سعيدة بن حبيلس: الهلال الأحمر الجزائريّ لأجل كرامة الإنسان

11 اغسطس 2015
مناضلة مخضرمة من أجل حقوق الإنسان (العربي الجديد)
+ الخط -

سعيدة بن حبيلس واحدة من المناضلات الجزائريات، تترأس اليوم الهلال الأحمر الجزائري. هي تفضّل النضال من أجل القضايا الإنسانيّة لا سيّما اللاجئين، بدلاً من السياسة. عن ذلك، تتحدّث لـ "العربي الجديد".

في عام 1966، كانت سعيدة بن حبيلس من ضمن مجموعة من الطالبات، نزلن إلى ولاية ورقلة (جنوب شرق) كمتطوعات. أدركت حينها أن النضال الحقيقي ليس في العاصمة، بل في عمق الجزائر وفي المناطق الريفية والنائية. ولأنها متخصصة في التربية وعلم النفس، كانت من أُوَل الجزائريات اللواتي التحقن بالتعليم في ولاية الواحات التي تمتد من الأغواط إلى تمنراست والتي تم تقسيمها لاحقاً إلى سبع ولايات. التحقت بهذا المنصب في عام 1967، وفي العام نفسه شاركت في تحضير مؤتمر اتحاد النساء الجزائريات. ومذ ذلك الحين، لم تتوقف عن النضال لصالح نساء المنطقة. بعد أحداث 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1988، خاضت معركة أخرى هي معركة حقوق الإنسان. فمثلت رابطة حقوق الإنسان في الجنوب الشرقي في التسعينيات. وقد تصدّرت صورتها غلاف مجلة "ماري كلير" الفرنسية، ليغيّر ذلك مسار حياتها. وفي 16 أبريل/نيسان 1990، أسست في ورقلة الحركة النسائية للتضامن مع الأسرة الريفية. بعدها، بادرت إلى تأسيس الفيدرالية العالمية لجمعيات ضحايا الإرهاب. وقد حازت على شهادات تقدير وطنية ودولية عديدة.

-ما هي استراتيجية الهلال الأحمر في العمل؟

يركّز الهلال الأحمر الجزائري على ثقافة وسياسة التضامن، من خلال مجانية التعليم والتغطية الصحية وتكافؤ الفرص في عديد من المجالات. وثقافة التضامن التي تعدّ العمود الفقري للجزائريين، ليست قراراً سياسياً وإنما هي من صفات الشعب. وهذه الثقافة لطالما كانت موجودة منذ القدم في القرى، ويُطلق عليها تسمية "تويزة". كانت عمليات جني الثمار والحصاد في المواسم الزراعية، تبرز تضامن أهل القرية الواحدة. لكن في عهد العولمة، راحت هذه الثقافة تنهار وحلت محلها سياسة الاتكال على الدولة. لذا وبحكم تجربتي المتواضعة، رغبت في جعل الهلال الأحمر الجزائري ذلك الفضاء الذي تتضافر فيه كل الجهود إيماناً بالتضامن. أنا لم أبتدع أي جديد، وإنما نعود إلى الأصالة مع كل من يؤمن بالقيم الإنسانية وبروح العطاء من دون مقابل.

- وكيف كانت نشأته؟

أنشئ الهلال الأحمر الجزائري في أصعب الظروف في عام 1956، أي بعد سنتَين من اندلاع ثورة التحرير. وأفضل تعبير عن الثورة الجزائرية، كان قد جاء من خلال المحافل الدولية والتضامن الذي ترجمته اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومرافقتها بفضل تضامن الجمعيات الإنسانية العربية والغربية من مختلف الدول وانطلاقاً من ذلك رفع صوت الجزائر.
والهلال الأحمر ليس مجرّد مؤسسة خيرية، بقدر ما هو مكمّل لمجهود الدولة. هو الذراع الإنساني للدولة الجزائرية لا سيّما في إطار الأمن القومي عبر الحرص على الاستقرار الاجتماعي وتضافر الفرص والوحدة الوطنية وتلاحم مكوّنات المجتمع. بمعنى آخر، يساعد الهلال الأحمر الدولة في تحصين البنية الاجتماعية والصحية، وهذا يقلل من الأخطار المجتمعية التي لها بعد أمني. الشراكة هنا مع الدولة تكون عبر تحصينات مجتمعية.

اقرأ أيضاً: سميرة كركوش: القوانين الجديدة تُنصف المرأة الجزائريّة

- كنتِ قد تحدّثتِ عن قفّة رمضان ودعوتِ إلى استبدال المواد الغذائيّة بمبالغ مالية...

أطمح أن يأتي يوم نتمكن فيه من ذلك، حفاظاً على كرامة الناس. هذا الإنسان المعوز كغيره بحاجة إلى مبلغ مالي يتصرّف به بحسب أولوياته. القفة هي من اختصاص الجمعيات الخيرية وليس السلطات العمومية.
لكن من المهمّ التكفّل بالأسر المعوزة يومياً، لا أن نتذكرها فقط في المناسبات. وكل مبادرة أو عملية تضامنية، تكون في إطار احترام هذه العائلات وعدم التشهير بمأساتها.

- إلى ذلك، التنسيق مع إدارات الدولة واجب. كيف يتمّ ذلك؟

كل مؤسسات الدولة ممثلة في مجلس الإدارة. وعملنا متكامل. في نشاطنا الدولي مثلاً، نتشارك مع وزارة الخارجية عمليات إنسانية في دول الجوار. كذلك، وزارات الداخلية والتضامن الوطني والشؤون الاجتماعية والصحة، شريكة معنا في العمل.
لكن يبقى أن الهلال الأحمر منظمة مستقلة عن الدولة لجهة التمويل.

- موضوع اللاجئين مطروح عبر إشكاليات عديدة، خصوصاً لجهة العدد وترحيل بعضهم. كيف تتعاملون مع هذا الملف؟

تعاملنا يأتي في سياق سياسة الجزائر التي تتصف بالرفق والإنسانية. هم ضيوف عندنا في المراكز المفتوحة، ونحن نحترم حرية تنقلهم. يمكنهم الخروج من تلك المراكز والعودة إليها للحصول مجاناً على المأكل والملبس والتغطية الصحيّة لا سيّما الدواء. وثمّة إيجابيات من جرّاء تواصلهم مع المجتمع. أما السلبيات، فتظهر مع الذي يعمدون إلى التسوّل، إذ هو ممنوع قانوناً.
بالنسبة إلى السوريين، ليس لدينا معهم مشكل لغة. وحرصاً على مستقبل الأطفال، لدينا تعليمات من رئاسة الجمهورية لضمان كرامة هذا الجيل الصاعد ومستقبله. يُطلب فقط من وليّ الطفل إثبات مستواه الدراسي، ليحصل على التعليم مجاناً.
أما بالنسبة إلى المهاجرين الأفارقة، فقد رُحّل منه ثلاثة آلاف و250 مهاجراً نيجيرياً بطلب من الحكومة النيجيرية. وقد سهرنا على أن تأتي العملية مع الحرص على كرامة كل واحد من هؤلاء، فوفّرنا لهم التغطية الصحية والفحوصات الطبية والاستشفاء والأدوية ولقاحات الأطفال. كذلك تابعنا النساء الحوامل حتى الولادة. وزوّدناهم بكل احتياجاتهم الماديّة من أفرشة وأغطية ومواد غذائية حملوها معهم إلى بلدانهم. وتكفلنا بنقلهم إليها عبر حافلات مريحة بالتنسيق مع الدولة النيجرية، بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة وبرنامج الأغذية العالمي.

- ما هي مهام الهلال الأحمر الجزائري؟

للهلال الأحمر مكاتب في كل مدن الجزائر، وكل مكتب يتألّف من لجان مختلفة تُسند إليها مهام عديدة، نذكر منها لجنة الإسعاف والمسعفين التي تدرّب المواطنين على إجراءات الإسعافات الأوّلية من قبل متخصصين. كذلك، تقوم بجولات ميدانية ومناورات وتقدّم خدمات صحية مجانية لمحتاجيها ، بالإضافة إلى المساعدات في الكوارث الطبيعية خصوصاً. وثمّة مجموعات شبابية تنشط على مستوى الولايات في إطار مكاتب الشبيبة التي تضمّ نوادي تعنى بقضايا الشباب عموماً وبالبيئة والمناخ والرياضة والعمل والفن والإبداع وما إليها.

أمّ وناشطة

سعيدة بن حبيلس مناضلة مخضرمة من أجل حقوق الإنسان. وقد ساهمت في ذلك عائلتها التي تجمع ما بين العروبة والإسلام والأمازيغية. هي دافعت عن كرامة الإنسان ونزلت إلى الميادين ووقفت في وجه الإرهاب بالرغم من تعرّضها للموت مرات عدّة. إلى جانب عملها الميداني ونشاطها، شغلت منصب وزيرة للتضامن الوطني وكانت نائبة في البرلمان الجزائري. وبالرغم من انهماكها في الشأن العام، لم تهمل حياتها الشخصيّة. هي أم لخمسة أولاد، ابنة واحدة وأربعة أبناء.

اقرأ أيضاً: لويزة إيغيل أحريز.. حكاية مجاهدة جزائريّة
المساهمون