سفرياتي المشبوهة

21 فبراير 2015

أرفض القمع وعودة النظام القديم (Getty)

+ الخط -

ضحكت كثيراً، عندما سمعت خبر مقابلة عبد الفتاح السيسي وفد باحثين من معهد الشرق الأوسط الأميركي، وتذكرت مقالة قديمة لإبراهيم عيسى، كتبها بعد الهجوم الإعلامي للمجلس العسكري على حركة 6 ابريل في يوليو/تموز 2011، وكان عيسى، وقتها، يدافع عن شباب " 6 ابريل" ضد المجلس العسكري (سبحان مغير الأحوال)، وكان يضرب مثلا بحال الدعارة في مصر، في بدايات القرن العشرين، عندما كان مسموحا بممارسة الدعارة، طالما لدى المومس رخصة وتصريح من الحكومة، وكان يكتب في بطاقتها المهنة مومس. وقد ذكر إبراهيم عيسى هذا المثال المستفز للتدليل على نفاق المجلس العسكري، ومؤيديه ومناصريه عمّال على بطال، وكذلك التدليل على نفاق الدولجية (وهم المبررون للدولة وللمؤسسات الرسمية، مهما أجرمت)، فمثلا ذكر عيسى، وقتها، أن السيسي تدرب في أميركا، واكتسب عقيدته العسكرية على يد الأميركان (أعداء الوطن من وجهة نظر العسكر والدولجية)، فلماذا المجلس العسكري أبطال لدى الدولجية، وهم من ينهلون من المعونة الأميركية، ويتدربون على يد البنتاجون وCIA؟

في حين أنه إذا تصادف أن حضر أحد شباب الثورة أو شباب " 6 ابريل" أي مؤتمر لمناقشة أي موضوع، في أي دولة، فهو يعتبر لدى العسكر والدولجية عميلاً وخائناً. لماذا من حق قيادات الحزب الوطني، وأيضا قيادات وزارة الداخلية السفر قبل ثورة 25 يناير، للولايات المتحدة وغيرها للتدريب أو للاتفاق على معونات (وتمويل أجنبي) لمؤسساتهم، في حين أن شباب "6 ابريل" موصومون بتهمة التمويل الأجنبي، في حين أنهم لم يتقاضوا أي تمويل أجنبي من الأساس، ولماذا كل المحظورات حلال بالنسبة لدوائر السلطة: العسكر.. الحزب الحاكم، في حين أن مجرد الحديث العابر مع الأجانب يعتبر حراماً وخيانةً وعمالة، إذا حدث مع مجموعات معارضة أو مجموعات ثورية كشباب 6 ابريل. السبب هو الرخصة التي تمنحها السلطة أو العسكر، أو الحكومة أياً كانت، هم من يملكون (ختم النسر)، ويعتقدون أنه للأبد على الرغم من أن الدنيا دوارة. ولذلك، كل ما يفعلون هو حلال وواجب وطني، أما أي فعل، أيا كانت نزاهته، أو سمو هدفه، فهو خيانة وعمالة، طالما صدر عن شخص معارض أو يغرد خارج السرب، أو يسير خارج القطيع.

تذكرت، أيضاً، عندما ألقيت كلمة في جامعة هارفارد عام 2012، وثار عليّ أتباع العسكر وقالوا سافر ليه؟ وعلى حساب مين؟ وسفريات مشبوهة.. على الرغم من أن عمرو موسى كان محاضراً أيضاً، لكن خطابه كان مختلفا بالتأكيد، فالموضوع هو الرخصة، فعندما يحاضر أحمد ماهر في هارفارد 2012 أو معهد واشنطن 2013، فهو خائن وعميل، يسافر سفريات مشبوهة.. ولكن إن سافر عمرو موسى (مع احترامي له) إلى الجهات نفسها، أو سافر المستشار أحمد الفضالي إلى الولايات المتحدة، فهم أبطال وليسوا خونة عملاء يسافرون سفريات مشبوهة، لأن معهم (رخصة).

تذكرت أن أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت السابق، عدلي منصور، كان قد دعاني إلى القصر الرئاسي في أغسطس/آب 2013 لإقناعي أن عليّ أن أسافر إلى الولايات المتحدة، لترويج أن ما يحدث هو ثورة وليس انقلاباً، وهو ما رفضت القيام به، لأني معترض على إجراءات ما بعد "3 يوليو"، وأرفض القمع وعودة النظام القديم بحجة محاربة الإرهاب.

تذكرت هذا كله في أثناء متابعة خبر لقاء السيسي مع معهد واشنطن للدراسات، فمنذ حوالي عام ونصف، وقبل حبسي بأسابيع، سافرت إلى الولايات المتحدة، للمحاضرة في عدة جامعات ومراكز بحثية، منها معهد واشنطن ومعهد دراسات الشرق الأوسط، ولأني كنت أقول رأيي الذي لا يرضي السلطة العسكرية في مصر، قامت الدنيا ولم تقعد وقتها، وبدأ أتباع السيسي في الحديث عن السفريات المشبوهة، و"على حساب مين بيسافر"، على رغم أنه من المعروف أن الجهة الداعية هي من تتكفل بالتكاليف، ولو كنت دافعت عن إجراءات ما بعد "3 يوليو"، لكنت أصبحت بطلاً قوميا (بالرخصة)، وكنت بالتأكيد لن أدخل السجن، كما هو حالي الآن. وربما كنت، الآن، محافظا أو نائب وزير أو على الأقل رأس قائمة مدعومة من الدولة في الانتخابات البرلمانية. ولكن، لأنني سافرت وقلت ما أنا مقتنع به أمام المجتمع المدني، فأنا خائن وعميل، لأني بدون (رخصة)، وبدون ختم النسر، وبدون رضى الأجهزة التي تحكم مصر الآن.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017