عاد بعض السجناء السابقين المنتسبين إلى ما يسمى "السلفية الجهادية" إلى عدد من سجون المغرب، ليس لسجنهم هذه المرة، وإنما للتواصل مع المحكومين بقضايا الإرهاب، وذلك، في محاولة لثنيهم عن الأفكار المتطرفة، من خلال مواعظ ودروس ونقاشات حول الوسطية والاعتدال.
يأتي ذلك، في سياق مبادرة أطلقتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج المغربية، بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمشاركة عدد من الخبراء، في إطار برنامج "مصالحة"، المخصص للمعتقلين في ملفات ترتبط بقضايا الإرهاب والتطرف.
وفي السياق، تم تنظيم ورشة عمل بعنوان "الجامعة الخريفية بالسجون"، في السجن المحلي بمدينة فاس، تخللتها محاضرات ونقاشات بين "سلفيين تائبين" وبين معتقلين في ملفات التطرف والإرهاب، تمت جميعها تحت شعار "التأهيل الروحي للسجناء: أي دور في تحصين الذات وتغذية الروح"؟
وقال المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، في مداخلة خلال النقاش، إن "اختراق التصلب الواقع في الذهن الجماعي والفردي، للعديد من المتطرفين تعد معركة تستلزم التسلح بالقيم المجتمعية الكونية".
وتسعى مؤسسة محمد السادس، لإعادة إدماج السجناء، من خلال نزع الأفكار السلبية عنهم، وتحفيزهم على تحديد مصيرهم بأنفسهم، باعتبار أن الأفكار السيئة غالبا ما تستند إلى الشعور بعدم الانتماء، مما يؤدي إلى التطرف.
وفي السياق، أوضح الخبير في الملف الديني، الدكتور إدريس الكنبوري، لـ"العربي الجديد"، أن "إشراك سلفيين سابقين في هذه المبادرة يعد خطوة مهمة، لأن هؤلاء هم الأقرب إلى مزاج السلفيين المعتقلين، والأكثر قدرة على تفهم دوافعهم وحوافزهم الفكرية والنفسية نحو التطرف، كما أنهم سيكونون نموذجا للمعتقلين للتراجع عن الفكر المتشدد".
واعتبر الكنبوري، أن الدولة المغربية لجأت إلى هذه المنهجية بعدما ثبت لديها فشل المنهجيات السابقة التي قامت بها، مثل الاكتفاء بتلقي رسائل من المعتقلين تفيد تراجعهم عن التطرف أو الاعتراف بالمؤسسات الشرعية في البلاد، كما حصل مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
ولفت إلى أن "هذه التجربة لكي تنجح يجب أن تتوفر لها مجموعة من الشروط، إذ لا يكفي أن يعلن السجين عن توبته لكي يصبح شخصا جديدا، بل لا بد من توفير سبل الاندماج الطبيعي أمامه عبر مساعدته خارج السجن".
وذكر الكنبوري أن "هناك مساجين سابقين أفرج عنهم، ولكنهم ظلوا متشبعين بالفكر المتطرف، بل ربما زادوا تطرفا، لأنهم اكتشفوا أن الإفراج عنهم مجرد خروج من سجن أصغر إلى سجن أكبر" على حد تعبيره.