زوبعة التعيينات في تونس: غضب الموالاة ضد رئيس الحكومة

22 أكتوبر 2015
الأحزاب تتهم الصيد باتخاذ قرارات أحادية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تُطرح تساؤلات حول الأسباب التي تدفع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد إلى إعادة استنساخ أزمة تعيينات المحافظين السابقة خلال تعيينات المعتمدين (نواب المحافظين) الأخيرة.

وبعد التململ الذي أحدثه تشكيل الحكومة داخل الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحاكم، والغضب المحدود الذي عبّرت عنه هذه الأحزاب خلال تعيينات المحافظين، جاءت أزمة تعيينات المعتمدين لتفجر الغضب المكتوم، وتخرج إلى العلن ما كانت هذه الأحزاب تتداوله في السر.

اقرأ أيضاً: حزب المؤتمر في تونس ينتقد أداء الائتلاف الحاكم

وأطلق الحزب الهادئ جداً، "الاتحاد الوطني الحر"، صيحة احتجاج كبيرة دوَّت، الثلاثاء، في أرجاء مجلس نواب الشعب بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، معلناً عن تجميد كتلة الحزب دعمها للصيد ووقف التعامل والتنسيق مع بقية أحزاب الكتل البرلمانية المشكلة للائتلاف. وعبّر رئيس الكتلة محسن حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن نفاد صبر الحزب من تجاهل رئيس الحكومة له، وعن نفاد كل التبريرات التي قدموها لقواعدهم الغاضبة منذ أشهر.

ولم يخفِ حسن أن هناك من يحاول تقزيم الحزب واعتباره مكوناً سياسياً "ميكروسكوبياً"، في حين أنّه الحزب الثالث والقوة السياسية الثالثة في البلاد. ورأى أن كل الديمقراطيات في العالم تراعي تمثيلية الائتلافات في كل التعيينات، ولكن يبدو أن لوناً واحداً يسيطر على التعيينات الأخيرة، على حدّ تعبيره.

ويأتي حديث حسن عن "اللون الواحد" كإشارة إلى حزب "نداء تونس". غير أن اللافت هو أن "نداء تونس" نفسه غاضب من سلسلة التعيينات، وتنتقد جميع مواقفه رئيس الحكومة. ورأى قياديّوه من مختلف التيارات أن الصيد يلعب لعبته الخاصة، ويحاول التمايز عن الأحزاب بمن فيها الحزب الذي ولّاه المنصب، أي "نداء تونس".

 وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث الرسمي باسم "نداء تونس" بوجمعة الرميلي، أن ما يتم تداوله من كون الحزب حظي بنسبة كبيرة من التعيينات الجديدة في سلك المعتمدين كلام غير صحيح، وأن نصيبه يقتصر على 8 معتمدين من بين 78، وهو رقم لا يتناسب مع وزن "نداء تونس"، الفائز الأول في الانتخابات.

ولم ينجُ الصيد من انتقادات أكبر داعميه، حزب "النهضة"، الذي اعتبر رئيسه راشد الغنوشي، خلال افتتاح المؤتمر الثاني لشباب الحزب بالجامعة، أن التعيينات الأخيرة للمعتمدين تفتقد التوازن، وتضم وجوهاً من الإدارة القديمة، مؤكّداً على ضرورة ألا يكون الانتماء الحزبي عائقاً أمام تعيين البعض في هذا المنصب.

من جهته، رأى الحزب الرابع في الائتلاف الحكومي، "آفاق تونس"،  أن التعيينات لم تكن متناسبة مع ما تم الاتفاق عليه مع الصيد، مشدّداً على أن الخلاف ليس في عدم حصول الحزب على حصته منها، بل في عدم توفر الشروط المتفق عليها في عدد من المعتمدين وحيادها عن الشروط والمقاييس المتفق عليها.

 ويفتقد عدد من المعتمدين المعينين المستوى العلمي المطلوب، وخصوصاً أن هذا المنصب له أهمية كبيرة في هذه المرحلة، على اعتبار أن المعتمد هو المسؤول الأول عن "النيابات الخصوصية" (البلديات المؤقتة قبل الانتخابات المقبلة).

ولم تتوقف انتقادات التعيينات عند أحزاب الائتلاف، بل شملت كل أحزاب المعارضة دون استثناء، إذ اعتبر القيادي البارز في "الجبهة الشعبية" اليسارية، منجي الرحوي، أن التعيينات الأخيرة في المعتمدين لم تكن في مستوى توقعات المرحلة التي تمر بها البلاد، أو في مستوى توقعات النخب السياسية.

وأضاف في تصريح صحافي، أن "تونس تحتاج إلى تعيين معتمدين أكفاء ونزهاء ولديهم القدرة على معالجة الإشكاليات الاجتماعية التي تهم الشعب، وحلحلة الإشكاليات التنموية في المناطق المهمشة. ولكن ما حدث هو أن هذه التعيينات تمت وفق محاصصة حزبية كما هي العادة، وما كنا نلوم عليه حكومة الترويكا يتكرر الآن".

ويبدو أن الصيد قصد من وراء هذه التعيينات، التي أثارت غضب جميع الأحزاب، أن يتحرك بين التناقضات التونسية، وأن يلعب لعبته الخاصة. وظهرت لعبة الصيد هذه خصوصاً في صراعه الأخير مع وزير العدل المقال محمد صالح بن عيسى، الذي كان سيستقيل لولا أن سبقه الصيد، في محاولة لإعلان وجود سلطة وحيدة في البلاد، مستقلة عن الأحزاب، اسمها الحبيب الصيد، لا تسمح بوجود نواتات مستقلة داخل الحكومة.

وبلغ "العربي الجديد" أن لقاءً جمع الرجلين يوم الأحد (قبل يوم من الإقالة)، طلب فيه الصيد من وزيره الذهاب إلى مجلس نواب الشعب والدفاع عن مشروع قانون المجلس الأعلى للقضاء، الذي أعيد للمجلس لعدم دستوريته. ولكن الوزير رفض ذلك لأن مشروعه الأصلي قد جرى تشويهه، وهو بالتالي لا يقبل أن يدافع عن مشروع غير مقتنع به. عندها هدّده الصيد بأنه سيمارس صلاحيته كرئيس حكومة، لكن بن عيسى المعروف باستقلاليته الشديدة تمسّك بموقفه حتى النهاية، فحصل ما حصل، بحسب ما ذكرت مصادر "العربي الجديد".

ويبدو أن الصيد يمر بمنطقة زوابع شديدة بعد كل هذه الأحداث المتلاحقة التي سبقتها استقالة الوزير المكلف بالعلاقات مع مجلس النواب الأزهر العكرمي، منذ أيام، والتي أشار فيها إلى أن الصيد لا يستمع إلى وزرائه. غير أن الأخير يقلّل باستمرار من أهمية كل هذه الأحداث، ويكرر أنه صاحب القرار الوحيد في أي تغيير حكومي ممكن.

وعلى الرغم من إثارة غضب الأحزاب عليه، غير أنه غضب غير كاف، على ما يبدو، كي يتخلى عنه صاحبا القرار الحقيقي في البلاد، الرئيس القائد السبسي والغنوشي، المتمسّكيْن بالرجل الذي جاء تعيينه مناسباً لتوازن سياسي ولّدته حالة الريبة المشتركة بُعيْد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية. والى أن يجد الشيخان رجلاً يستجيب لهذه المعادلة ويكون أكثر كفاءة، لعلّ الصيد باق في منصبه.

اقرأ أيضاً: حرب مفتوحة داخل "نداء تونس": صراع على القيادة والتحالفات

المساهمون