زيارة قاآني لسورية: رسالة تمسك بالنفوذ

09 مارس 2020
يسعى قاآني لفرض رؤية إيران على النظام السوري(الأناضول)
+ الخط -
تحمل زيارة القائد الجديد لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني إسماعيل قاآني، لسورية، التي كُشف عنها يوم السبت الماضي، رسائل عدة، ولا سيما في ما يتعلق باستمرار السيطرة الإيرانية والتحكم بجزء كبير من القرار العسكري في سورية. وزيارة قاآني هي الأولى لسورية منذ مقتل سلفه قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، في العاصمة العراقية بغداد. وتناقلت معرّفات وصفحات سورية معارضة وموالية للنظام، صوراً من الزيارة التي يعتقد أنها حصلت في مطلع شهر فبراير/شباط الماضي، لجبهات القتال التي تنتشر فيها مليشيات عدة، فضلاً عن حزب الله. وزار قاآني جبهات ريف حلب الغربي بالقرب من بلدتي نبل والزهراء، والتقى مقاتلين موالين لإيران في الريف الجنوبي من حلب، تحديداً بالقرب من بلدة خان طومان، التي سيطر عليها النظام أخيراً. كذلك زار المسؤول الإيراني قاعدة جبل عزان الإيرانية في ريف حلب الجنوبي، وهي القاعدة العسكرية الأضخم لإيران شمال غرب سورية. وأظهرت إحدى الصور قاآني مع محمد علي بوزادوري، وهو عضو سابق في الجمعية الاستشارية الإسلامية الإيرانية.

ولا شك في أن زيارة القائد الجديد لـ"فيلق القدس"، ولا سيما لجبهات "منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاءً من أرياف حلب الغربي والجنوبي وحماة الغربي والشمالي واللاذقية الشرقي، تُعَدّ إشارة واضحة إلى إصرار إيران وتأكيدها لإثبات حضورها بقوة في سورية، وجبهات القتال الشمالية منها، بعد أن كان ذلك محط شكوك بالتراجع والانحسار، إثر مقتل سليماني والاعتقاد الذي ساد حينها، بأن الولايات المتحدة ستعمل على تقويض وجود "الحرس الثوري" والمليشيات الموالية له في سورية، إلا أن من الواضح أن إيران تسير في خط معاكس من خلال تمددها أكثر فأكثر، ضاربة عُرض الحائط بكل التهديدات والتوقعات. مع العلم أنه سبق لقاآني أن ظهر في مقطع مصوّر، إثر إعلان خلافته لسليماني، في مطلع فبراير الماضي، هدّد فيه الولايات المتحدة بـ"قبضات حديدية في أنحاء العالم"، مؤكداً أن بلاده "لن تتصالح" معها و"ستواصل مقاومتها". وعلى الرغم من أن الفيديو نُشر في حينه للمرة الأولى، لكن تاريخه لم يكن واضحاً وقتها، إلا أن الصور تشير إلى أنه ربما ألقى هذه الكلمة خلال حفل تأبين لسليماني أخيراً، حيث قال قاآني إن أميركا باغتيالها سليماني "فتحت أبواب الجحيم على نفسها". وأكد قائد "فيلق القدس" الإيراني، أن "العدو لا يفهم سوى لغة القوة"، مشدداً على أنه "لا يمكن أبداً المصالحة والمساومة" معه، وقال إن "خيارنا هو المقاومة وإنها متجذرة في نفوسنا". 

في السياق، أبدى الباحث الإيراني حسن هاشميان اعتقاده في حديث لـ"العربي الجديد" أن الزيارة جرت في أواخر شهر فبراير الماضي، لا في مطلعه. ورأى أن الهدف والرسالة منها يتركزان حول أن "قاآني يواجه مشاكل كبيرة على صعيد الانتقادات الموجهة إليه من الداخل الإيراني، سواء من صفوف الحرس الثوري أو الحلقة الضيقة المقربة من المرشد علي خامنئي، بأنه لم يستطع أداء الدور الذي كان يؤديه سليماني، إذ عمد قاآني إلى قيادة المليشيات من طهران، فيما كان سلفه يفعل ذلك على أرض الميدان". وأضاف أنه "بعد مقتل سليماني حصلت الكثير من المتغيرات في العراق، ولم يتجرأ قاآني على الذهاب إلى هناك، ووقعت أحداث عدة في اليمن وسورية ولم يبادر للذهاب بنفسه، بالتالي فقد زار سورية لإثبات عكس هذا الانطباع عنه في الداخل الإيراني، والتأكيد أنه يرى أن في سورية نظاماً موالياً بالمطلق للنظام الإيراني، وأن بشار الأسد موظف بالنسبة إليهم، ما يجعل من زيارته أكثر أمناً وسهولة من أماكن أخرى تمتد إليها يد النظام الإيراني. لكن على صعيد التأثير، لا أعتقد أنه سيكون له وجود مؤثر بذات الحجم الذي كان يتمتع به سليماني، سواء على المليشيات أو النظام، وحتى الروس".

أما عن التزام إيران والمليشيات الموالية لها الاتفاقات الروسية - التركية حول إدلب، فاعتبر هاشميان أن "طهران تفاجأت بالهجوم التركي على قوات النظام وعلى مليشياتها، الذي أفضى إلى سيطرة تركيا وقوات المعارضة على مواقع قاتلت فيها المليشيات. وبعد الاتفاق بين الروس والأتراك، بات من الواضح أن إيران فقدت القرار السياسي حول الملف السوري أو المشاركة في صياغة أُطره، وأصبحت تابعة للقرار الروسي، وأيضاً بشار الأسد في هذه المعادلة الجديدة أصبح أكثر تبعية لروسيا منها إلى إيران. لذلك تسعى طهران إلى تعزيز وجودها في منطقة خفض التصعيد". وأبدى اعتقاده بأن "الإيرانيين في هذا الوقت تحديداً لا يستطيعون مواجهة تركيا عسكرياً في إدلب، ولا مواجهتها سياسياً في المعادلات الإقليمية والدولية الراهنة، لذلك عليهم القبول بالوضع الراهن والصمت لمدة غير محددة".
من جهته، رأى القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "زيارة قائد من هذا المستوى لمليشيات إيرانية متطرفة مشاركة في الهجوم الإجرامي الأخير على منطقة إدلب له دلالات عديدة، أبرزها إظهار أن لإيران قراراً في ما يحدث على الأرض وبأن القرار ليس روسياً فقط". وأضاف أنه "يعدّ بمثابة إظهار تحدٍّ للولايات المتحدة والقول بأنه بعد سليماني، هناك من يتابع بنهجه وبنفس أسلوبه وله سيطرة على المليشيات المرتبطة بإيران ويمكنه الوصول ميدانياً إليها متى شاء. كذلك فإن زيارة قاآني الهادفة إلى رفع معنويات المليشيات تحمل في طياتها رسالة لتركيا التي عرض الرئيس الإيراني (حسن روحاني) على رئيسها (رجب طيب) أردوغان عقد قمة ثنائية تتعلق بمنطقة إدلب ولم يوافق على هذا العرض، مفضّلاً قمة ثنائية مع روسيا".

كذلك جاءت الزيارة بعد تطورات ميدانية متسارعة من خلال تقدم تركي عسكري مباشر ومساند لفصائل المعارضة في "منطقة خفض التصعيد"، وشنّ تركيا عملية عسكرية على قوات النظام ومليشيات تساندها في إدلب، توقفت أخيراً بعد اتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا. وهو اتفاق اعتبره محللون هشّاً وغير قابل للصمود، مع استمرار إرسال تركيا تعزيزات من جيشها إلى إدلب من جهة، في مقابل استمرار تحشيد النظام والإيرانيين من جهة أخرى. في السياق، وصلت دفعة من التعزيزات التابعة للنظام، أمس الأحد، إلى مدينة سراقب ومحيطها، قوامها 300 عنصر جميعهم من "فوج الرضوان" الذي يضم مقاتلين من جنسيات عراقية ولبنانية وإيرانية، ومعهم دبابات ومدافع وأسلحة متوسطة.

وشارك الإيرانيون، والمليشيات المحسوبة عليهم بقوة في المعارك الأخيرة لقضم أجزاء واسعة من "منطقة خفض التصعيد" التي بدأت منذ إبريل/نيسان من العام الماضي، وتوقف مساء الخميس ـ الجمعة بعد الاتفاق الروسي ــ التركي حول إدلب. وخسر الإيرانيون وحلفاؤهم خلال تلك المعارك الكثير من المقاتلين، ولا سيما على جبهات سراقب، حيث قتلت الطائرات المسيَّرة التركية نحو 30 عنصراً في يوم واحد في بلدة الطلحية شمال شرق سراقب.
ويطوّق الوجود الإيراني مع انتشار المليشيات، محيط "منطقة خفض التصعيد" بسبع نقاط، تُعَدّ بمثابة نقاط مراقبة إيرانية، بناءً على اتفاقات مباحثات أستانة بين إيران وروسيا وتركيا، التي  بموجبها نُشرَت نقاط لهذه الدول للمراقبة حول هذه المنطقة. لكن إيران عززت محيط هذه النقاط بمليشيات مدعومة من قبلها، شارك الكثير منها على جبهات القتال بشكل فاعل وقوي إلى جانب قوات النظام، وساعدت في قلب الموازين في كثير من الأحيان، وخصوصاً في المعارك التي بدأت في إبريل 2019 وانتهت في أغسطس/آب الماضي، والتي سيطرت خلالها قوات النظام إلى جانب تلك المليشيات على الكثير من المدن والبلدات في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، أهمها مدن كفرنبودة وقلعة المضيق وخان شيخون.

وخلال المعارك الأخيرة عززت إيران وجود مليشياتها جنوب إدلب وشرقها، فشُكِّلَت غرف عمليات في كل من قريتي ربيعة ومغارة ميزا شرق إدلب، بالإضافة إلى القاعدة وغرفة العمليات الرئيسية في مطار أبو الظهور العسكري، التي تضم ضباطاً من الحرس الثوري الإيراني، كذلك زجت إيران على جبهات القتال بالكثير من مقاتلي مليشياتها ضمن تشكيلات ما تسمى "الدفاع المحلي"، التي تضمّ الكثير من المليشيات بتسميات مختلفة، ومقرها الرئيسي في اللواء 47 جنوب حماة. وتضمّ مليشيا "الدفاع المحلي" كلاً من: سرايا الرعد، لواء الأحرار، لواء قمر بني هاشم، لواء الرضوان. ويقاتل هؤلاء في "منطقة خفض التصعيد" ومحيطها إلى جانب لواء أبو الفضل العباس، عصائب أهل الحق، حزب الله، كتائب سيد الشهداء.

وبعد سيطرة تلك المليشيات على قريتي الخوين والتمانعة جنوب إدلب وشرقها العام الماضي، عززت من وجودها داخل القريتين، واتخذت منهما نقاط انطلاق نحو جبهات أخرى خلال المعارك الأخيرة. كذلك نقلت إيران الكثير من مقاتلي المليشيات إلى إدلب من منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق خلال الأشهر الأخيرة، عبر طائرات "يوشن" للشحن، فوصلوا إلى مطار حماة العسكري وانتشروا فيما بعد على الجبهات، وعُزِّز وجود هذه المليشيات في ريفي حلب الجنوبي والغربي. وفي جبهات اللاذقية وجبهة تلة الكبينة تحديداً، يعتبر الثقل البشري للمقاتلين الذين يشاركون المعارك إلى جانب قوات النظام، أساسه من مقاتلي المليشيات الإيرانية، ورغم ذلك لم تستطع قوات النظام ولا تلك المليشيات إحراز تقدم يذكر على تلك الجبهة، نظراً لصعوبة بيئتها الجغرافية.

المساهمون