زوّار سوريا من السياسيين اللبنانيين، باتوا يشعرون بأمان أكثر. هذا ما يقوله أكثر من زائر لدمشق في الأيّام الأخيرة. "الحج" إلى دمشق، يُعدّ مهنة لبنانيّة يعود تاريخها إلى دخول الجيش السوري إلى لبنان تحت غطاء "قوات الردع العربيّة" عام 1976. منذ ذلك الوقت، وزيارة دمشق والاستماع لمسؤوليها الأمنيين تقليد أسبوعي لدى العديد من السياسيين اللبنانيين.
الشعور بالأمان، مردّه إلى أن النظام سيطر بالكامل على مدينة دمشق، والطريق المؤديّة إليها من بيروت، كما يقول هؤلاء الزوار. في الأشهر الماضية، تراجعت زيارات البعض لأسباب أمنيّة. يروي أحد الوزراء السابقين كيف وجد نفسه أمام حاجز للمعارضة السورية في دمشق. اليوم، هذه الحواجز اختفت برأي الوزير السابق الذي يُعَدّ أحد أبرز حلفاء دمشق في بيروت. يعتبر المؤيّدون للنظام السوري أن الجيش حقق تقدّماً ميدانياً كبيراً. يستشهد هؤلاء بالوضع في حلب ودمشق. يقولون إن هزائم المعارضة متتالية. ولدى ذكر عدد من الانتصارات التي حققتها قوات المعارضة، فإن هؤلاء يشيرون إلى عدم معرفتهم بهذه المعارك. ثم ينتقلون إلى الحديث مباشرةً عن المقاتلين الأجانب في سوريا في صفوف المعارضة. لا يُنكر هؤلاء أن عديد المقاتلين الأجانب إلى جانب النظام أكثر بكثير منهم إلى جانب المعارضة، لكنّهم يُشيرون إلى الفارق الاساسي اليوم، وهو "تماسك النظام في مقابل تفكك المعارضة".
ويلفت وزير لبناني سابق، عاد من دمشق منذ يومين، إلى أن التماسك داخل بنية النظام أقوى مما كان سائداً في الفترة الأولى من عمر الثورة السوريّة. وفي السياق، يؤكّد أن النظام استطاع الحفاظ على الكتلة السنيّة المؤيدة له، إن على المستوى الرفيع، من قيادات أمنية ودبلوماسية، أو المستوى الأدنى على صعيد الضباط من ذوي الرتب الصغيرة أو الجنود. وعند الإشارة إلى عدم كفاءة الجندي السوري، يقول الوزير السابق، إن المطلوب من هذا الجندي "الدفاع عن ثكنته لا أكثر". أمّا القوة العسكريّة الضاربة، فهي مؤلفة من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، إلى جانب المقاتلين اللبنانيين (حزب الله) والعراقيين (عصائب أهل الحق).
ويؤكّد الوزير اللبناني أن عديد الفرقة الرابعة ارتفع إلى خمسةٍ وثلاثين ألف مقاتل، والحرس الجمهوري إلى ثمانين ألف مقاتل، يُضاف إليهم عديد قوات الدفاع الوطني (الميليشيات السورية التي دربتها إيران وحزب الله). التطور على المستوى العسكري في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة لم يقتصر على العدد، كما يقول الوزير، بل يُضاف إليه "الخبرة القتالية والولاء العقائدي، إذ إن هذا الجندي اكتسب مهارة قتالية على مدى ثلاث سنوات".
وفي المجال عينه، يلفت الوزير اللبناني السابق، إلى أن التماسك انعكس على البنية الشعبية التي تؤيّد النظام، فباتت "الطائفة العلوية موحّدة بشكلٍ غير مسبوق". أكثر من ذلك، فالرجل يطلب منك مراجعة خطاب معارض سابق كفاتح جاموس (القيادي السابق في حزب العمل الشيوعي، والقيادي في هيئة التنسيق الوطنية) للتأكد من ذلك. ويعترف الوزير بأن هذه الطائفة تدفع ثمناً بشرياً عالياً على مستوى الشباب الذين يموتون في القتال إلى جانب النظام، "لكن لا أثر للتذمر، لا بل إن الرغبة في القتال ترتفع". ويضيف أنّ العقل الجماعي للطائفة ربط مصيره بالكامل بمصير النظام، وتحديداً رئيسه. ذلك أن سقوط النظام يعني انتهاء الطائفة. هكذا ينقل الوزير السابق عن الجمهور العلوي. ويُشير إلى أن الواقع الدرزي بات مشابهاً للواقع العلوي، فبرأيه، لا تتجاوز نسبة المعارضين العشرة في المئة، ساخراً من أن أخطاء المعارضين، تحديداً أبناء درعا، ساهمت بدفع معظم المحايدين من الدروز إلى الوقوف بصف النظام.
التماسك لا يقتصر على الجانب السياسي والشعبي برأي زائر سوريا الدائم، فهناك التماسك الاقتصادي، و"الغريب كيف استطاع النظام الصمود حتى اللحظة"، يتساءل محدّثنا، معرباً عن تفاجئه من أن الرواتب تصل إلى الموظفين في موعدها في مختلف المناطق. باعتقاده، ما يُساهم بالحفاظ على التماسك الاقتصادي هو كمية العملة الأجنبية التي تدخل إلى البلاد عن طريق المعارضة، "والنظام يطبع العملة السوريّة، ثم يبيعها في السوق ويسحب العملة الأجنبية من السوق".
الصورة التي يرسمها حلفاء دمشق ورديّة جداً. برأيهم، النظام تجاوز مرحلة خطر السقوط. يُقرّون بأن التسوية تنتظر الاتفاق الروسي ــ الأميركي، في الوقت الذي يعيش المحور الذي تُمثله روسيا في حالة ممتازة. "أما جولات التفاوض في جنيف وغيرها، فهي مجرد حلقات فلوكلور، ونحن في لبنان ندرك هذا الأمر جيداً، بدليل أنّ أكثر من 15 مؤتمر سلام وجولة تفاوضية لم تُثمر شيئاً، وعندما أُنجز الاتفاق ذهبنا إلى الطائف لنوقع عليه فقط. أنا كنت هناك، وأُدرك جيداً أننا لم نكن قادرين على تغيير كلمة واحدة". هكذا يختم الوزير.