سجال بالسويد... توجّه إلى التشدّد في سياسات الهجرة والاندماج

22 أكتوبر 2019
الجدال في البلاد يطاولهم (دايفيد راموس/ Getty)
+ الخط -

هل تلجأ السويد إلى التشدّد في سياساتها الخاصة بالهجرة والاندماج؟ سؤال يُطرح اليوم في البلاد، لا سيّما مع السجال الذي قام حول هذه القضية الإشكالية التي يشدّد كثيرون على بعدها الإنساني.

أثير في السويد أخيراً، سجال حول إصلاح سياسات الهجرة واللجوء في البلد، خصوصاً على أثر تصريحات لوزير الضمان الاجتماعي الجديد، أردلان شيكاربي، الذي عيّنه رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين من حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي، في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. وشيكاربي المتحدر من أصول إيرانية لم يخفِ رغبته في تشدّد السويد في سياسة توزيع المهاجرين/ اللاجئين على البلديات ووقف استقبال المزيد.

وكان شيكاربي قد انطلق ممّا شاهده بنفسه في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، خلال زيارته مدرسة ابتدائية في منطقة ألفيستا، جنوبي السويد. فنسبة الأطفال الذين يتحدّثون بلغة أمّ غير السويدية، أي من أصول مهاجرة أو لاجئة، كانت مرتفعة بالنسبة إليه، الأمر الذي رأى فيه "تهديداً لكلّ ما يرتبط بدولة الرعاية في السويد". وعبّر بالتالي عن رغبته في انتهاج السويد سياسات مختلفة في الهجرة واللجوء بالمقارنة بتلك التي اعتُمدت تاريخياً في البلاد. وفي سبيل ذلك، اقترح إدخال تعديلات تستجيب لبعض مطالب رؤساء البلديات غير الموافقين على سياسات استقبال مزيد من المهاجرين/ اللاجئين، أو على أقلّ تقدير انتهاج سياسة إسكان وتوزيع مختلفة لإنجاح سياسات الاندماج. وهو الأمر الذي تجاوب معه على ما يبدو لوفين الذي دخل على الخط النقاشات القائمة حول التحديات التي يواجهها المجتمع السويدي، يوم الأحد في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، بما في ذلك قضية الاندماج والهجرة. ولوفين الذي أشار إلى مشاكل عدّة تواجهها السويد، أكّد بحسب ما نقلت عنه صحيفة "أفتونبلادت" السويدية، "وجوب التركيز على عملية الدمج السريع، ولأجل ذلك سوف يتمّ تبنّي قوانين جديدة لدفع الناس سريعاً نحو سوق العمل، فيصير المهاجرون بالتالي جزءاً من النظام الاجتماعي ويتعلّمون اللغة والقيم التي تُعرف السويد بها". ولوفين الذي عبّر عن قلقه من الوضع الأمني في البلاد من خلال اتساع نطاق العنف في مدنها، رأى أنّه "لا بدّ من نشر الأمن، ومكافحة ثقافة جرائم الشرف وعدم التساهل والتسامح معها، وكذلك تمكين الجميع - ذكوراً وإناثاً - من التحرّك بحرية". وفي حين وعد باللجوء إلى خدمات عشرة آلاف شرطي جديد، شدّد لوفين على ضرورة العمل في الوقت نفسه حتى لا تكون الجريمة خياراً للجيل الشاب. كذلك نقلت صحف ووسائل إعلام سويدية عن شيكاربي أنّه "بهدف إنجاح الاندماج لا بدّ من تقييد الهجرة إلى البلاد"، مضيفاً أنّه "من أجل ممارسة الحقّ يجب الالتزام بالواجبات وعدم التسامح إطلاقاً مع ما يسمّى بجرائم الشرف فيما ينبغي وضع حدّ لإنشاء مدارس خاصة وحرّة (ويقصد بها المدارس الإسلامية والعربية)".

ترحيب باللاجئين في مالمو السويدية (Getty)

وقضيّة المهاجرين/ اللاجئين وتقييد عددهم قضيّة ساخنة بالنسبة إلى حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي في السويد، خصوصاً ما يتعلّق بقدرة البلاد على التعاطي مع الأعداد المهاجرة وما يجب فعله مع هؤلاء الذين حصلوا على إقامة في البلاد قبل استقبال المزيد. وهذا ما يتّفق عليه أردلان شيكاربي مع عدد من رؤساء المجالس البلدية في جنوب السويد وآخرين من بلديات أخرى ذات كثافة سكانية من أصول مهاجرة. في السياق، شدّد رئيس بلدية إسكيلستونا، الواقعة إلى غرب العاصمة استوكهولم، جيمي يانسون، على "ضرورة طرح سؤال على أنفسنا حول قدرة السويد على استقبال المزيد"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "داغنس نيهتر" السويدية. ويانسون، كما هي حال رؤساء بلديات آخرين عبّروا عن مواقفهم تحت عنوان "دقّ ناقوس الخطر في سياسات الاندماج" بحسب ما أفادت به وسائل إعلامية عدّة، طالب بإدخال تشديدات عدّة في ما يتعلق بالهجرة واللجوء والتعامل مع المقيمين بطريقة مختلفة، بحجّة جعل الناس أكثر اندماجاً في المجتمع السويدي. بالنسبة إلى يانسون، فإنّ بلاده تحتاج إلى إعادة النظر في أمور كثيرة في بلديات السويد، إذ إنّ "ثمّة ثغرات وفجوات مرتبطة بالوافدين الجدد الذين يعانون صعوبات أكبر في دخول مجتمعنا والاندماج فيه"، موضحاً أنّ بعض تلك المشاكل يتعلق بـ"ارتفاع نسبة البطالة بين هؤلاء وانتشار التهميش واللامبالاة".




تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة السويدية خصصت خلال الفترة الأخيرة نحو نصف مليار كرونة سويدية (نحو 51 مليون دولار أميركي) للبلديات التي استقبلت وافدين جدداً، وهو مبلغ لم يرق ليانسون وزملائه، خصوصاً في ما خصّ مبادرات التشغيل وإيجاد مساكن. فالشخص الذي يحصل على إعانة ولا يعمل يكلّف البلدية بحسب يانسون "100 ألف كرونة (نحو 10 آلاف دولار) سنوياً، ما يؤدّي إلى فجوة بين نظرة البلديات وقراءة الحكومة لمسألة الدمج". وقد ضمّ يانسون صوته إلى صوت وزير الضمان الاجتماعي الجديد، بحسب صحيفة "سفنسكا داغبلاديت" السويدية، داعياً إلى انتهاج "سياسة هجرة شبيهة بتلك التي يطبّقها جيراننا في دول الشمال (في إشارة إلى التشدد الذي ينتهجه كلّ من الدنمارك وفنلندا والنرويج في مجال اللجوء). فالسخاء السويدي هو ما يبحث عنه الناس، بالتالي نصير جذابين لهم. لذا علينا مواءمة سياساتنا مع سياسات غيرنا في المجال".

في المقابل، عارض أعضاء في حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي ما يطرحه الوزير شيكاربي، مطالبين بـ"الحفاظ على سياسات السويد الإنسانية" وبعدم اللحاق بحزب "ديمقراطيو السويد"، وهو حزب يميني متطرّف حصل على 17.5 في المائة خلال انتخابات العام الماضي ورفضت بقيّة الأحزاب منحه نفوذاً في البرلمان. وقد صرّح المقرّر السابق لشؤون الدمج في حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي (معسكر يسار الوسط) فريدريك لوند ساميلي، بأنّ "السويد مضطرة إلى استقبال لاجئين مع وجود نحو 60 مليون مهاجر/ لاجئ حول العالم يهربون من ظروف صعبة. وكلّ ما نقوم به اليوم هو منح حيّز للبشر ومساعدة الناس الهاربين وتزويدهم بقدرات للبقاء".

هذا هو أردلان شيكاربي الذي أثار الجدال في البلاد أخيراً (الأناضول) 

وفي منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، سُجّل نقاش حامٍ في أوساط حزب العمال حول الموضوع. وقد عبّر أقطاب عن رأيهم بضرورة تبنّي سياسات متشددة، الأمر الذي يمنح شيكاربي تأييداً في قواعد الحزب، في ما يخصّ تشديد سياسات الهجرة. وقد نقلت مؤسسة التفكير والبحوث التابعة للحزب عن السياسية ماريا هند ألياس عدم موافقتها على سياسة الانفتاح ووجوب استقبال اللاجئين في بلديتها إسكيلستونا، فهي رأت في ترك الناس يختارون بأنفسهم مكان سكنهم أمراً من شأنه أن يؤدّي إلى عدم اختلاط بين التلاميذ من أصول مهاجرة/ لاجئة وبين بقيّة أبناء المجتمع. أتي ذلك في إشارة إلى اكتظاظ عدد من مدارس السويد بنسبة كبيرة من أبناء مهاجرين ولاجئين لغتهم الأمّ غير السويدية. يُذكر أنّ النقاش أتى على خلفية تراجع حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي في انتخابات سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وعدم تسجيله إلا 28.2 في المائة. ويطرح الأمر، في أوساط يسار الوسط، إمكانية التعاون مع اليمين المتشدد (ديمقراطيو السويد)، وقد رأت السياسية البارزة في الحزب إيرينا فينمو، في صيف 2019، أنّه من الخطأ أن يرفض حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي التعاون مع "ديمقراطيي السويد" في البرلمان في ما خصّ سياسات الهجرة والدمج.



تفيد بيانات مصلحة الهجرة السويدية بأنّ أكثر من 132 ألف شخص حصلوا في عام 2018 على إقامات في السويد، من بينهم نحو 25 ألفاً بصفة لاجئ. وقد جرى تحويل أكثر من 44 ألفاً منهم للعيش في بلديات معيّنة في إطار خطط الدمج. يُذكر أنّ السويد كانت قد استقبلت في عام 2015 نحو 163 ألف لاجئ، فأدّت الضغوط الكبيرة على نظام الدمج وإسكان اللاجئين إلى تغيّر في سياسات البلد المنفتحة، فأعادت العمل بنظام رقابة الحدود مع جارتها الدنمارك، إذ إنّ الأخيرة شكّلت المعبر البري الرئيس من ألمانيا في اتجاه السويد، وما زال الأمر قائماً حتى يومنا هذا، على الرغم من أنّ نظام رقابة الحدود قد عُدَّ مؤقّتاً في البداية، علماً أنّ الأمر نفسه لجأت إليه الدنمارك مع ألمانيا. مع ذلك، اضطرت السويد إلى استقبال عشرات الآلاف الذين وصلوا بعد ذلك بصفة طالبي لجوء أو ممّن حصلوا على إقامات لمّ شمل. ويعاني المهاجرون/ اللاجئون في السويد، خصوصاً، في قضايا السكن، لذا يضطر كثيرون منهم إلى الانتقال إلى المدن حيث الجاليات الأجنبية الكبيرة، سواء في محيط العاصمة استوكهولم أو في مدن سكونا في أقصى الجنوب السويدي، مثل مدينة مالمو التي تسجّل بها أحداث عنف بسبب اقتتال عصابات من أصول مهاجرة أو مدينة غوتنبرغ (يوتيبوري) التي تشهد اكتظاظاً في ضواحيها.
المساهمون