كشفت زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لأيرلندا الشمالية، الأربعاء، بعداً آخر لـ"بريكست" يضيف المزيد من التعقيدات على احتمالات عدم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وسط تحذيرات من انهيار الاتحاد البريطاني.
فأيرلندا الشمالية التي تشكل إلى جانب إنكلترا وويلز واسكتلندا؛ المملكة المتحدة، تعاني من انقسامات حادة منذ بداية عام 2017، عندما انهارت حكومتها المبنية على اتفاق تقاسم السلطة المتمخض من رحم اتفاق "الجمعة العظيمة" عام 1998، الذي أنهى الحرب الأهلية.
وهدفت زيارة جونسون لتشجيع الأطراف الأيرلندية، إلى العودة لاتفاق تشارك السلطة وتشكيل حكومة تنفيذية، وإعادة إحياء مجلس ستورمونت (برلمان) أيرلندا الشمالية.
ومع اقتراب موعد "بريكست" المقرر في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، من دون وجود حكومة في بلفاست، ولكون أيرلندا الشمالية واجهة الخلاف مع الاتحاد الأوروبي، تتجه لندن إلى إعادة الحكم المباشر فيها، وهو إجراء يخالف في جوهره اتفاق السلام الموقع بين أطراف الصراع الأيرلندي عام 1998 برعاية أميركية.
ويعود الخطر المحدق بالاتفاق إلى أنّ "بريكست" من دون اتفاق، سيؤدي إلى عودة الحدود بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية، ويهدد اقتصاد شطري الجزيرة وحرية الحركة بينهما، وهو ما يعني إمكانية عودة الاضطرابات التي أودت بحياة الآلاف.
ويصرّ جونسون على عدم العودة إلى طاولة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، حتى إلغاء خطة المساندة للحدود الأيرلندية في اتفاق "بريكست".
وكانت حكومة بلفاست قد انهارت في يناير/ كانون الثاني عام 2017، بعد استقالة وزير "شين فين" مارتن مكغينيس، التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الخلافات الأيرلندية، والتي فشلت جولات الحوار المتعددة في إيجاد حل لها.
ومما يزيد من الأمر تعقيداً، تحالف الحكومة المركزية في لندن مع "الحزب الاتحادي الديمقراطي" وهو الحزب اليميني المحافظ، بعد الانتخابات العامة التي جرت صيف عام 2017، التي فقد فيها حزب المحافظين أغلبيته المطلقة في البرلمان.
وعقدت رئيس الوزراء البريطانية حينها تيريزا ماي، اتفاقاً مع الحزب المؤيد للتاج البريطاني، ينصّ على دعم النواب الأيرلنديين لحكومتها في البرلمان، مقابل مليار جنيه إسترليني تستثمرها لندن في أيرلندا الشمالية.
وورث جونسون التركيبة البرلمانية ذاتها من ماي، بينما تمتلك حكومته أغلبية بفارق صوت واحد في البرلمان البريطاني، بفضل دعم الحزب الأيرلندي.
ويؤدي اعتماد حكومة جونسون على "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الذي تقوده أرلين فوستر إلى منحه قوة سياسية أكبر من حجمه الحقيقي، إذ قد يؤدي سحب الحزب دعمه لجونسون إلى انهيار حكومة الأخير عملياً.
مطالبات باستفتاء على الوحدة الأيرلندية بحال "بريكست" بلا اتفاق
وعكست مواقف الأحزاب الأيرلندية الشمالية، بعد سلسلة لقاءات مع جونسون، المخاوف من حكم مركزي مباشر لحكومته، ولا سيما في مرحلة مصيرية في تاريخ الإقليم مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
فقد حذرت زعيمة حزب "شين فين" ماري ماكدونالد، جونسون، خلال لقائها معه الأربعاء، من أنّه "من غير المعقول" أن يمر طرحه "بريكست من دون اتفاق"، من دون إجراء استفتاء على الوحدة الأيرلندية، متهمة رئيس الوزراء البريطاني بـ"عدم الحياد" في ما يتعلّق بأيرلندا الشمالية.
وترى ماكدونالد أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبالأخص في حال "بريكست" بلا اتفاق، يشكّل "تغييراً جذرياً في ظروف هذه الجزيرة (الأيرلندية)، وسيكون من غير المعقول في هذه الظروف عدم حصول الناس على فرصة لتقرير مستقبلهم معاً"، بحسب قولها.
ووفقاً للتشريعات التي تلت اتفاق "الجمعة العظيمة" الذي أنهى الحرب الأهلية في الجزيرة الأيرلندية، يحق لأيرلندا الشمالية التصويت في استفتاء على توحيدها مع الجمهورية الأيرلندية، في حال رأى وزير أيرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية سبباً لذلك.
إلا أنّ أرلين فوستر رئيسة "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المؤيد للوحدة مع بريطانيا، رفضت هذه المطالب بعد لقائها جونسون، الأربعاء، قائلة إنّ "الحديث عن استفتاء، كما قال لنا، ليس أمراً مطروحاً للنقاش... وأكد رئيس الوزراء لنا أنّه لن يكون على الحياد أبداً في ما يتعلّق بالاتحاد (البريطاني)".
أما نيكولا مالون زعيمة حزب "العمال" و"الديمقراطيين الاشتراكيين"؛ ذي التوجه القومي، وأحد الأحزاب الخمسة الكبرى في أيرلندا الشمالية، فقد اتهمت جونسون "بالخداع والمراوغة حول بريكست".
وقالت: "لقد دخلنا الاجتماع قلقين من محدودية فهمه لتعقيدات وهشاشة هذا المكان، وكان لمخاوفنا أن تأكدت، ومن الواضح أن رؤيته وآراءه قادمة من منظور الحزب الاتحادي الديمقراطي".
وأصدرت رئاسة الوزراء بياناً تلى زيارة جونسون، أكدت فيه إصرار جونسون على الخروج من الاتحاد الأوروبي في موعده المقرر 31 أكتوبر/ تشرين الأول "مهما كان الثمن"، وشددت في الوقت عينه على ضرورة احترام اتفاق "الجمعة العظيمة"، "في جميع الاحتمالات".