ستيفن هوكينغ: قصة عالم داخلي

26 يناير 2015
لقطة من الفيلم
+ الخط -

عادةً ما يرافق ولادةَ مشاريع الأفلام السيَرية سؤالٌ: هل يمكن تقديم جديدٍ سينمائي لدى تحويل حياة شخصية معروفة بما يكفي إلى الشاشة الكبيرة؟ يستمدّ هذا السؤال شرعيته من كون السينما فناً تنبني إحدى أهم علاقاته مع النجاح، وكذلك مع الجمهور، على قوّته في ابتكار الجديد، أو، في أضعف الأحوال، في إعادة إنتاج العادي بلغةٍ جمالية.

في حالة "نظرية كلّ شيء"، فيلم جايمس مارش الأخير، يحمل هذا السؤال بعداً مضاعفاً. ذلك أننا إزاء فيلم لا ينتقي شخصية تاريخية، غير معاصرة، مرنة لناحية التدخّل أو إعادة بناء حكايتها؛ بل يضع نفسه أمام رهان أصعب: تصوير مرحلة من حياة عالِم ما يزال على قيد الحياة، مشهور بما يكفي، هو الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ، وعلاقته بزوجته السابقة، جاين وايلد.

يستند فيلم مارش على مذكّرات وايلد، التي كان يمكن لها، ككتابة حميمة وشخصية، أن تضيف بعضاً من الخصوصية على القصة، ما قد يخلص الفيلم من الوقوع في خانة المعروف والمكرّر. غير أن رغبة المخرج في إقحام أفكار هوكينغ الفيزيائية، الشهيرة كشهرته، كخط درامي أساسي في الفيلم، أخذ شريطه إلى أراض أقل خصوبة من تلك التي أراد الوصول إليها.

هذه المعضلة التي يواجهها الشريط على مستوى السرد، لا تنسحب على صورته. هنا، يبرز دور السينماتوغرافر الفرنسي بونوا دولوم في تأثيث لغة بصرية تستنطق قصة هوكينغ وتؤطرها في مشاهد قائمة على فهم أعمق من اللغة والفهم المدرسيّين اللذين يقترحمها السرد.

رغم محدودية خياراته، التي تحجّمها واقعية القصة، ينجح دولوم في إنجاز مهمّته: تهيئة جوّ لإظهار فرادة هوكينغ، معاناته وصراعاته. وتنجح الكاميرا في تجاوز ما قد تبدو خيارات محدودة. هكذا، ستتحول قلّة الحركة لدى البطل، الذي سيقضي غالبية الفيلم (حياته) على مقعد متحرك، ومحدودية الأماكن والشخوص التي يلتقيها، إلى عوامل إيجابية لرسم شخصيته.

وتنجح الكاميرا في نحت شخصية هوكينغ وعالمه الداخلي المليء بالأفكار والأزمات والصراعات الصامتة التي غالباً ما لا يبوح بها، بل تساعدنا عدسة الكاميرا، بلقطات قريبة جداً منه، على تحسّسها، حتى أننا نكاد نتلمس حركات عضلات إيدّي ريدماين - الممثل الشاب الذي يؤدي دور هوكينغ، وهي تنشدّ وتتقلص. وما ينطبق على النجاح في التقاط هذه العوالم الداخلية، ينطبق على المشاهد الخارجية، الحالمة، التي ترتبط دائماً بخروج هوكينغ من عزلته ليلتقي بالآخرين.

جودة الصورة في "نظرية كل شيء"، وجودة التمثيل (إيدي ريدماين، وفيلسيتي جونز – التي تؤدّي دور الزوجة، مرشّحان لـ "أوسكار" أفضل ممثل وممثلة بدور رئيسي)، هما العاملان اللذان يضعان في رصيده قيمةً ما، في ظلّ ضعف النصّ وثقل تقطيعات المونتاج خصوصاً بين المشاهد "المفصلية" التي تصور انتقالاً ما في حياة هوكينغ.

دلالات
المساهمون