عقب سبات طويل دخلته السينما السودانية منذ مطلع التسعينيات، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة ملامح "هبّة سينمائية" يقودها شباب دون الثلاثين، تظهر أسماؤهم لأول مرة. يشاركون في مهرجانات إقليمية ويحصدون جوائزها، مثل سامي الجلَّابي، وحجوج كوكا، ومزمل نظام الدين، وإيلاف الكنزي، وعبد الله الليلي، ورزان هاشم.
سامي عبد المعطي الجلَّابي (1990)، أحد صنّاع الأفلام الشباب هؤلاء، يصف نفسه بأنه "مخرج ومصوِّر ومونتير وكاتب"، في رصيده ستة أفلام قصيرة هي: "الفيروس 1 و2"، "بتاع الطبليّة"، "حتى حين"، "الخطيئة"، "هيتمان سودان". يتحدث لـ"العربي الجديد" عن علاقته بفن السينما ورؤاه وطموح جيله في تطوير هذا الفن، وعن مشاركته في برنامج "محطة بيروت السينمائية" (ينايرــ مارس 2015).
عن بداية علاقته بصناعة الأفلام، يقول الجلَّابي: "طلب مني صديقي المخرج التونسي سجير طليحة، التمثيل في أحد أفلامه القصيرة عام 2010. اختارني لأنني لاعب كرة سلَّة، وفكرة فيلمه "ديني ما يمنعني" هي أن الدين لا يمنع ممارسة الهوايات. كانت تجربة جميلة، شعرتُ بعدها أن السينما هي مجالي، فغيّرت تخصّصي الجامعي، من البرمجة إلى الوسائط المتعددة. واتّخذتُ في تلك اللحظة القرار بأن تكون حياتي العمليّة في صناعة الأفلام".
حول مشاركته في برنامج "محطة بيروت السينمائية" الذي نظّمه "المركز الثقافي الألماني" لصنّاع الأفلام الشباب في المنطقة العربية، يقول الجلَّابي: "عملت على كتابة عدد من الأفكار وخططت لمشاريع أفلام. عرضت أفلامي هناك، ووجدت تقديراً وتشجيعاً. تعرّفت أيضاً إلى صنّاع أفلام، وكنتُ جزءاً من نقاشات وتبادل خبرات مثمر. حضرت مهرجان "أيام بيروت السينمائية"، وترك الفيلم الموريتاني المرشح للأوسكار "تمبوكتو" انطباعاً جيداً لديّ. كان أمراً مشجعاً لي أن أرى أفريقياً يتمكّن من الذهاب بعيداً في السينما".
المشترك بين أفلام الجلَّابي، إضافة إلى عنايته بالمونتاج والخدع البصرية؛ أن أفكارها ليست معتادة في السودان. حول هذه النقطة يقول: "اشتغلت على أفلام التشويق والرعب والكوميديا، لأنها أنماط نادرة هنا. مثلما عملتُ في مجال أفلام الخيال العلمي لندرة هذا النوع في السودان والمنطقة العربية. "هيتمان" شخصية هوليودية أردت صنع نسخة سودانية منها. وقصة فيلم "الخطيئة" حقيقية، أحببت تحويلها إلى دراما تحاور المشكلة".
مثل معظم أبناء جيله، ينتج الجلَّابي "سينما مستقلة" بالمعنى المجرّد، بلا تمويل من مؤسسات أو أفراد، وبطريقة عمل جماعية تتيح للأفكار أن تتّسع، يوضح: "أعمل بتمويل ذاتي، من جيبي، وبفريق عمل من المتطوعين. المونتاج والعمليات الفنية تتم بأجهزة "على قدّ الحال". نعمل جماعياً، وأتشاور مع فريق العمل قبل البدء حتى بكتابة السيناريو، ثم أناقشه معهم كما أناقش بقية التفاصيل قبل بدء عملية الإنتاج".
وعن مهنة الإخراج وتكاليفها ومتطلباتها لمخرج في أول الطريق، يقول الجلّابي: "بدأت عام 2013، وأنا في طريقي إلى الاحترافية. كل العثرات والتجارب الماضية هي ضريبة الطريق إلى الهدف. الإخراج مهنة عمليَّة، لا بد من التجارب، والإخفاقات، لتصحيح المسار. هكذا تُكتسب الخبرات في هذا المجال. أنا لا أحب "مخرجي الونسة"؛ من يدَّعون أنهم يفهمون كل شيء في الإخراج، لكنهم لم ينتجوا عملاً واحداً".
لا يبدو الجلَّابي على دراية بالمنجز السينمائي السابق في المنطقة العربية والأفريقية، لا يختلف في ذلك عن كثيرين من أبناء جيله، ما يطرح أسئلة عن "انقطاع سينمائي" قد يكون حدث لأجيال جديدة أو مورس من قبلها لصالح مشاريع معولمة عابرة للثقافات.
على كلٍّ، لا يبدو المخرج الشاب خجِلاً من الاعتراف لنا بأنه ليس مطلعاً على المشاريع السينمائية التاريخية والحديثة في أفريقيا وفي المنطقة العربية. يقول: "أنا متابع فقط لأعمال هوليوود، وأشاهد الأفلام السودانية المنتجة الآن، وأيضاً أتابع الأفلام القصيرة المنتجة في العالم العربي وفي الغرب".
وعن الاستسهال في هذا الفن الذي يبرره التقدم التكنولوجي، يقول الجلَّابي: "هناك من اتجه إلى هذا الحقل ظناً منه بسهولة العمل فيه. لكن أيضاً هناك من يريد فعل شيء عظيم. أنا أريد أن أصنع أفلاماً سودانية إبداعية عالمية في أفكارها وموضوعاتها، وبمؤثرات بصريّة وقدرات تقنية مواكبة لما نشاهده الآن في السينما المتقدمة. وأتدرب الآن على المؤثرات البصرية والتصوير والكتابة".
وفي تعليق يلخّص جانباً من أزمة السينما في السودان وانقطاع التواتر بين الأجيال، يبيّن الجلّابي: "ربما سارت السينما السودانية بثبات في وقت من الأوقات، لكن فجأة توقف كل شيء. الأفلام الآن تعدّ على أصابع اليد. إنها خسارة عظيمة، فالسودان خامة غنية لصناعة الأفلام العربية والأفريقية".