سالم الفلاحات: الحزب الأردني الذي نؤسسه مدني غير أيديولوجي

24 نوفمبر 2016
لا أبحث عن الانتقام في الحزب الجديد (العربي الجديد)
+ الخط -
يعزو المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن سالم الفلاحات، توجّهه ومجموعة من الإخوان لتأسيس حزب سياسي جديد أطلقوا عليه "الشراكة والإنقاذ"، إلى المراجعات العميقة التي قاموا بها، وخلصوا بعدها إلى ضرورة تأسيس عمل حزبي متحرر من التعصب للفكر الأيديولوجي على حد تعبيره. الفلاحات هو المراقب الوحيد في الأردن الذي لم يكمل ولايته وأطيح به من موقعه عام 2008، بعد أن حمل مسؤولية مشاركة الحركة الإسلامية في انتخابات نيابية جرت في عام 2007 وزوّرتها السلطة. وكاد الرجل أن يتقلد موقع الأمين العام في حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي للجماعة، عام 2014، لكن تدخلات عدة حالت دون ذلك. يؤكد الفلاحات في حوار مع "العربي الجديد"، أن توجهه تحو تأسيس الحزب الجديد ليس انتقاماً شخصياً، بل يتمنى للجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي إجراء مراجعات حقيقية تنتهي إلى حسم الخلط بين الدعوي والسياسي.


* من قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، ومن المؤسسين لذراعها السياسي، حزب جبهة العمل الإسلامي، إلى الانشغال اليوم بتأسيس حزب جديد، لماذا الآن، وما هو توجه الحزب الذي تعملون على تأسيسه؟

منذ سنوات تجري قوى حزبية عربية مراجعات تصل أحياناً إلى مرحلة العمق، لدرجة متقدمة من الصراحة والتجرد والوضوح وعدم التعصب للأحزاب التي ينتمون إليها. وهذه مراجعات ضرورية، بعد أن مضى على العمل الحزبي العربي بصورته الأخيرة نحو سبعين عاماً، وبعد تجربة استطاعت فيها بعض الأفكار الحزبية أن تؤسس دولاً في العالم العربي لم تستقر ولم يكتب لها النجاح، وانتهت أو دمرت ووصلت إلى الحالة التي نراها اليوم في سورية واليمن والعراق ومناطق أخرى.


ولم نكن استثناءً في هذا المسار، فما أدركناه الآن ووصل إليه عدد من الحزبيين والوطنيين الأردنيين من خلال المراجعات التي قمنا بها، هو أن العمل الحزبي الذي يمكن أن يكتب له النجاح، يكون بالابتعاد عن التعصب للفكر الأيديولوجي، قومياً كان أم يسارياً أو حتى إسلامياً، مع ضرورة احترام ثقافة الأمة وحضارتها وتاريخها، وخصوصيات أفرادها، أياً كان توجههم. وعليه، خلصنا كمجموعة إلى ضرورة العمل ضمن برامج محددة يختارها أفراد الحزب بأنفسهم، ويلتزمون بها ولا تملى عليهم من أي جهة أخرى، ولا يطبقون صورة جاهزة من العمل الحزبي الموجود، فكان أن تقدمنا بطلب لترخيص حزب "الشراكة والإنقاذ" وهو الآن حزب تحت التأسيس كحزب مدني برامجي غير أيديولوجي.

* تقولون إن مضيّكم في تأسيس الحزب يعود إلى مراجعات أجريتموها، في وقت تجري فيه جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي مراجعات أيضاً، ألم تجدوا تقاطعات بين مراجعاتكم ومراجعات الجماعة؟

نتمنى أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي بمراجعات عميقة وحقيقية. المراجعات التي يتحدثون عنها في القشور، لا في الأصول. من حق الجماعة أن تفكر وتراجع بالطريقة التي تراها مناسبة، ولا يفرض عليها أحد منهجه، لا أنا ولا غيري، لكن يتوجب أن تكون المراجعات عميقة، وهو ما لم يتم لا في الحزب ولا الجماعة. هناك استحقاقات تدفعها الجماعة مكرهة، لا بناء على مراجعات. وما نتمناه على الجماعة هو أن تصل إلى ما تريد الوصول إليه، بدءاً بقرارها، لا تحت سوط الضغط الرسمي والإكراه الحكومي.

* ألا تتخوفون من الترويج بأن حزبكم هو حالة انشقاق جديد عن جماعة الإخوان المسلمين، أو بديلاً عن حزب جبهة العمل الإسلامي؟
الحزب ليس بديلاً عن أي حزب آخر، ولا مناكفة لأي فكرة أو تجمع أو هيئة أو فئة أخرى. وليس انشقاقاً عن جماعة الإخوان المسلمين. أنا من الجماعة وأعتز بها، وكنت قائداً من قادتها ولا زلت عضواً فيها وأحرص على عضويتي فيها، ولكننا نتحدث هنا عن العمل السياسي لا العمل الدعوي.

* تقول إن حزبكم ليس انشقاقاً عن الجماعة وليس بديلاً عن حزب جبهة العمل الإسلامي، لكنك تعمل على قاعدة أن الحزب مؤسسة من مؤسسات الجماعة، ومن غير المسموح أن يكون للجماعة ذراعان سياسيان؟
الجماعة تقول إن الحزب مستقل عنها، وفق ما ذكرت القيادة وما صرح به المراقب العام السابق همام سعيد، في لقاء ضم قيادات إخوانية وحضرتُه، لكن لا أحد في الأردن يستطيع أن يصدق أن الحزب ليس الواجهة السياسية للجماعة والذراع السياسي. هذه هي النقطة التي تحتاج إلى مراجعة عميقة ودقيقة، أن يصبح هناك تخصص في العمل السياسي الإسلامي، في ظني أن الاستمرار في الربط بين العمل السياسي والعمل الدعوي لم يعد ممكناً، وأن كلاً منهما يجعل الأخر يقدم خسائر لا إنجازات.



العمل السياسي فيه تقلّبات وفن الممكن والبحث عن المصالح، بينما العمل الديني والدعوي عمل قطعي محكوم بنصوص محددة لا تصح فيه هذه الممارسات. والخلط بينهما يجعل العمل الديني يتحمل مسؤولية العمل السياسي، ويصبح الإخفاق في العمل السياسي منعكساً على العمل الديني نفسه. أعتقد أن الجماعة بدأت تفكر تفكيراً جاداً وعميقاً في المسألة، لكن الموروث التاريخي والتربية خلال سبعين عاماً، سيبقى لها تأثيرها، حتى على القيادي الذي يحاول أن يتحرر من قيوده التاريخية ويفكر بواقعه والمصلحة العامة. وما أنا متأكد منه هو أنه علينا ألا نؤذي حزب جبهة العمل الإسلامي، وقطعاً لن نؤذي الجماعة.

* بدأت الشراكة والإنقاذ قبل أكثر من عام كمبادرة للإصلاح داخل الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، هل تحويلها إلى حزب دليل على فقدان الأمل من الإصلاح الداخلي؟
جهد الإصلاح داخل الجماعة والحزب بدأنا به قبل سنوات، من خلال ما أطلقنا عليه "المراجعة الحقيقية الداخلية للجماعة"، وقُدمت في سبيل ذلك عشرات المبادرات من قبل من أطلق عليهم "جماعة الحكماء"، وقدموا مبادرات للقيادة الإخوانية منذ العام 2008، لكن لم تجد المبادرات الإصلاحية قبولاً.

وأصرت القيادة على أن لا جديد في المسألة وأن كل ما يجري حولها فقاعات ستزول، وأن لها قوانين وأنظمة داخلية لا يصح الخروج عنها. غير أننا رأينا في السنتين الأخيرتين مستجدات كثيرة، عبر الترخيص لجماعة جديدة اعتبرت قانونية وأصبحت الجماعة التاريخية غير شرعية، وأغلق المركز العام ودور الإخوان، ومنعت نشاطات الجماعة. كما اعتُقل نائب المراقب العام وحُكم عليه بالسجن، ورأينا أن المسألة تحتاج إلى معالجة مكافئة للحدث، لكن القيادة في الجماعة رفضت مبادراتنا. والآن، ولاعتقادنا أن كل العمل السياسي العربي يحتاج إلى مراجعة وليس جماعة الإخوان فقط، ولأننا لا نملك حق فرض شيء على أحد، توجهنا إلى تأسيس عمل حزبي مختلف عن العمل القائم.

* هل ترى أن الخلط بين السياسي والدعوي، أو سيطرة الدعوي على السياسي، هو ما أوصل الجماعة إلى ما وصلت إليه اليوم من خلافات داخلية وتحديات خارجية؟
إن منظّر الجماعة والمؤسس لها في عام 1928 حسن البنا كانت نظرته للعمل الحزبي سلبية، ورفضه في بداية دعوته، وعندما رأى أنه لا بد من الخلط بين العمل الدعوي والسياسي، كان رأيه أن يقتصر عمل الجماعة على العمل الدعوي والتربوي، وأن يترك لأعضاء الجماعة الحرية في الانتماء للأحزاب القائمة. لكننا نجد في ما بعد أن الإخوان أسسوا حزباً في مصر، بمعنى أنهم خالفوا رؤية البنا، من دون أن يقولوا إننا خالفنا المؤسس. وقبلها أسسوا أحزاباً في العراق واليمن والسودان ولبنان والأردن، خلافاً لما قاله البنا ودوّنه في رسائله.

المؤكد أن البنا أخذ يفكر بطريقة مغايرة عما كان عليه بالسابق، في مسألة الجمع بين العمل الدعوي والسياسي، عندما طلب من الإخوان أن ينتموا للأحزاب القائمة، لا أن يؤسسوا أحزاباً تتبع للجماعة. ولو قدّر له أن يعيش أطول لكان له موقف من فصل العمل الحزبي عن الدعوي، وهو ما توصل إليه عقلاء المفكرين من الإخوان المسلمين أخيراً، إيماناً منهم بأن الجماعة يجب أن تكون متخصصة في العمل الذي تتقنه ولا يتقنه غيرها، ألا وهو الدعوة والتربية.



* أنت المراقب العام الوحيد الذي لم يكمل ولايته وأطيح بك من منصبك، واقترب في عام 2014 من منصب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، وحال الخلط بين السياسي والدعوي بينك وبين المنصب، فهل يُفسّر أن تأسيس حزب جديد هو في سياق الانتقام الشخصي؟
لست ملاكاً أنا بشر، لكن أجزم الآن بأن كل ما سبق ليس ما يدفعني للتفكير بمشروع كبير، كالذي نقدم عليه من خلال حزب الشراكة والإنقاذ، فخلال الأشهر الماضية قُدّمت عروض للإخوان الذين استقالوا من حزب جبهة العمل الإسلامي، وقد عُرض عليّ أن أكون مراقباً للجماعة في الدورة الأخيرة، ولو كنت أبحث عن مكسب لقبلت، لكن شتان بين ما نفكر به الآن من مشروع على مستوى الوطن وعلى مستوى الأمة، والعودة إلى اجتزاء قطعة من الأمة لن تأتي بإصلاح. ما نريده اليوم هو الوصول إلى حالة يجتمع على فكرها ورأيها الناس، من دون أن تكون ملوّنة بلون واحد، نحن نقدم على خطوة جديدة وكل جديد يلقى مقاومة، ليس الانتقام الشخصي دافعنا على الإطلاق.

* هل أثّر ارتباط جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بالجماعة في مصر، على تفكير الجماعة الأردنية وبالتالي على طريقة معالجتها للقضايا؟
الفلسفة البعيدة لجماعة الإخوان في الأردن، هي ذاتها الفلسفة التي قامت ومارستها الجماعة في مصر، وإن كان العامل اليومي والقرارات اليومية ليست متأثرة ومرتبطة بالجماعة في مصر عبر التاريخ، لكن الفكر العميق والنظر إلى المخرج وكيفية الخروج من الأزمات التي تحيط بالأمة كانت نفسها. الجماعة في الأردن، لأنها كانت مرخصة ومعلنة، كانت لا تتحسس أن ترتبط بالجماعة في مصر. وهذا منصوص عليه في النظام الأساسي، ولم يشطب إلا في شهر فبراير/ شباط الماضي. نعم كنا أقرب جماعة للجماعة المصرية بطريقة التفكير وبقيت القيادة الإخوانية في الأردن تعبّر عن الأصالة والالتزام وترى أنه من الخطر التفريط بذلك، وهذا الارتباط جعل إمكانية المراجعة الدقيقة والعميقة أكثر صعوبة لدى الجماعة في الأردن.