وبعد أن باءت جميع محاولات ماي بالفشل، رضخت نهاية الأسبوع الماضي للضغوط الداخلية في حزبها وأعلنت نيتها الاستقالة بعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبريطانيا (بين 3 و5 يونيو المقبل)، عوضاً عن طرح خطتها لـ"بريكست" أمام البرلمان للمرة الرابعة. وسرعان ما أعلن عدد من الشخصيات الرئيسية في حزب المحافظين عن استعدادهم لخوض الانتخابات الداخلية لخلافة ماي، وشملت القائمة أسماء مثل جونسون، ووزير "بريكست" السابق دومينيك راب، ووزير الخارجية جيريمي هنت ووزير الصحة مات هانكوك.
وجونسون أوفر المرشحين حظاً لخلافة ماي، خصوصاً أنه سبق أن شغل منصب عمدة لندن، ووزارة الخارجية، كما تصدّر الحملة المطالبة بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 23 يونيو عام 2016. ويحظى جونسون بتأييد واسع بين قواعد حزب المحافظين، ولكنه يفتقر إلى هذا الدعم بين نواب الحزب في البرلمان. ويطالب بضرورة تطبيق "بريكست"، متعهّداً بالخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دونه في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
كما أكد راب ترشحه لخلافة ماي، ويعد من بين أشد المؤيدين لـ"بريكست"، والمعادين للاتحاد الأوروبي حتى منذ ما قبل الاستفتاء عام 2016. وكان راب وزيراً للعدل ومن ثم "بريكست" قبل استقالته من منصبه احتجاجاً على صفقة ماي. ويؤيد راب أيضاً الخروج من الاتحاد من دون اتفاق، بل وادعى أنه سيتجاهل رأي البرلمان في سبيل "بريكست".
ودفع ذلك عدداً من نواب المحافظين، على رأسهم وزير المالية فيليب هاموند إلى تحذير جونسون وراب، من أن النواب مستعدون لكبح طموحات أي رئيس للوزراء يدفع باتجاه "بريكست" من دون اتفاق، وبالدفع نحو انتخابات عامة مبكرة، وذلك وسط مخاوف من أن يحدد نجاح حزب "بريكست" في الانتخابات الأوروبية، المؤيد لسيناريو عدم الاتفاق، البرامج الانتخابية للمرشحين لخلافة ماي، بهدف المنافسة على ذات القاعدة الشعبية. يذكر أن حزب "بريكست" نجح في كسب أصوات العديد من مؤيدي حزب المحافظين التقليديين، وسيسعى زعيم المحافظين المقبل لاستعادة هذه القاعدة الشعبية من الناخبين.
وأعلن أيضاً وزير البيئة مايكل غوف ترشحه، وهو الذي كان قد حل ثالثاً في الانتخابات التي تلت استقالة ديفيد كاميرون من رئاسة الوزراء عام 2016. وغوف هو من أوجه حملة "بريكست" خلال الاستفتاء، إلا أنه لا يؤيد الخروج من دون اتفاق مع أوروبا، بل ظل مدافعاً عن موقف ماي وخطتها بدلاً من الاستقالة من منصبه. ويقدم نفسه على أنه مستعد للتوصل إلى تسوية حيال "بريكست" بهدف الحفاظ على وحدة الحزب، وأكد أنه مستعد لطلب إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.
وتشمل القائمة كذلك جيريمي هنت، والذي شغل أيضاً وزارة الصحة لست سنوات، قبل أن يحل مكان جونسون في وزارة الخارجية. وأيد هنت البقاء في الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء، لكنه انقلب معارضاً له مع تحول الجو السياسي المحافظ بعيده، وليصف الاتحاد الأوروبي في مرحلة لاحقة بأنه مشابه للاتحاد السوفييتي. كما أعلن وزير الصحة مات هانكوك، والذي شغل أيضاً منصب وزير الثقافة في مرحلة سابقة، ترشحه للمنافسة. وكان هانكوك بين صفوف معارضي "بريكست" خلال الاستفتاء، إلا أنه تحول إلى مؤيد له ومدافع عن خطة ماي.
كذلك ترشحت أندريا ليدسوم، زعيمة المحافظين في البرلمان، التي استقالت من منصبها احتجاجاً على طرح ماي خطتها للتصويت للمرة الرابعة الأسبوع الماضي. وكانت ليدسوم قد نافست ماي في الجولة الأخيرة في انتخابات زعامة الحزب عام 2016، وهي من المتحمسين لـ"بريكست". بدورها، أعلنت وزيرة العمل السابقة إستر مكفاي، نيتها المنافسة أيضاً، وهي من مؤيدي "بريكست" مشدد، وترغب في طلاق كلي مع الاتحاد الأوروبي، ولا تبدي رغبة في التفاوض على الاتفاق.
وشملت القائمة أيضاً وزير التنمية الدولية روري ستيوارت، الذي شغل أيضاً وزارة السجون في حكومة ماي. ويعد ستيوارت من مؤيدي الاتحاد الأوروبي، إلا أنه وكغيره من المرشحين، تحول لتأييد "بريكست" بعد الاستفتاء، لكنه يرى نفسه قادراً على التواصل مع المعارضين، ويصفها بميزة يستطيع من خلالها توحيد البلاد من جديد. ويعارض ستيوارت كلياً "بريكست" من دون اتفاق ويرى فيه طريقاً "لا يمكن سلوكه، ولا داعي للخوض فيه وسيضر بالبلاد".
ومع بقاء أقلّ من أسبوعين على إغلاق أبواب الترشح في 10 يونيو، تبرز أسماء عدة قد تدخل المنافسة. وقد تعلن وزيرة الدفاع بيني موردونت عن ترشحه، وهي التي شغلت وزارة التنمية الدولية سابقاً، وكانت أحد أوجه حملة "بريكست" عام 2016. ويماثلها في ذلك أيضاً وزيرة التنمية الدولية السابقة، بريتي باتيل، ووزيرة العدل السابقة ليز تروس. كما قد ينضم للسباق رئيس "لجنة 1922" البرلمانية غراهام برادي، ووزير الدولة السابق لشؤون "بريكست"، ستيف بيكر، وهو أحد أكثر نواب مجموعة الأبحاث الأوروبية تشدداً.
ويحتاج كل مرشح إلى تأييد نائبين من الحزب، وفي حال وجود أكثر من مرشحين تجري الانتخابات في جولات عدة يتم إقصاء المرشحين فيها واحداً تلو الآخر. ويقتصر التصويت في المراحل قبل الأخيرة على النواب المحافظين في البرلمان، ليخرج منها للمرحلة الأخيرة مرشحان اثنان فقط. وفي المرحلة الأخيرة يصوّت جميع المنتسبين لحزب المحافظين لصالح أحد هذين المرشحين. وتشرف "لجنة 1922" البرلمانية، التي تجمع النواب المحافظين في البرلمان البريطاني، على الانتخابات الداخلية في الحزب، وذلك بعد موافقة اللجنة المركزية للمحافظين. وتصدر اللجنة قائمة بالأسماء المرشحة لزعامة الحزب. وفي حال كان هناك اسم وحيد، ينجح بالتزكية، وإذا كان هناك اسمان، يتم تجاوز المرحلة الأولى من الاقتراح والتوجه إلى أعضاء الحزب مباشرة.
وقد تستهلك هذه العملية أسابيع عدة، على الرغم من أن المرشحين الذين لا يحصلون على الدعم الكافي، غالباً ما ينسحبون من السباق باكراً، مما يسرع من عملية اختيار زعيم الحزب. ففي انتخابات زعامة الحزب عام 2016، والتي تلت استقالة كاميرون من منصبه على خلفية فشله في استفتاء "بريكست"، برز خمسة مرشحين لخلافته. وفي الجولة الأولى تم إقصاء ليام فوكس بعد أن حل أخيراً، بينما انسحب ستيفن كراب لحلوله رابعاً وبتأييد 34 نائباً (10 في المائة من الأصوات) فقط. بينما شهدت الجولة الثانية الإطاحة بمايكل غوف الذي حل ثالثاً. وتنافست في المرحلة الأخيرة كل من أندريا ليدسوم وتيريزا ماي، ولكن انسحاب ليدسوم من المنافسة، وضع ماي في زعامة الحزب بالتزكية ومن دون اقتراع.
وتشهد الجولة الأخيرة اقتراعاً مباشراً من جميع المنتسبين لحزب المحافظين، وهم من يدفعون رسم اشتراك سنوي قيمته 25 جنيها إسترلينيا، بدلاً من التوجه لانتخابات عامة. ويبلغ عدد المنتسبين لحزب المحافظين، وفقاً لبيانات العام الماضي، 124 ألف شخص، وهو عدد قليل نسبياً عند مقارنته بمنتسبي العمال، وعددهم نحو نصف مليون شخص. وتكشف قناة "بي بي سي" عن مجموعة من مميزات هذه الشريحة التي ستختار رئيس الوزراء البريطاني المقبل. ونحو 97 في المائة منهم من البيض، وهو ما يعني أن الأقليات البريطانية، والتي تبلغ نسبتها من السكان 10 في المائة، لا تمتلك تمثيلاً مناسباً. كما أن نسبة النساء من منتسبي الحزب نحو 30 في المائة فقط. ويبلغ المتوسط العمري لأعضاء الحزب 57 عاماً، و40 في المائة منهم يتجاوزون 65 عاماً. ويتركز نحو 60 في المائة من أعضاء الحزب في شرق إنكلترا وجنوبها الشرقي والغربي ولندن. وفيما يتعلق بـ"بريكست"، يؤيد ثلثاهم الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، بينما يؤيد هذا الخيار نسبة 25 في المائة فقط من البريطانيين عموماً، ويعارض 84 في المائة من أعضاء المحافظين فكرة "الاستفتاء الثاني".