سد النهضة: إثيوبيا تطالب باتفاق محاصصة جديد

06 اغسطس 2020
ستكون مصر المتضرر الأكبر من إعادة المحاصصة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كما كان متوقعاً في أعقاب إعلانها إتمام المرحلة الأولى من ملء سد النهضة بنجاح الشهر الماضي من دون تنسيق مسبق مع مصر والسودان، عادت إثيوبيا لتضرب عرض الحائط بكل التفاهمات التي سبق وتوصلت الأطراف الثلاثة لها في المفاوضات السابقة، معبرةً عن رغبة تبدو حقيقية لنسف المسار التفاوضي بالكامل تحت غطاء من التظاهر بالعكس، وذلك من خلال طرح خطة للتشغيل والملء لا تخلو من احترام القواعد الاسترشادية التي سبق الاتفاق عليها، مع الإصرار على اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق أوسع لإعادة محاصصة مياه النيل الأزرق والدخول في مشروعات تنموية مشتركة، تزعم أنها ستعود بالفائدة على جميع الأطراف. وذلك تأكيداً لما نشرته "العربي الجديد" سابقاً.
وتعبيراً عن اتساع الخلاف بين إثيوبيا من ناحية ومصر والسودان من ناحية أخرى في ما يتعلق بجدول أعمال جولة المفاوضات الحالية التي طالبت دولتا المصب بتعليقها، فإنّ إثيوبيا أعلنت أنها تنتظر رداً منهما خلال 48 ساعة، وادعت أنها ستكون على الموعد بحضور اجتماع جديد من المفاوضات اليوم الخميس، الأمر الذي يفتح لها باباً جديداً للمراوغة أمام الرأي العام العالمي، تحت مظلة الإدارة الأفريقية للمفاوضات المستمرة لشهر ونصف الشهر والفاشلة حتى الآن.

أبي أحمد أبلغ وزراءه أنّ أي اتفاق استرشادي وليس ملزما

وقال مصدر سياسي إثيوبي مطلع عقب البيانات المتضاربة، لـ"العربي الجديد"، إنّ موقف بلاده لم يتغير عما كان عليه منذ شهرين، ولكن ما تغيّر فقط هو عنصر الملء الأول الذي "جعل الحكومة الإثيوبية في حل من توسل الموافقة من دولتي المصب"، على حدّ تعبيره. وأكد أنّ رئيس الوزراء أبي أحمد أبلغ عدداً من قيادات حزبه ووزرائه خلال اجتماع الأسبوع الماضي لعرض الموقف التفاوضي، أنّ أي اتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة "استرشادي فقط وليس ملزماً"، طالما استمرت كل من مصر والسودان في تمسكهما باتفاق المحاصصة الموقع عام 1959 باعتبار أن من المستحيل الوفاء بذلك التقسيم المائي في حالة الأخذ بأي مصفوفة من أي طرف تتعلق بتنظيم تدفق المياه من السد.
وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة"، على حدّ زعمها، تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء سد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشح المائي.
من جهتها، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ الخارجية تواصلت مع بعض الدول دائمة العضوية والحالية في مجلس الأمن خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، على رأسها فرنسا وأميركا والصين وألمانيا، لعرض تطورات الموقف الإثيوبي، والتأكيد أن على مجلس الأمن التدخل مرة أخرى للحفاظ على الإطار العام القانوني الملزم للمفاوضات بصورة عاجلة. وأضافت المصادر أنّ الخارجية تواصلت أيضاً مع نظيرتها الجنوب أفريقية وبعض دول مكتب الاتحاد الأفريقي، ونوهت إلى أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه تلك الدول إذا أرادت الحفاظ على احتمال تحقيق الحل الأفريقي للقضية.

وذكرت المصادر أنّ عدداً من تقارير الموقف الدبلوماسي المعروضة حالياً على رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، ترشح بشدة الانسحاب من المفاوضات بوساطة الاتحاد الأفريقي، التي يصفها المسؤولون المصريون المشاركون في المفاوضات الحالية بأنها وساطة غير مجدية، وتوفّر لإثيوبيا غطاءً عملياً لاستمرار تلاعبها بالمقدرات المصرية والسودانية، وأنّ الحل الأمثل حالياً طلب وساطة فردية من دول أعضاء بمجلس الأمن من بينها الولايات المتحدة، وكذلك الموافقة على إعطاء دور أكبر للاتحاد الأوروبي.

الخارجية المصرية تواصلت خلال الساعات الماضية مع دول في مجلس الأمن

وأشارت المصادر في هذا الإطار، إلى خطورة البيان الصادر عن القمة الأفريقية المصغرة الأخيرة، والذي استغرق إعداده ثلاثة أيام، بسبب خلافات بين مصر وإثيوبيا تحديداً حول نص النقطة الخاصة بالإلزام، وقد جاء الحل في النهاية بوساطة جنوب أفريقيا، رئيسة الاتحاد الأفريقي، بأن يتم النص على الإلزام كما تم الاتفاق خلال القمة، ولكن مع إضافة عبارة أن يتضمن الاتفاق "اتفاقية شاملة بشأن التطورات المستقبلية على النيل الأزرق"، حسب الطلب الإثيوبي. ليفتح البيان بذلك الباب لمفاوضات "قد تكون طويلة الأمد" تتضمن الاتفاق على قواعد الملء السنوي والتشغيل المستمر من جهة، وإعادة المحاصصة في مياه النيل الأزرق. فضلاً عن النص على كيفية التعامل مع المشروعات المستقبلية التي يمكن لإثيوبيا إنشاؤها على النيل الأزرق في المسافة الواقعة بين المنابع وسد النهضة، وهي النقطة التي أصرت كل من مصر والسودان على أن يكون من الواضح فيها ضرورة الإخطار المسبق قبل فترة كافية.
وذكرت المصادر أنّ إضافة هذه العناصر للاتفاق، كانت من الأمور المرفوض تماماً من قبل مصر والسودان التطرق إليها في المفاوضات السابقة، لكن ما يحدث حالياً هو تمسك إثيوبيا الحرفي بما حمله البيان الأفريقي من عناصر، تماماً كتمسكها بالتفسير الحرفي لاتفاق المبادئ الموقع عام 2015.
ويطرح تكرار هذا الموقف أسئلة حول كفاءة المفاوض المصري والسوداني على الصعيدين الدبلوماسي والقانوني، لا سيما أنه من المعلوم أن إشكالية إعادة المحاصصة ستبقى خلافية، فضلاً عن سابقة تصميم مصر على اشتراط التوصل إلى الاتفاق الملزم ذي الآلية الواضحة لفض المنازعات، قبل التطرق إلى مسألتي المحاصصة والمشروعات المستقبلية. فالبيان المصري الصادر عن الرئاسة بعد تلك القمة ذكر نصاً أنه "سيتم لاحقاً العمل على بلورة اتفاق شامل لكافة أوجه التعاون المشترك بين الدول الثلاث في ما يخص استخدام مياه النيل" في إشارة مثلت ردة كبيرة عن موقف مصري ثابت ضدّ الخطة الإثيوبية لإعادة المحاصصة.
وحتى الآن؛ تستفيد مصر من فوائض الحصص أو بواقي الفيضان. وعلى الرغم من أهميتها، فإنّ إثيوبيا والسودان تبالغان في تقدير كميتها وتعتبران أن مصر تستفيد منها بشكل كبير، وكانتا تقولان خلال مفاوضات واشنطن إن مصر يصل إليها حالياً أكثر من 80 مليار متر مكعب من المياه، أي أكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان بواقع 30 ملياراً. وتجادل إثيوبيا بأنّ ملء بحيرة سد النهضة سيخفض الحصة المصرية (الفعلية) إلى رقم يراوح بين 52 و55 مليار متر مكعب، شاملة بواقي الفيضان، مقابل ارتفاع نصيب الخرطوم الفعلي إلى ما يراوح بين 18 و20 مليار متر مكعب، بدلاً من 8 مليارات كان منصوصاً عليها في اتفاقية 1959.
وترفض السودان ومصر تلك الحسابات والاتجاه الإثيوبي، خصوصاً الخرطوم التي صرح مسؤولوها أكثر من مرة بعد فشل المفاوضات الفنية الأخيرة بأن الاتفاق المنشود لا يجوز أن يمتد لإعادة المحاصصة، كما أشارت إلى ذلك -ضمنياً- في خطابها إلى مجلس الأمن مطلع الشهر الماضي. أما مصر، فعلى الرغم من أنها ستكون المتضرر الأكبر من إعادة المحاصصة، وهي أيضاً الهدف الأول من التصعيد الإثيوبي في هذا الاتجاه، فيبدو أنها ستستخدم الطلب الإثيوبي كوسيلة لفتح حديث أوسع عن الموارد المائية المتاحة لدى كل بلد، لإثبات أنها الطرف الأضعف في المعادلة والأكثر تضرراً على الدوام، وليس الجانب الإثيوبي الذي يروج على نطاق واسع لرواية مفادها بأنّ مصر هي الطرف الأكثر استفادة من النيل وأنها تحرم إثيوبيا من الاستفادة من مواردها الطبيعية، وترغب في استمرار حرمانها من ذلك.
ولوّحت إثيوبيا للمرة الأولى بورقة إعادة المحاصصة قبل الجولة الأخيرة الفاشلة من مفاوضات واشنطن في فبراير/ شباط الماضي، وكانت مقدمة لانسحابها منها. وأبلغت أديس أبابا واشنطن وقتها بأنها باتت ترى أنّ أي اتفاق ثلاثي حول مياه النيل الأزرق، من دون عرضه على باقي دول حوض النيل، أمر يفتقر إلى العدالة، ويسمح باحتكار دولتي المصب للمياه، وإهدار نتائج الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل في عنتيبي بأوغندا عام 2010.