ومن المقرّر أن يحضر روحاني إلى البرلمان اليوم الثلاثاء، وفقاً لمصادر برلمانية وأخرى من الرئاسة الإيرانية، وذلك بعد أن وقّع 80 نائباً على طلب لاستدعاء الرئيس ليجيب عن خمسة أسئلة تتعلّق بانتقاد عمل الحكومة وعدم قدرتها على مكافحة التهريب، واستمرار العقوبات المصرفية، وضعف حكومته في إيجاد فرص عمل، إلى جانب ضرورة تقديم توضيحات حول مسألتي الركود الاقتصادي وانهيار العملة المحلية أمام الدولار. ويعني ذلك أنّ الرئيس "المعتدل" سيقدّم توضيحات لملفات اقتصادية داخلية وخارجية، وسيتحدّث عن مبررات لنتائجها المنعكسة على المؤشرات والتي تدهورت كثيراً بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وعودة عقوباتها على إيران منذ بداية أغسطس/آب الجاري، ليصبح صاحب الورقة النووية الرابحة محط الاتهام بالتقصير.
وأبدى روحاني، رغم امتعاضه مما يحصل، استعداده لتلبية طلب البرلمان، فوجّه سابقاً رسالة لرئيسه علي لاريجاني جاء فيها أنّه كان من المفترض أن تتزامن هذه الجلسة وتتناسب مع أمرين؛ الأول أن تأتي ضمن إطار الدستور، والثاني يتعلّق بضرورة عقدها في توقيت وظروف مناسبة، وقال: "للأسف لم تؤخذ هذه النقاط في الاعتبار".
وروحاني المهادن منذ فترة يعلم أنّ البلاد تمرّ بظروف حساسة، وقد لوحظ انخفاض حدة انتقاداته لجهات أخرى وعلى رأسها القضاء، ذكر أيضاً أنّ سبب موافقته على الطلب مرتبط بمحاولة منع وقوع خلاف بين السلطات الثلاث في البلاد، واحتراماً لمجلس الشورى الإسلامي، فأكّد أنّ ذلك سيكون فرصة جيّدة ليتطرّق للعديد من الحقائق والمعطيات لكي يضعها أمام المواطن الإيراني، بحسب وصفه.
وأثارت الجلسة قبل عقدها العديد من التساؤلات والانتقادات، فمستشار الرئيس للشؤون البرلمانية حسين علي أميري رأى في استدعاء روحاني "مخالفة للدستور، لأنّ بعض النواب المحافظين أثّروا في آخرين، ولأن البعض أيضاً ممن سحبوا تواقيعهم على الطلب سابقاً جعله بحكم اللاغي، ليعودوا هم أنفسهم إلى التراجع عن خطوتهم".
وتضع المواقع الإيرانية ما يحصل ضمن اتجاهين؛ الأول أنّ التيارات المخالفة والمنتقدة لروحاني، وحتى بعض مواليه من الإصلاحيين الذين أصبحوا يفضّلون الانسلاخ عنه بسبب الفشل الاقتصادي، يحاولون استخدام كل الأدوات لمحاصرته سياسياً لأغراض تصب في صالح تيارهم. أمّا في الاتجاه الثاني، فيرى البعض أنّ روحاني ودائرته المقربة منه قبلا التضحية بوزرائه، فلم يستمت لا هو ولا غيره في الدفاع عن وزير الاقتصاد مسعود كرباسيان ووزير العمل علي ربيعي، المقالين أخيراً بعد جلستي استجواب، ومساءلة برلمانية صعبة. وهو ما يهدف إلى تخفيف الضغط عن روحاني أمام البرلمان وأمام الشارع المحتجّ على وضعه المعيشي.
دستورياً، تُصنّف الجلسة التي دعي إليها روحاني تحت بند الاستماع لا الاستجواب، التي لا تستثني رئيس الجمهورية أو أي من وزرائه على حدّ سواء. ففي حالة الاستماع تنتهي الجلسة من دون أي تصويت على أهلية الرئيس، ما يعني أنها تحمل معانيَ سياسية ومعنوية، أمّا في حالة الاستجواب، فقد يؤدي التصويت على عدم أهلية الرئيس لإقالته، وفقاً للمادة 110 من الدستور الإيراني.
وتحتاج الحالة الأولى إلى موافقة ربع النواب، وفي الحالة الثانية تزيد هذه النسبة إلى الثلث. وبحال أقرّ النواب لثلاث مرات أن الرئيس يرتكب أخطاء في ممارسة وظائفه قانونياً، فهذا يجرّ الأمور تلقائياً لجلسة مساءلة صعبة، ويدخل المرشد الأعلى على الخطّ بحال أقرّ النواب ضرورة سحب الثقة من رئيس البلاد بعد جلسة الاستجواب لا الاستماع، التي وإن تحرّكت في منحى سلبي فيتدخل القضاء أولاً.
يذكر أنّ تجربة العزل الأولى والوحيدة في إيران كانت من نصيب أوّل رئيس في الجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، والذي حكم البلاد من فبراير/شباط 1980 إلى يونيو/حزيران 1981، وهو من خالف دور رجال الدين وتحفّظ البرلمان على مواقفه واتُهم بالتقصير في الحرب العراقية - الإيرانية، وكذلك باتخاذ مواقف موالية لقوى الاستكبار ومخالفة للشارع، بحسب ما قال النواب في حينه، وأقروا سحب الثقة منه، فصوتوا بالأغلبية على عدم أهليته سياسياً. وتختلف هذه التجربة عن المسار الدستوري المطروح أعلاه.
إلى ذلك، كان المحافظ محمود أحمدي نجاد، أوّل من تعرّض لمواجهة برلمانية حقيقية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، انتهت بفشله معنوياً أمام النواب وبانتقادات واسعة طاولت سلوكه. ففي 15 مارس/آذار 2012، حضر نجاد جلسة استماع بناءً على طلب 79 نائباً، بعد أن حضر ممثلون عنه أمام اللجان المعنية لتقديم إجابات عن تساؤلات حول بعض سياسات الرئيس ولم تكن مقنعة، ما أدى إلى جرّ الرئيس شخصياً إلى جلسة تطرح فيها الأسئلة على لسان أحد النواب في مدة 15 دقيقة، ويمنح الرئيس ساعة كاملة لتقديم توضيحاته.
حينها، أجاب أحمدي نجاد عن أسئلة ترتبط بامتناع الحكومة عن تنفيذ قرار برلماني يقضي بإعطاء تسهيلات لاستكمال خط قطار الأنفاق في طهران، وعن نشرها إحصائيات غير واقعية حول إيجاد فرص عمل، وعدم مواجهة الغلاء وارتفاع الأسعار، فضلاً عن انتقاده سلطة البرلمان، وجلوسه في منزله أحد عشر يوماً وعدم مزاولة مهامه الحكومية بعد أن عزل وزير الاستخبارات لديه حيدر مصلحي، وأعاده المرشد علي خامنئي إلى منصبه. كما تعرّض لانتقادات حول كيفية التعامل مع مسألة فرض الحجاب في إيران، وانتقاده دور مؤسسات أخرى في هذا السياق، إلى جانب موافقته على ما يروّج له مستشاره وصهره، أسفنديار رحيم مشائي، القابع في السجن حالياً، عن إيران القومية لا إيران الإسلامية، وعدم معارضته إسرائيل. وانتهت الجلسة بعد أن قرّر أحمدي نجاد التعامل مع أسئلة النواب باستهزاء، ولم يتوان عن انتقادهم، وأصرّ على مواقفه من دون حجج مقنعة كما قال كثر، فكان هذا كفيلا بتأسيس مرحلة تشدّد جديدة في التعامل معه.
أمّا مساءلة الوزراء بقرار برلماني، فقد تكرّرت لأكثر من مرة، واختبرتها حكومة رئيس الوزراء، مير حسين موسوي، خلال رئاسة علي خامنئي، فتعرّض ثلاثة وزراء لذلك ولم يعزل أي منهم. وبعدها حضر أربعة وزراء في حكومة الرئيس الأسبق، أكبر هاشمي رفسنجاني، أمام النواب وعُزل واحد منهم. وفي عهد الإصلاحي محمد خاتمي، اختبر أصحاب سبع حقائب وزراية المساءلة وعُزل اثنان فقط. الرقم ذاته تكرّر في زمن المحافظ أحمدي نجاد وأقال البرلمان ثلاثة من وزرائه، لكن هذا الأخير كان أكثر من أجرى تغييرات في الأسماء والمناصب الحكومية من بين الجميع.
أمّا وزراء حكومة روحاني، فجرّبوا تسع جلسات استجواب وسُحبت الثقة من ثلاثة حتى اللحظة، وما ستتركه جلسة استماعه قد يكون معنوياً بالنسبة للرئيس المعتدل ومواليه، لكن ذلك أيضاً قد يساعد كثراً في هذه المرحلة، رغم محاصرة الرئيس وزيادة الاختلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فمن المفيد التركيز على أنّ البرلمان يلعب دوره الرقابي على الحكومة التي تعاني من معضلات اقتصادية كثيرة، منها ما ورثته من حكومات سابقة، ومنها ما تجدد مع عودة العقوبات الأميركية، إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وهذا ما قد يهدّئ من روع المنتقدين من الساسة والشارع.