سامي الشوّا.. قصّة كمان

04 ابريل 2015
+ الخط -

على من تقع مهمة التوثيق والتأريخ للتراث الموسيقي العربي؟ ليس بمعنى وجود مكتبة موسيقية تضم الأعمال النادرة فحسب، بل من حيث تناول ودراسة تطور هذه الموسيقى والتوثيق لأعلامها.

ربما هي مهمة لا بد أن تتشاطرها معاهد وجامعات، لكن ما بين أيدينا هو مبادرة من "مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية" التي أصدرت أخيراً كتاب "سامي الشوّا أمير الكمان - حياته وأعماله" (دار الساقي)، من تأليف أحمد الصالحي ومصطفى سعيد، بمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيل الشوّا.

تتقاطع سيرة الشوّا مع نهضة الموسيقى في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، نهضة ارتبطت بالموروث الثقافي الموسيقي العريق الذي عرفته أرض الكنانة، إضافة إلى إدخال الآلات الغربية عليها، مثل التشيلو الكونترباص والبيانو.

في تلك الفترة، وضع العديد من الموسيقيين العرب، مثل سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعائلة الشوّا، قطعاً موسيقية ومؤلفات تراوحت بين التقاسيم والسماعيات والبشارف واللونغات، إضافة إلى الموشحات والرقصات، والتي تُعتبر الآن من أساسيات المكتبة الموسيقية العربية، ومراجعها المهمّة.

لكن رغم هذه النهضة التي مرّت فيها الموسيقى العربية، فقد بدأت بالتراجع والضياع أكثر فأكثر مع نهايات القرن العشرين؛ إذ افتقرت إلى توفّر المناهج والبحوث والمراجع الموسيقية الرصينة والجادة التي تخوض في هذه الموسيقى وتاريخها وأهمّ مفاصلها.

في الجزء الأول، يستعرض المؤلفان مشوار الشوّا الفني، الذي ركّز فيه على آلة الكمان. أمّا في الجزء الثاني، فيتضمن تحليلاً لأبرز أعماله. ووفقاً للكتاب، فإن آلة الكمان لم تكن تعلب دوراً محورياً في الموسيقى العربية، وإنما كانت هامشية، إلّا أنّ الشوّا، وبفضل اجتهاده واعتماده على العلم والتدريب لاكتساب تقنيات جديدة في العزف وفهم الآلة الموسيقية، استطاع أن يمنح الكمان مكانة مميزة؛ لتصبح آلة مستقلّة وجوهرية في التخت الشرقي.

ولعلّ موهبة سامي الشوّا (1885 - 1965) لم تتأتّ من فراغ. فوالده، أنطوان الشوّا، وُلِد في حلب عام 1851، وكان من أبرز عازفي الكمان فيها، ولُقّب، قبل ابنه، بأمير الكمان، بعد أن أخذ الكثير من البشارف والسماعيات من الموسيقيين الأتراك، وأدّاها بتقنيات لفتت الأنظار إليه.

أما الجد إلياس الشوّا، فكان عازف قانون، والمعلم الأول لحفيده سامي، قبل أن يكمل الأخير تعليمه على يد أبيه، الذي اكتسب منه كل ما ورثه الأب من خبرات موسيقية؛ ليبرز لاحقاً اسم سامي في حلب كأصغر عازف كمان محترف آنذاك.

في العام 1903، قرر الشوّا الأب إرسال ابنه إلى القاهرة، حيث الحياة الموسيقية آنذاك أكثر ازدهاراً مما كانت عليه في حلب. هناك التقى سامي، لأول مرة في حياته، أبرز مطرب مصري في ذلك الوقت؛ الشيخ يوسف المنيلاوي، ورافقه، ليكون هذا اللقاء مدخلاً له كي يطوّر خبراته التقنية، فتعلّم كتابة النوتة وقراءتها.

تزامن وجود الشوّا الابن في مصر مع بداية عصر التسجيلات التجارية هناك. وقد كانت التسجيلات الأولية شبه خالية من آلة الكمان؛ إذ أنها اقتصرت، غالباً، على القانون والعود والناي والإيقاع. وهذا ما أشار إليه العازف في أكثر من مصدر حول ندرة آلة الكمان في المشهد الموسيقي في مدينة الإسكندرية آنذاك.

بدأ الشوّا بالتسجيلات الموسيقية مع بعض الشركات العالمية بعد عام 1906، فقدّم فيها العديد من الأشكال الغنائية، مثل الدور والموشح والقصيدة، كما قدّم العديد من الأنماط الموسيقية البعيدة عن المحيط الثقافي الحلبي والمصري؛ مثل أغاني البستة والركباني المعروفة في العراق، إلى جانب أغاني الصوت الخماري والسامري التي كانت منتشرة في الكويت.

أما في الموسيقى الآلية، فألّف العديد من المقطوعات الموسيقية، من بشارف وسماعيات وتقاسيم ولونغات، إضافة إلى بعض القوالب التي كانت معاصرة في ذلك الوقت، مثل التحميلة والمارشات الشرقية. وبهذا، فقد كان مجال الأسطوانات والتسجيلات الإذاعية هو المجال الأوسع الذي برز فيه الشوّا في مصر.

وفي عام 1921، وضع الشوا منهجاً لتعليم آلة الكمان الشرقي (تعليم الكمنجة الشرقية على علامات النوتة الأفرنجية)، وبعدها بخمسة أعوام، وضع كتابه الكبير "القواعد الفنية في الموسيقى الشرقية والغربية"، ليقدّم فيه خلاصة خبرته الثقافية والكثير من أسرار الموسيقى الشرقية.

ويتصدّى الكاتبان، في الجزء الثاني من الكتاب، للمقولة الشائعة التي يتداولها بعض الموسيقيين عن الشوّا، ومفادها أنه كان عازفاً فطرياً موهوباً، ليس على علمٍ أكاديمي في الموسيقى. لكن للمؤلّفين وجهة نظر أخرى، نقرأها من خلال تحليلهما لأعماله؛ مثل تقاسيمه على مقامي النهاوند والبيات، وتحميلة الراست، تقول إنه لا يمكن إلّا أن يكون دارساً للموسيقى ومثقّفاً بعلومها، وليس موهوباً فحسب.

ويشار أخيراً، إلى أنه إضافة إلى أن تاريخ ميلاد سامي الشوّا موضع التباس، فمسقط رأسه أيضاً ملتبس بين مدينتي حلب والقاهرة. معظم المصادر ترجّح أن ولادته تقع بين عامَي 1885 و1889. ففي عام 1906، وقّع الشوا عقداً مع شركة "غراموفون" من دون وصيّ، ما يرجّح أن يكون بلغ سن الـ 21، وأن تاريخ ولادته هو 1885. إذ لم يكن القانون المصري يسمح للمصريين بالتعاقد مع شركة أجنبية قبل بلوغهم هذه السن.

دلالات
المساهمون