اعتادَ المواطن أبو مصطفى تخزين المواد الغذائية في بيته، وتشمل المعلّبات والحبوب والدقيق والمياه المعدنية، بالإضافة إلى الوقود وغيرها، تحسّباً لما قد تحمله الأيام المقبلة مع بدء عمليات تحرير الموصل. يُدرك أن التداعيات ستكون كبيرة، أقلها اضطرار الناس إلى ملازمة منازلهم للاحتماء من القصف، أو الالتزام بقرارات منع التجول.
ويلجأ أهالي الموصل، وتحديداً منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على المدينة أوائل شهر يونيو/ حزيران الماضي، إلى طرق عدة لتأمين احتياجاتهم من المواد الغذائية والأدوية والوقود والمياه والاتصالات وغيرها من الخدمات، في ظل عدم تأمينها من قبل التنظيم، عدا عن الحصار الذي تفرضه الحكومة المركزية في بغداد على الموصل وعموم محافظة نينوى.
ويقول أبو مصطفى إن معظم أهالي الموصل يعملون على تخزين احتياجاتهم من المواد الغذائية، على الرغم من شحّها وارتفاع أسعارها، بالإضافة إلى قلة السيولة بسبب ظروف المدينة الصعبة والبطالة المتفشية وعدم حصول الموظفين على رواتبهم واستحقاقاتهم المالية منذ أشهر.
يضيف: "أعمل سائقاً لسيارة أجرة في الموصل. وعلى الرغم من قلة العمل بسبب ارتفاع أسعار الوقود، إلا أنني أشتري بواسطة المال الذي أجنيه يومياً مختلف احتياجات العائلة اليومية، وأخصّص مبلغاً لشراء وتخزين المواد الضرورية، لا سيما بعد توالي الأنباء عن قرب شن حملة عسكرية كبيرة لتحرير المدينة بعد نجاح عملية تحرير تكريت".
يتابع أبو مصطفى أن كثيرين من المواطنين لجأوا إلى حفر آبار في مناطقهم لتأمين الحصول على المياه خشية انقطاعها في المستقبل، عدا عن صعوبة الحركة في المدينة لجلب المياه من نهر دجلة خلال العمليات العسكرية. من جهة أخرى، يشير إلى أن الأهالي يعتمدون على المولّدات لتأمين الطاقة الكهربائية، لافتاً إلى أنهم يخشون توقّفها في حال نفاد الوقود. وإذا ما حصل ذلك، سيؤدي انقطاع الكهرباء إلى توقف الحياة بشكل كامل في المدينة.
تخزين مواد غذائية
بدورها، تقول المواطنة أم سعد عمري، التي تجاوز عمرها السبعين عاماً، وقد عايشت الكثير من نكبات وحروب الموصل، إن المدينة اعتادت أن تستعيد عافيتها، آملة أن تمر هذه الأزمة أيضاً بسلام، على غرار الأزمات الأخرى التي شهدتها المدينة على مر التاريخ. وتلفت إلى أن "أرضها الطاهرة ستكون مقبرة لهؤلاء الوحوش. ولن يختلف مصيرهم عن مصير كل من حاول النيل من تاريخها وحضارتها وحياة سكانها"، مضيفة: "إننا نعمل على تخزين كل ما قد نحتاجه في الأوقات الصعبة، وخصوصاً أننا لا نعرف ما قد تحمله الأيام المقبلة".
وتلفت عمري إلى أن المواطنين استفادوا من وجود السراديب تحت المنازل، بهدف تخزين المواد، وخصوصاً أن درجة الحرارة والرطوبة في السرداب تكون مناسبة لحفظ المواد الغذائية والأدوية لفترات طويلة من دون أن تتلف. تضيف: "إننا نلجأ إليه للاحتماء من القصف الجوي والقذائف العشوائية، وسبق أن احتمينا فيه خلال الحرب مع إيران، وحرب الخليج". وتوضح أن معظم أهالي الموصل يلجأون إلى السراديب التي أنشئت منذ وقت طويل لمواجهة الظروف الطارئة التي قد تتعرض لها المدينة.
ويطالب أهالي الموصل الحكومة المركزية والمحلية في محافظة نينوى، وحكومة الإقليم، والمجتمع الدولي، بضرورة وضع خطط واتخاذ إجراءات من شأنها تجنيب المدنيين خطر العمليات العسكرية المزمع شنّها قريباً لتحرير المحافظة من سيطرة تنظيم داعش. في السياق، يلفت المواطن محمد سليم إلى أن القلق والخوف ينتابان الأهالي الذين يعيشون بين نارين: نار داعش المتطرف ونار الحصار الحكومي المفروض علينا. مع ذلك، لا خيار أمامنا إلا البقاء في المدينة وتحمّل ما قد يحدث بعدما منع التنظيم المتشدد سفر أي مواطن مهما كان السبب، وأقفلت جميع طرق النجاة. ولم يجد أمامه إلا مطالبة العالم "بالتحرك وإنقاذ أكثر من مليون ونصف المليون مدني"، مضيفاً: "إننا سنكون عرضة للخطر بمجرد بدء معركة التحرير المقبلة". من جهة أخرى، يأسف لعدم تدخل أي جهة دولية لإنقاذهم، وقد مرّت نحو عشرة أشهر على سيطرة داعش على المدينة، الذي عمل على تخريب كل مفاصل الحياة فيها، بالإضافة إلى تغذية بذور الفرقة والانقسام.
قلق وخوف
وفي وقت تُشاع فيه أخبار عن الشروع بتهيئة الجهات الحكومية المعنية مخيمات كبيرة في أطراف محافظة نينوى المحررة من سيطرة داعش، تحسباً لعمليات نزوح كبيرة ستشهدها الموصل في أعقاب شن الحملة العسكرية للقوات المشتركة، يطالب عدد من السياسيين الأهالي الالتزام بالبقاء في بيوتهم قدر المستطاع، تجنباً لأخطار العمليات العسكرية، والاحتماء في الملاجئ والسراديب التي تضمها بيوت المدينة.
ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان، محمد أديب، إن "ما يطلبه هؤلاء لا يمت إلى الواقع بصلة"، لافتاً إلى أن "الأهالي يعيشون قلقاً وخوفاً. فكيف يعقل بقاء مدنيين وعائلات في مدينة يسيطر عليها داعش، علماً أن عناصر التنظيم لن يترددوا في قتل المدنيين في حال تضييق القوات المشتركة عليهم، فضلاً عن خطر بقائهم في مدينة ستشهد قصفاً جوياً ومدفعياً وحرب شوارع، بالإضافة إلى احتمال حدوث مجاعة وانتشار الأوبئة والأمراض في ظل غياب الخدمات الأساسية والضرورية إذا ما استمرت الاشتباكات العسكرية فترة طويلة".
في السياق، تقول مصادر أمنية في الموصل إن "تنظيم الدولة الإسلامية عمل على زرع قنابل في عدد من المباني الحكومية والمنشآت المهمة في المدينة، بالإضافة إلى عدد من القصور الرئاسية التي بُنيت خلال حقبة نظام الرئيس صدام حسين، وتقع في شمال غرب الموصل".
وتضيف المصادر أن التنظيم يُخطّط لما بعد الانسحاب، وخصوصاً في حال أجبر على ذلك بعد دخول القوات المشتركة لتحرير الموصل ومناطق محافظة نينوى، موضحة أن "البنى التحتية للمحافظة في وضع سيئ للغاية جراء عمليات التفجير والهدم والتفخيخ والتخريب التي قام بها داعش".