سباق الرئاسة المبكّر في تونس

28 يناير 2019
+ الخط -
مؤكّدٌ أن السنة السياسية الحالية في تونس ستكون حافلة بالأحداث، فمن حالة التجاذب بين الحكومة والنقابات، مرورا بالصراع الداخلي بين أجنحة حزب نداء تونس، ووصولا إلى الانتخابات المقبلة التي سيكون موعدها نهاية العام الحالي، يستمر تواتر الأحداث وتزايد التجاذبات وتشكّل التحالفات وانفضاضها بصورة متسارعة، وهو مشهدٌ يكشف عن أزمات اجتماعية من جهة، وحيوية سياسية عالية من جهة أخرى، وهو ملمح عام لتونس ما بعد الثورة. 
على الرغم من أن موعد الاقتراع تفصلنا عنه بضعة شهور، إلا أن حمّى الانتخابات بدأت بالتصاعد بشكل خفي، من خلال حملات إعلامية متضادة، وإعلان وجوه سياسية مختلفة عزمها على خوض معترك الانتخابات الرئاسية. وعلى الرغم من تعدّد الأسماء التي أبدت استعدادها للترشح، وهو أمر طبيعي قياسا إلى تجربة انتخابات 2014 التي عرفت 27 مرشحا في دورتها الأولى، إلا أن الأكيد بروز أسماء معينة ستكون الأكثر حظا في خوض غمار الانتخابات، وأكثر جديةً في طلب ودّ الناخب التونسي.
يلفت الانتباه في هذه المرحلة إعلان الرئيس الحالي، الباجي السبسي، من خلال أوساط مقربة منه، عزمه على خوض تجربة الرئاسة من جديد، حيث ظهرت تصريحات متكرّرة لمقربين منه تؤكد أنه سيكون مرشح "نداء تونس" في الانتخابات الرئاسية، على الرغم من أنه جاوز التسعين بسنوات، وعجز عن تقديم صورة جيدة في سنوات حكمه في إدارة ملفات مختلفة، وظهوره بمظهر الرئيس العاجز، في أحيانٍ كثيرة. إلا أن المحيطين به يضغطون عليه من أجل الترشح، وهم في هذا يحافظون على دائرة المصالح والنفوذ الذي تحقق لهم طوال وجود السبسي في قصر قرطاج. وإذا كان الظرف السياسي قد خدم السبسي سنة 2014، من خلال تشكّل تحالف حزبي كبير حول شخصه، ومن خلال ما سُمّي وقتها التصويت المجدي الذي منع تشتت أصواتٍ كثيرة صبت لصالحه، إلا أن الظرف الحالي مختلف تماما، سواء بسبب الانشقاقات التي عصفت بحزب الرئيس، أو لفقدانه دعم وجوه سياسية كثيرة مهمة، شكلت حزاما داعما له من قبل.
في المقابل، يظهر الرئيس السابق، المنصف المرزوقي، على السطح، وهو لا يخفي رغبته في العودة إلى الحكم، هذه الشخصية السياسية المثيرة للجدل، والتي تتمتع بصراحة سياسية قلّ نظيرها بين السياسيين، ولكنها كانت دوما مصدر إزعاج، سواء لمناوئيه أو حتى لحلفائه. وعلى الرغم من توجهاته الحقوقية الواضحة، ونظافة سجلّه الشخصي، تظل نقاط ضعف المرزوقي 
كامنة في جملة من الاعتبارات، أهمها أنه يفتقر إلى كيان سياسي قوي يدعمه، خصوصا بعد تفكك حزبه، حراك تونس الإرادة، بالإضافة إلى سوء اختياره معاونيه السياسيين في أثناء تجربته السياسية الأولى، والذين استفادوا من حضورهم حوله حينها، قبل أن يتحول بعضهم إلى مناوئين له. وعلى الرغم من كل هذه الاعتبارات، للرجل حضور قوي داخل أوساط مختلفة من أنصار الخط الثوري، وكل المتضررين من عودة الثورة المضادة.
سيكون المشهد بالطبع حافلا بحضور مرشح الجبهة الشعبية، حمّة الهمامي، والذي تظل حظوظه محدودة جدا، بسبب عجزه عن تقديم خطاب تجميعي للقوى الناخبة، حيث تظل صورة اليسار التونسي مقترنة بأنه قوة احتجاج، وليس قوة حكم، وهو أمر أفقده ثقة الكتلة الناخبة في حجمها الأكبر. وربما يكون محمد عبو أو قيس سعيد من ذوي الحضور في أي انتخابات مقبلة، من دون أن يعني هذا ضمان الحضور في الدور الثاني. فإذا كان الأول يستمد حضوره من فكرة أنه مرشح يحارب الفساد، ويدافع عن الشفافية، إلا أن بعض التوجهات العلمانية المتشدّدة لحزبه قد تحرمه من الدعم المفترض للقوى المحافظة. في المقابل، يحظى قيس سعيد، وهو شخصية مستقلة ذات خلفية قانونية، بتأييد من أوساط مختلفة شبابية، لكن غياب آلة دعاية حزبية قوية تدعمه تضعف كثيرا من حضوره، وربما كان رهانه على الغاضبين من الأحزاب الكبرى، وأنصار فكرة تجدّد الطبقة السياسية، يمنحه أسبقيةً مقارنة بأسماء حزبية معروفة، مثل أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر ومهدي جمعة.
غالبية الطيف الحزبي التونسي يسعى إلى تسجيل حضوره في الانتخابات الرئاسية المقبلة بأشكال مختلفة، إما بترشيح وجوهٍ تنتمي إليها، أو دعم أخرى قريبة منها. وفي الحالتين، ستتأثر الانتخابات الرئاسية قطعا بالانتخابات النيابية التي ترافقها، بما يعني أننا قد نكون أمام مشهدٍ مكرّر لانتخابات 2014، حيث كان الصراع بين قوى النظام القديم التي تحتفظ بنفوذ واسع في الدولة والجيل الجديد الذي يشعر بالانزعاج من مشهدٍ سياسيٍّ، ما يفتأ يعيد إنتاج ذاته، من دون قدرة على إيجاد الحلول أو التقدم بالبلاد.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.