واقع السجون متردّ في تونس، بحسب الهيئات المعنية. وفي هذا الإطار، أعلنت الإدارة العامة للسجون والإصلاح اعتماد مخطط خماسي (2015 - 2019) لتطوير منظومة السجون، بهدف تلبية احتياجات السجناء والشرطة على حد سواء وتحسين الخدمات المقدمة لهم.
تشهد السجون التونسية، البالغ عددها 27 سجناً بالإضافة إلى ستة مراكز إصلاح، ازدحاماً يصل في بعضها إلى 150%، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وقد وصل الأمر إلى احتجاز 125 أو 150 سجيناً في زنزانة واحدة لا تتسع لأكثر من خمسين.
واكتظاظ السجون واقع ساهمت في استفحاله عوامل عديدة، لعل أبرزها تزايد عدد المساجين في السنوات الأخيرة. ويوضح المدير العام للسجون والإصلاح، صابر الخفيفي، لـ "العربي الجديد"، أنّ "من الأسباب التي ساهمت في تفاقم الظاهرة كثرة الموقوفين تحفظياً مع المحكومين، على الرغم من أنّ القانون المنظم للسجون يفصل سجون التوقيف عن سجون التنفيذ وعن تلك التي تؤوي أشخاصاً محكوماً عليهم على خلفية جنح. لكن هذا القانون يبقى نظرياً، إذ إن الواقع الذي تعيشه السجون التونسية مختلف".
من جهتها، كشفت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، المعنية بحقوق الإنسان، عن أنّ السجون التونسية كانت تضم أعلى عدد من النزلاء في المنطقة في عهد الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، مع نحو 31 ألف سجين.
أما التقرير الصادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، فقد بيّن أنّ 53% من عدد المساجين الإجمالي متهمون بقضايا تتعلق بحيازة أو استهلاك أو ترويج مادة مخدرة، إلى جانب ارتفاع عدد الموقوفين بالمقارنة مع عدد المحكومين واختلاط السجناء من ذوي الأحكام الطويلة والقصيرة. وأشار إلى نقص في عدد الأعوان المختصين والمؤهلين للتعامل المباشر مع السجناء.
وبيّنت المفوضية في تقريرها أنّه ومن خلال معاينتها مراكز الإصلاح والتأهيل، اكتشفت أنّها تعاني بشكل عام من الاكتظاظ الشديد، وفي بعض المراكز يتناوب نزيلان أو أكثر على الفراش، أو قد يفترش آخرون الأرض لعدم توفّر أسرّة لهم. وهو الأمر الذي من شأنه أن يثير إشكالات بين السجناء ويسهّل انتشار أمراض جلدية كالجرب وغيره.
ويشير نائب ممثل المفوضية في تونس، مازن شقورة، إلى أنّ "نسبة السجناء العائدين إلى السجون تصل إلى 45% فيما تصل نسبة المبتدئين إلى حدود 55%". ويعيد ارتفاع نسبة العودة إلى السجون، إلى غياب برامج التأهيل والإصلاح في معظمها.
إلى ذلك، يشدّد شقورة على أنّ "ظاهرة الاكتظاظ وغياب الفصل بين فئات النزلاء هي الأخطر في السجون التونسية. وهو ما يصعب عملية الإصلاح وإعادة الإدماج ويساهم في نسبة انتشار الأمراض".
من جهة أخرى، ينصّ القانون المنظم للسجون على أن ثمة سجلاً خاصاً بكل نزيل، لكن المفوضية لحظت غيابه في السجون التونسية كلها. كذلك تناول القانون موضوع الفصل بين الفئات في داخل السجون وذلك على مستوى تصنيف السجون من جهة، وتصنيف المساجين في داخلها من جهة أخرى. فينصّ الفصل الثالث من القانون المنظم للسجون على تقسيمها إلى ثلاثة: سجون توقيف تؤوي الأشخاص الموقوفين تحفظياً، وسجون تنفيذ تؤوي الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية أو بعقوبة أشدّ، وسجون شبه مفتوحة تؤوي الأشخاص المحكوم عليهم على خلفية جنح. أما الفصل السادس من القانون فينص على أنّ تصنيف المساجين بمجرد إيداعهم يأتي على أساس الجنس والسن ونوع الجريمة والحالة الجزائية، أي إذا كانوا مبتدئين أم عائدين.
لكن المفوضية سجّلت غياب هذا التصنيف. ويوضح هنا مدير إدارة السجون والإصلاح، صابر الخفيفي، أنّ "الاكتظاظ لا يسمح لإدارة السجون بتطبيق التصنيف وفق ما ينص عليه القانون، الأمر الذي يفتح المجال أمام بعض المخاطر، من قبيل اختلاط المساجين المبتدئين مع مساجين خطيرين أو محكومين لمدّة طويلة، وما يمكن أن يفرزه من مخاطر منها التقليل من فرص الإصلاح، إلى جانب المخاطر الصحية التي تتربص بالسجناء وبأعوان السجون الذين يعيق عامل الازدحام عملهم ليشكل عنصر ضغط عليهم".
أعوان (شرطة) السجون من جهتهم، بحسب المفوضية، تأثروا بهذه الظروف وأصبحوا أقل قدرة على السيطرة على بعض الظواهر، من قبيل العنف وتعرضهم للعدوى بأمراض تنتشر في صفوف المساجين نتيجة نقص النظافة والتهوية والإحاطة الصحية.
لكن الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للسجون والإصلاح رضا زغدود، يوضح أنهم بدأوا ببعض الإجراءات، "فأطلقنا عملية تكوين إطارات وأعوان السجون ودعم البنية الأساسية عبر ترميم بعض السجون، على غرار سجني قابس وسوسة. كذلك سنلجأ إلى عملية تصنيف في بعض السجون، وفق تجربة نموذجية أعدت بالشراكة مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان".