يغادر مصر خلال ساعات وزيرا الخارجية والموارد المائية والري، سامح شكري ومحمد عبد المعطي، لحضور اجتماع يضم وزراء الخارجية والمياه في كل من مصر وإثيوبيا والسودان في واشنطن، بحضور ورعاية وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين يوم الإثنين المقبل، والذي يعتبر الاجتماع الأول من اجتماعين من المقرر عقدهما في واشنطن بالتقاطع مع الاجتماعات الأربعة الفنية الحاسمة التي أنجز منها اثنان في أديس أبابا والقاهرة، بهدف التوصل إلى حل نهائي لقضية سد النهضة بحلول منتصف يناير/ كانون الثاني 2020.
وقالت مصادر مصرية بالوزارتين إن هذا الاجتماع يهدف في الأساس لوقوف المراقبين الأميركيين والمنتمين للبنك الدولي على ما آلت إليه الأمور في الاجتماعين الفنيين الماضيين، والعمل على دفع عجلة التفاهم بسرعة، للتأكيد على جدية الرعاية الأميركية للمفاوضات. لكن ليس من المنتظر أن يتم الإعلان خلال اجتماع واشنطن عن تطور فني حاسم، في انتظار رد إثيوبيا على المقترح المصري الذي تم تقديمه في اجتماع أديس أبابا قبل الماضي، ونوقش في اجتماع القاهرة الأسبوع المنصرم.
وكشفت المصادر أن كلا من إثيوبيا والسودان تقدمت بأسئلة واستفسارات وتعليقات على المقترح المصري الجديد. وكانت نقطة الشكوى الرئيسية هي عدم وضوح بعض المصطلحات التي استخدمها المفاوضون المصريون، بشأن تحديد كمية المياه المتدفقة ومدى سلطة إثيوبيا في تحديد المواعيد المناسبة لملء الخزان الأول للسد، وكذلك تركيز الطرفين على محاولة ترجمة المقترح المصري إلى خريطة زمنية واضحة. ويرى السودان إلى جانب إثيوبيا أن تعليق المقترح المصري على حجم تدفق المياه ثم اتخاذ القرار بصفة مشتركة، من شأنه عدم ضبط الأمور بصورة حاسمة وترحيل الخلافات إلى المستقبل.
وارتباطاً بذلك، طلبت السودان من مصر إعادة صياغة المقترح بصورة أكثر تماسكا لتقديمه في الاجتماع المقبل المقرر يومي 21 و 22 من الشهر الحالي في الخرطوم، مع توضيح الرؤية المصرية لتطور تطبيق هذا المقترح في التشغيل المستمر للسد بعد الملء الأول للخزان، وكيفية قياس تدفق المياه واحتسابها، فضلاً عن مطالبتها إثيوبيا بأن تحدد بشكل واضح موعد البدء في التخزين حتى يتم احتساب الأمر وفقاً للمقترح المصري، وتقديم "مسودة عرض اعتباري" (بروفا) لما سيحصل إذا تم اعتماد المقترح المصري مع اتباع المواعيد الإثيوبية.
وذكرت المصادر أن الوفدين المصري والإثيوبي طلبا من الوفد السوداني التحفظ في الإدلاء بالتصريحات لوسائل الإعلام، باعتبار أن شعبي البلدين ووسائل الإعلام بهما الأكثر تضررا أو استفادة من السد، مقارنة بالشعب السوداني، واتباع الدولتين سياسة إعلامية محافظة إزاء الإعلان عن تفاصيل المقترحات المتداولة لحين التوصل إلى حل مرضٍ للجميع، وذلك بناء على اتفاق سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
وأشارت المصادر إلى أن الوفد السوداني اكتسب في الاجتماعين الأخيرين مساحة أكثر تأثيراً بسبب تحفظ الإثيوبيين الملحوظ في إبداء آراء حاسمة واكتفائهم بالتعليقات والاستيضاحات، لكن السودانيين ما زالوا "يحصرون أنفسهم في التفكير المباشر في خطة زمنية ثابتة للتعامل مع مسألة الملء الأول للخزان"، الأمر الذي لا يتحمس له المصريون كثيراً.
وأوضحت المصادر أنه خلال الاجتماع الأخير في القاهرة تلقى الأطراف الثلاثة أسئلة أكثر عمقاً من قبل المراقبين عن طبيعة المقترحات الخاصة بكل منهما، والمعايير المطلوبة لحكم هذا الخلاف، خصوصاً من قبل ممثل البنك الدولي، لكن لم يتدخل أي منهم لتفضيل مقترح على آخر.
وبينما امتنعت إثيوبيا عن إصدار أي بيان، قال بيان لوزارة الري المصرية إن الاجتماع الذي انعقد على مدار يومين في القاهرة استكمل مناقشة مخرجات الاجتماع الأول الذي عقد في إثيوبيا خلال يومي 15 و16 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بهدف محاولة تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث للوصول إلى توافق حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.
وأكد البيان رغبة الجانب المصري في التوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق التنسيق بين سد النهضة والسد العالي، في إطار أهمية التوافق على آلية للتشغيل التنسيقي بين السدود، وهي آليه دولية متعارف عليها في إدارة أحواض الأنهار المشتركة.
وسيترتب على المقترح المصري الجديد الذي نشرت "العربي الجديد" تفاصيله في 21 نوفمبر الماضي تخفيض كمية المياه الواصلة إلى مصر سنوياً إلى ما بين 35 و38 مليار متر مكعب من المياه، نظرا للاعتماد على حجم فيضان النيل الأزرق خلال سنوات الملء الأول، مما يعني تخلي مصر عن تمسكها القديم باتفاقيات النيل التي لم تكن إثيوبيا طرفاً فيها، فضلاً عن تخليها أيضا عن مقترحها السابق بضمان تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب سنوياً. لكن المقترح الجديد الذي يعتمد على هيدروليجيا النيل الأزرق سيفتح الباب لاستفادة مصر ببواقي الفيضان، وذلك بعد استفادة إثيوبيا بالمياه المطلوبة لملء الخزان الرئيسي للسد.
والمشكلة الرئيسية في هذا المقترح، وفقاً للرؤية الإثيوبية، أنه سيتطلب عملاً مشتركاً على تقييم أثر الفيضان في فترات الرخاء والجفاف، وهو ما يصطدم برفض إثيوبي مبدئي لفكرة الإدارة المشتركة لعمل السد في فترة الملء والتشغيل الأولى.
وكانت مصر تقترح سابقاً تحديد كميات التدفق والتخزين بالنسبة لقياس منسوب المياه في بحيرة ناصر، بينما كانت أديس أبابا تتمسك بأن الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر عند 165 أو 170 مترا قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية الملء لشهور عديدة متتابعة، نظراً لتدني مستوى الفيضان في بعض الأحيان إلى أقل من 30 مليار متر مكعب، وبالتالي ترى أن المحددات لا يمكن أن تقاس بأي مؤشر في دولة المصب.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الأخذ بالمقترح المصري الجديد سوف يبعد النقاش تماماً عن فكرة "المدة القطعية لزمن الملء الأول للخزان"، موضحة أن الجانب السوداني يتوقع وفقا للبيانات الفنية المتوفرة لديه عن حجم تدفق النيل الأزرق أن الملء وفقاً للمقترح المصري مع الحفاظ على معدلات المياه المطلوبة لتشغيل توربينات السد العالي، سوف يكون في متوسط 5 سنوات، لكن القاهرة لا ترغب في تصدير هذه المسألة على السطح، للتركيز على الآلية الجديدة وعدم استباقها ببيانات وتوقعات ربما تقف عائقاً أمام مناقشة المقترح.