من الحروب، والتدريب في الخارج، على الرغم من أن الهدف الرئيسي كان لدراسة آليات البناء والعدالة الانتقالية بعد الثورات.

خلاصة الكلام أن النظام العسكري الحاكم في مصر، الآن، الذي هو امتداد لنظام حسني مبارك وسياساته، سيظل يتعامل، هو وأتباعه، بمنطق الرخصة الحكومية نفسه، وختم النسر الضروري، لكي يكون كل شيء حلالاً، حتى لو عهراً. فمقابلة ممثلي النظام، أو مبرريه، اللوبي الصهيوني، والجمهوريين في أميركا، يعتبر حلالاً طالما أنه يصب في مصلحة السيسي. سفر ممثلي السلطة وبعض المهرجين للكذب، ولتجميل وجه النظام أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، يعتبر حلالاً، وتواصل ممثلي الحكومة أو أنصارها مع اليمين الأوروبي المتطرف، المعادي للعرب والمسلمين، يعتبر حلالاً وبرخصة، طالما يصب في مصلحة العسكر/ السيسي/ السلطة، لكن حديث اليسار الأوروبي عن حقوق الإنسان يعتبر عمالة وخيانة، في نظر السلطة المصرية، طالما ينتقد السلطة، أو ليس لديه رخصة.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017