أغلق سجن أبو غريب أبوابه بعد فضيحة تعذيب السجناء على أيدي الجيش الأميركي داخله، بين عامي 2003 و2004، إلا أن السلاسل والكابلات الكهربائية وأدوات قلع الأظافر و"سكاكين رش الملح" والجلادين انتقلوا جميعاً إلى سجن التاجي المجاور، والذي يبعد مسافة 30 كيلومتراً شمال غرب بغداد. وهناك، يقبع آلاف النزلاء العراقيين بداخله، غالبيتهم لم يعرضوا على أي محاكم مدنية أو عسكرية، وغالباً ما يصلون لهذا السجن بعد حملات اعتقالات عشوائية تتم على أسس طائفية معروفة لا تميز بين الشيخ والشاب والفلاح والأستاذ الجامعي. أما ظروف السجن، فتصفها مصادر أمن عراقية وأوساط سياسية بأنها لا تحتمل حتى للحيوانات.
وتوضح مصادر في وزارة العدل العراقية أن عمليات التعذيب صارت أمراً طبيعياً وروتينياً في السجن وبشكل يومي، وعادة ما تتم قبل تنظيف الأرضيات بالمعقمات خوفاً من "انتشار الجرب" مرة أخرى داخل السجن. ويقول مسؤول بالوزارة، اشترط عدم ذكر اسمه للإدلاء بالمعلومات، إن "وجود بقع دم على الأرض جراء التعذيب اليومي في بعض القاعات يؤدي إلى التأخر بتنظيف الأرضيات". ويضيف "بصراحة أغلب حراس وموظفي السجن يشاركون بالتعذيب، وتشعر أن المشاركين بطقوس التعذيب في السجن يعانون من مشاكل نفسية وعائلية، ويجدون في التعذيب ضالتهم"، وفق تعبيره. ويبيّن أن التعذيب عاد وبقوة أكثر من السابق منذ أيام، وبشكل ساديّ للغاية حتى على أولئك المعتقلين بلا تهمة ولا محاكمة، الذين زجّ بهم في السجن خلال حملات الاعتقال العشوائية، وهذا هو سبب الوفيات الأخيرة، بحسب تأكيد المتحدث نفسه.
وتواصل "العربي الجديد" مع أحد النزلاء من الداخل وحصل منه على شهادة حول ظروف التعذيب وتفاصيله. ويقول "أنا حالياً في سجن التاجي داخل قاعة بطول 20 متراً مربعاً، وفيها تقريباً 44 نزيلاً، بعد وفاة أحد النزلاء أخيراً". ويضيف "نطالب الجهات الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل والنظر لحالنا في السجن بسبب سوء المعاملة والتعذيب المستمر، فيما الكثير منا أبرياء وأنا واحد منهم". ويتابع قائلاً "تم اعتقالي من قبل الجيش في حي المنصور ببغداد، حين كنت جالساً أمام منزلي مع أصدقائي وتم اعتقالنا، وبعد الذهاب إلى المقر العسكري تم توزيعنا إلى السجون ولم نعلم ببعض منذ أكثر من 7 سنوات". ويؤكد أنه وقّع على أوراق لا يعرف ما كتب فيها، وأنه قام بذلك بسبب التعذيب، وقد حكم عليه بالسجن 15 عاماً، وفق المادة الرابعة من قانون محاربة الإرهاب.
ويواصل السجين نفسه شهادته قائلاً "لا يوجد طعام كافٍ ولا ماء بارد ولا تكييف"، مشيراً إلى أن "كثيرين ماتوا بسبب الركل على بطونهم ومناطقهم الحساسة أو الضرب على مؤخرة الرأس". ويكشف أنه خلال الفترة الماضية "ناشد نزيل في إحدى القاعات المسؤول عن القاعة بنقله إلى المستشفى لتردي حالته الصحية لكن بلا استجابة". ويتابع أنه "بعد فترة ازدادت حالته الصحية سوءاً وتم الاعتداء عليه جسدياً وبألفاظ طائفية، وتم سحله، وبعدها توفي النزيل، وحتى بعد وفاته تم الاعتداء عليه بالضرب والشتم والألفاظ النابية، وهذا شاهدته بعيني"، وفق قوله.
وحول ذلك، تعلن عضو لجنة حقوق الإنسان النيابية، شيرين رضا، أنه يتوجب على الحكومة ووزارة العدل التحقيق بالانتهاكات التي تمارس ضد السجناء في عدد من السجون، مشيرةً إلى أن "الكثير من الانتهاكات المنافية لحقوق الإنسان تمارس في السجون العراقية، لا سيما في سجن العدالة، وسجن التاجي". وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن "هناك اعتداءات ضد السجناء بشكل لا يليق بالعراق الجديد ونظامه الديمقراطي الذي يعتني بحقوق الإنسان، كما هو مفترض". وتبدي استغرابها لعدم قيام وزير العدل، حيدر الزاملي، بزيارات ميدانية لهذه السجون، لافتةً إلى أن "هذه السجون جزء من مسؤوليات الوزير ولا يعقل ألا يعرف بما يجري في داخلها من انتهاكات". وتؤكد أنها "سلمت الوزير مجموعة من التقارير التي تؤكد هذه الانتهاكات"، داعيةً إلى "ضرورة أن يتعامل معها بجدية ومنعها"، وفق تعبيرها.
ويقول مدير "مركز بغداد لحقوق الإنسان"، مهند العيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن سجن التاجي "يتبع لوزارة العدل العراقية ومنذ سنوات لم تنته فيه الانتهاكات، ويوماً بعد آخر تزداد بشاعة، ويزداد القائمون عليه وحشيةً"، على حد وصفه. ويؤكد أن الأطراف المسؤولة عن التعذيب "استغلت الأحداث الأخيرة وانشغال الرأي العام العراقي بالوضع الأمني لتزيد الانتهاكات والجرائم في السجون"، بحسب قوله. ويضيف أن لدى المركز "معلومات حول التعامل الطائفي والتعذيب والإهانة، وبشأن أمراض الجرب والسل وغيرها من المشاكل الصحية داخل السجن". ويلفت إلى أن "وزارة العدل متورطة بالموضوع وعلى علم بما يجري" في سجن التاجي، وفق تأكيده. ويخلص إلى أن "عدد النزلاء حالياً أكثر من 6 آلاف سجين داخل هذا المسلخ البشري"، مؤكداً أنه طالب أكثر من مرة بأن يسمح لهم "بالدخول إلى السجن، لكن رُفض ذلك".