وزارة الخارجية التونسية سارعت إلى التأكيد أنه "تم تحريف تصريحات الوزير"، مشدّدة على أنّ "البكوش ذكر أنّ عدداً من الجهاديين المتواجدين في سورية قد اتصلوا بالقنصلية التونسية في إسطنبول، وأعربوا عن رغبتهم في العودة إلى أرض الوطن"، نافياً فتح قنوات تفاوض مع الجهاديين. وهو ما دفع إحدى الصحف المحليّة إلى نشر التسجيل الصوتي للحوار، لتأكيد صحة ما نُسب إلى الوزير.
يعلّق الخبير الأمني، علي زرمدين، على إمكانية عودة الجهاديين التونسيين، قائلاً إنّ "تونس لا تملك الأرضية، ولا حتى القدرة على استقبال أي جهادي، فهؤلاء تلطخت أيديهم بالدماء ولا يمكن قبولهم في تونس". ويضيف الخبير الأمني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجهاديين الذين توجّهوا إلى سورية، تدربوا على حمل السلاح في ليبيا، وشارك معظمهم في القتال، كما أنّ التوبة لا تندرج ضمن عقيدتهم"، لافتاً إلى أنّ "من عشق الفوضى وعاش ضمن محيطها لا يمكنه الاندماج مجدداً في المجتمع التونسي".
ويعتبر زرمدين أنّ "تونس تعيش على وقع تهديدات إرهابية، كما أن الأوضاع في ليبيا غير مستقرة، وبالتالي فإن الشباب التونسي الذين سبق أن مُنعوا من السفر إلى جبهات القتال، سيجدون الدعم الذي طالما انتظروه في تونس، لذلك لا يمكن لتونس أن تسمح بعودة الجهاديين إلى أراضيها". ويبيّن الخبير أن "عودة الجهاديين إلى الأراضي التونسية تشكّل تهديداً حقيقياً لاستقرار تونس. كما أن تونس لا يمكن أن تكون أكثر ديمقراطية من الدنمارك وبريطانيا وألمانيا التي حرمت المقاتلين من الجنسية والعودة إلى أراضيها"، مشدداً على "وجوب عدم إعطاء أي فرصة للتفاوض أو فتح باب الحوار مع هؤلاء المقاتلين".
في السياق نفسه، تقول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتجية الأمنية والعسكرية، بدرة قعلول، لـ"العربي الجديد"، إنّه "يوجد في سورية حوالى 6 آلاف مجاهد تونسي، ومعظم هؤلاء تنشّقوا رائحة الدماء وتدرّبوا على ثقافة القتال، لذلك لا يمكن السماح لهم بالعودة". وتشير إلى أنّ"تونس استقبلت نحو 700 مقاتل من العائدين، وأنّها لغاية اليوم لا تملك مراكز تأهيل ولا وسائل لمراقبة هؤلاء، ولا حتى قوانين تسمح لها بمحاكمتهم".
اقرأ أيضاً الخارجية التونسية: "جهاديون" بسورية يرغبون بالعودة
وتلفت قعلول إلى أنّ "المقاتلين التونسيين في سورية لا يعترفون بالانتماء إلى الدولة ولا يهمّهم الوطن، وهذا ما دفعهم إلى البحث عن بديل"، متسائلة عن "كيفية التمييز بين من توّرط في القتل ومن لم يفعل، وبين من نسّق الذهاب ومن تمّ إغراؤه". وترى قعلول أنه "بعد انتهاء الأزمة السورية، ستكون تونس أمام أزمة حقيقية تكمن في عودة المقاتلين إلى أراضيها، في ظلّ غياب تام لأي خطّة تمكّنها من أن تحمي نفسها من خطر الجهاديين"، مؤكدة أنّ "السجون التونسية مكتظّة، كما أنّها مصدر لتصدير الإرهابيين"، على حد قولها.
وتعتبر قعلول أنّ "باب التوبة لا يُفتح أبداً أمام المجموعات الخطيرة والإرهابية، وخصوصاً أنّ التونسيين الذين سافروا إلى جبهات القتال، انخرطوا في لعبة دولية كبرى، وينشطون ضمن نظام المافيا، وبالتالي فإنّهم سيعودون إلى تونس لأداء مهام معيّنة وسيكلّفون بأدوار جديدة". وفيما تشدد على أنّه "من السذاجة السماح لهم بالعودة والظنّ أنهم تائبون"، تذكّر قعلول أنّ "النظام الذي ينتمي إليه الجهاديون، يستحيل أن يتركهم يغادرون بسهولة".
في المقابل، يرى الاختصاصي في علم الاجتماع، سامي نصري أنّ "عدداً كبيراً من الجهاديين وتقريباً بنسبة 90 في المائة، توجّهوا إلى جبهات القتال لأنّهم فقدوا الأمل في وطنهم، لذلك لا ينبغي إغلاق الباب في وجوههم مجدداً". ويعتبر نصري أنّ "العائدين هم بمثابة كنز معطيات، إذ يملكون ما يكفي من المعلومات التي يمكن الاستفادة منها أمنياً"، مبيّناً أنّ ملف سفر الشباب إلى سورية بقي من الملفات الغامضة، إذ لم تُكشف جميع خيوطها بعد.
ويدعو نصري إلى ضرورة توفير مؤسسات مستقلة لاستقبال العائدين، وأن يعمل المجتمع المدني مع هذه المؤسسات لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب، موضحاً أنّ المشكلة التي قد تواجه هؤلاء تكمن في مدى تقبّل المجتمع لهم. ويشير نصري إلى أنّ نظرية "الوصم" في علم الاجتماع بيّنت أنّ رفض المجتمع قد "يدفع التائبين إلى العودة إلى الإجرام أو الإرهاب مجدداً".
اقرأ أيضاً وزير الخارجية التونسي لـ"العربي الجديد": سنزيد التعاون لمكافحة الإرهاب