سؤال التحرر والعلمانيّة

11 مارس 2015
لا ترتبط العبوديّة بالمستعبِد بقدر ارتباطها بالمستعبَد (Getty)
+ الخط -

العبيد، إنّما يبحثون عن سلطةٍ ما بعد انعتاقهم من عبوديتهم، لذا فهم يبقون تحت سيطرة فكرة العبوديّة، حتى وإن أصبحوا أسياداً بعد حين، بينما الكائن الحرّ بفكره وعقله فلن ينجر إلى مستنقع العبوديّة هذا، حتى وإن عاش حياة عبد.

فكرة العبوديّة لا تكمن في عبادة شيءٍ ما فقط، بل قد تتجاوز ذلك، فيكون المرء عبداً لدينٍ أو شيخ (والشيخ هنا بمعنى شيخ مسلم أو قس مسيحي أو حاخام يهودي أو أو أو ..الخ)، أو قد يكون الإنسان عبداً لإيديولوجيا حزبيّة ضيقة مثلاً، فالعبوديّة هنا لا ترتبط بالمستعبِد بقدر ارتباطها بالمستعبَد. والعبوديّة عبوديّة حتى وإن لبست ثوب العبادة.

لنفرض بأن العبوديّة هي فكرة مقيتة مرفوضة، رغم علمي بأنّ هذا الكلام غير صحيح، لكثرة ما نشهده من حالات عبوديّة اختياريّة في مجتمعاتنا، لكن القول هنا يعني بعض الحالمين بالحرية وجلّهم ممن شارك في انطلاق "ثورات التحرر" في السنوات الأخيرة، ولا بدّ لنا من كسر أسوارها (العبوديّة) حتى نستطيع المساهمة في رفد الحضارة العالميّة بعد تحرير أفكارنا وعقولنا من ثقافة الاستعباد.

لن أبحث هنا في أسباب الاستعباد والدوافع التي أدت إليها. إنّ ما أحاول البحث فيه هو الطرق التي تساهم في جعلنا نتحرر من كلّ أشكال التقييد.

هناك ثلاثة أسوار لا بدّ من تدميرها إذا ما أُريد للتحرر الفكري أن يبزغ، يتعلق الأول بالتحرر من السلطات السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة التي تتحكم بكل مقومات الفكر والعيش، وإن تدمير هذا السور يعني الوصول إلى التحرر من الرقابة والقيد المفروضين على الفكر الحر، ويعني الخطوة الأولى في الطريق إلى المساواة بين جميع أفراد المجتمع، والوصول إلى حق المواطنة المتساويّة لجميع الأفراد باختلاف انتماءاتهم القوميّة والدينيّة والحزبيّة...إلخ.

أما السّور الثاني فهو يتعلق باحتكار السلطة الدينيّة، الحق في فهم النص الديني وتفسيره، ومنع هذا الحق عن جمهور المؤمنين، واحتكار السلطة السياسيّة، الحق في فهم السياسة وتسييرها، ومنع هذا الحق عن المواطنين، وكذا السلطات الثقافيّة والاجتماعيّة، وحتى السلطات الرياضيّة، بكلّ بساطة يمكن القول بأنّ تدمير هذا السور يعني أن من حق أي إنسان أن يفهم وأن يفسر ما يريد كيفما يريد دون أن يفرض أيّ شخص أيّ شيء على أيّ كان.

السور الثالث يرتبط بمفهوم أن السّيد أو الرئيس أو الشيخ معصوم عن الخطأ، تدمير هذا السور يعني أنّه إذا أتى السيّد على أيّ فعل مضاد لرغبات الأفراد أو المواطنين أو جمهور المؤمنين (حسب الحالة المدروسة) فإنّ من واجبنا الوقوف في صف تعاليم الأخلاق وفي صف رغبات الأفراد ضدّ السيّد، بل أكثر من ذلك يكون من واجبنا عزل الرئيس أو القائد أو الشيخ، فلا يوجد معصومون عن الخطأ، ومن يُخطئ يُحاسب.

لدى كسرنا هذه الأسوار الثلاثة نكون قد اجتزنا أول الطريق في الوصول إلى دولة مساواة وعلمانيّة تحترم جميع مواطنيها.

كمثال على ما سبق ذكره، فإنّ ما قام به مارتن لوثر بثورته البروتستانتيّة على الكنيسة الكاثوليكيّة خير دليل على ما قلناه، هذا في الجانب الديني، سياسياً تعطينا الثورة الفرنسيّة على النظام الملكي أنموذجاً جيداً على قدرة المجتمعات في التحول إلى نظام علماني عقب كسر الأسوار التي تحول دون ذلك.

أخيراً علينا القول بأنّ علمانيّة الدولة هي خير حافظ للمجتمع وهي الطريقة المثلى التي من الممكن أن تتطور نحو الأفضل بطريقة حضاريّة قادرة على رفد التراث الإنساني في شتى مجالات العلوم والثقافة والفن وغيرها.


(سورية)

المساهمون