سجال فلسطيني حول فوز أردوغان

07 نوفمبر 2015

فوز أردوغان أزاح عن المشهد التركي القوى المتربصة به(4نوفمبر/2015/Getty)

+ الخط -
كما حيال كل حدث إقليمي، انقسم الفلسطينيون بين متهلل ومتزيّد في البهجة، لفوز حزب التنمية والعدالة وزعيمه أردوغان في تركيا، ومتبرم من هذا الفوز، كأنما لحقت الهزيمة به، وليس بالأحزاب التركية المنافسة. وفي الحقيقة، الموقفان غير موضوعيين، فقد أوقعتهما الحال الفلسطينية المتردية، وتأثيراتها النفسية، في المبالغة تفاؤلاً وتشاؤماً. الأولون، الذين تهللوا وبالغوا في الإعراب عن سعادتهم، جاءت ردود أفعالهم وكأن مشروع حزب العدالة والتنمية مطابق للمشروع الإسلامي الفلسطيني المُعلن، مشروع مقاومة، علماً أن اسمه، يتوخى التنمية والعدالة، في بلاده، ولا يتوخّى الزحف المقدس من بلاده إلى بلادنا. أما الذين تبرّموا، فقد كان قنوطهم محصلة مغالطات شائعة، تتعلق بموقف الحزب التركي الفائز وزعيمه أردوغان. والأسوأ، في الموقفين، أنهما جاءا استطراداً لسجال دائر، في الحياة الفلسطينية العامة، بين طرفين، يتهلل واحدهما لكل ما يُبغض الآخر وينُغّص عليه، فليس من شأن هزيمة أردوغان وحزبه إحباط مشروع مقاومة، كما أن هزيمة كهذه، لو وقعت، لن تأتي بما يبهج الطرف الذي يتمناها، لأن بديل حزب التنمية والعدالة هو القوى القومية المتشددة التي لن تتردد لحظة في التحالف مع العدو، وهي ألمحت إلى ذلك، في سياق ردود أفعالها على سياسة أردوغان. لو فازت هذه القوى لن تسرّ خاطر من يريدون فوزها، وستذهب بتركيا إلى خطوات أبعد، في التواطؤ مع إسرائيل.
ما إن أُعلن عن انتصار كبير، لحزب التنمية والعدالة؛ حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بلافتاتٍ، تستعيد صور لقاءات تركية ــ إسرائيلية في عهد أردوغان وحزبه. كان المتبرمون في عجلة من أمرهم، وليس لديهم الوقت، في اللحظة الساخنة، لأن يتذكّروا أن لقاءات مشابهة حدثت مع الشهيد الزعيم ياسر عرفات الذي يقع في الماء ولا يبتل. فلا معنى ولا أهمية، في انفعالات السجال، لتعيين الفارق بين نوعية لقاء للتواطؤ ولدعم إسرائيل، ولقاء يتلمس طريقاً إلى تسوية متوازنة، عندما كان افتراض تحصيلها قائماً. فالفلسطينيون أصحاب حق، أوصلتهم ظروف إقليمية ودولية ووطنية إلى مرحلة التماشي مع عملية سلمية، أسهم الجميع، الإقليمي والدولي، بالتدابير المرهقة وبالتنظيرات السخيفة والوعود، في تغذية أوهامنا عنها. أما تركيا، فهي دولة إقليمية كبيرة ومهمة، والحكم فيها وارث علاقات تاريخية مع إسرائيل. وقد صعد
حزب التنمية والعدالة إلى السلطة، فيما المشهد الإقليمي يعج باتصالات كل الأطراف مع إسرائيل. كما أن حكام تركيا، المقربين من المنهج الإسلامي، يتلافون بطبيعتهم الصدمات أو التحولات الفجائية، في سياسة الجمهورية، على الصعيد الداخلي وفي العلاقات الدولية، ويحاذرون ويأخذون بأسلوب التدرج، ولهم مشروعهم وطموحاتهم. وكان متوقعاً ألا يستثيرون حليفتهم الموروثة، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ويقطعون العلاقة مع إسرائيل، ويعلنون أنهم انضموا إلى معسكر عدائها ومناوئتها بكل السبل المتاحة، أي أن يكونوا، على هذا الصعيد، عرباً أكثر حماسة لفلسطين من العرب. لم يكن هذا وارداً، لكنهم، في المقابل، باشروا ديبلوماسية نشطة، اتسمت بالمساندة المميزة للقضية الفلسطينية، بمفردات عملية التسوية، وبمنطق تأثيم الجرائم الإسرائيلية. ولم يكن في المستطاع، بالنسبة لهم، أخذ الموقف الراديكالي الذي لا يختلف موضوعيا على أن موقفاً كهذا كامنٌ في ثقافة أردوغان وجماعته.
في مسار ديبلوماسية الأتراك، هناك ما لا يروق للمتشددين من "حماس" ولنظرائهم من "فتح". يتمنى الأولون، لسذاجتهم، لو أن أنقرة كفّت عن الاتصال بإسرائيل، وتبنت خطاب مقاومة مسلحة. ويتمنون كذلك، لو أن أنقرة شاركت معهم في هجاء السلطة الفلسطينية، بدل الحفاظ على علاقة وثقى معها. أما المتشددون ضد "حماس" فإنهم، لسذاجتهم كذلك، يتمنون لو أن أنقرة، فضلاً عن علاقاتها الجيدة مع السلطة الفلسطينية؛ ضيّقت على "حماس" وعلى "الإخوان المسلمين"، بدل أن تكون ملجأً لهم، وصديقاً حانياً. الموقفان الفلسطينيان، في فسطاطيْ التشدد، غير موضوعيين، وهما، على الصعيد التركي الأردوغاني، غير منطقيين، ولا يناسبان منهج تركيا، لا في السياسة، ولا في سياق العلاقات الدولية التي لها منطقها، ولا في ثقافة الذين يحكمون وأيديولوجيتهم. وحقيقة الأمر، أن تركيا، الآن، لن تكون مشروعاً متساوقاً مع مشروع المقاومة في فلسطين، وهي تكتفي بالدعم السياسي، وبعض الدعم التنموي والأدبي لكلا طرفي السجال الفلسطيني، فليس أمام طرفي السجال، حول المسألة التركية، سوى الوفاق الوطني، لأنه هو، وليس سواه، ما يلائم الأتراك أنفسهم، ومن يتوهم غير ذلك فهو مخطئ.
بقي أن نقول لطرفي الخصومة الفلسطينية، وللعرب على اختلاف توجهاتهم، وعلى الرغم من كل ما قيل ويقال، حول سياسة تركيا في العالم العربي؛ إن فوز أردوغان أزاح عن المشهد التركي القوى المتربصة به، وهي صديقة حميمة لإسرائيل، فلو أنها حكمت سيتأذى منها خصوم الحكم في تركيا قبل أصدقائه. فمن يبتعد عن العدو خطوة، يقترب منا خطوة، ولا معنى لكل التخرصات التي تقول غير ذلك. صور اللقاءات مع قادة العدو، التي استعادها المغردون عبر صفحات التواصل، لا تشرح الواقع، ولا تفسر اللحظة، ولا تلامس الحقيقة، مهما اتفقنا أو اختلفنا على المواقف التركية، من هذه المسألة أو تلك، في العالم العربي. واجبنا أن نقيس كل شيء على فلسطين وعلى قضيتها.