انتشار الزواج القسري وزواج القصّر بين اللاجئين والمهاجرين يؤرّق مجتمعات الشمال الأوروبي التي ترى في ذلك انتهاكاً فاضحاً لحقوق الطفل. وإزاء هذه المعضلة، تقف الدول المضيفة شبه عاجزة
تعود قضية زواج القصّر لتطل برأسها مجدداً في عدد من دول الشمال الأوروبي، لا سيّما مع تزايد الحالات والبحث عن حلول للتصدي لها. وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي على سبيل المثال، ذهبت أغلبية برلمانية دنماركية للتصويت، مع معارضة أربعة من أحزاب اليسار، على قرار يسري بموجبه منع زواج/ تزويج كل من هو/ هي دون الثامنة عشرة بدءاً من فبراير/ شباط الماضي.
وفي 16 مايو/ أيار الماضي، عُرض على البرلمان الدنماركي مقترح قانون يمنع منعاً باتاً سكن قاصر مع زوج بالغ. وفي الخلفية، تظهر قصة شاب يبلغ من العمر 28 عاماً متزوّج من فتاة تبلغ 15 عاماً. وكان هذان الاثنان قد وصلا إلى البلاد خلال العام الماضي كلاجئَين وأصرّا على العيش معاً. وهذه مجرّد قضية من بين مئات القضايا التي تشمل مقيمين أو وافدين حديثاً. إلى ذلك، كان جدال مجتمعي قد سُجّل على خلفية الزواج القسري، وهروب الفتيات من أهاليهنّ، ومقتل بعضهنّ بسبب ارتباطهنّ بآخرين من غير الذين اختارهم الأهل على يد الأب أو الأخ، قبل أن تُعدَّل القوانين ويحدَّد سقف زواج المستفيدين من لمّ الشمل بـ 24 عاماً. ولأنّ القانون السويدي يسمح بالزواج لمن يبلغ الثامنة عشرة، اختار بعض أبناء المهاجرين في الدنمارك السفر إلى السويد للحصول على تسهيلات خاصة بلمّ شمل الزوج/ الزوجة دون الرابعة والعشرين.
تشريعات خاصة
على الرغم من أنّ مجتمع السويد يشبه مجتمعات دول الشمال الأخرى لجهة الأعراف التي ترفض زواج الأقارب والقصّر، فإنّ استوكهولم اضطرت في يوليو/ تموز من عام 2014 إلى تبنّي تشريع عدّل قوانين العقوبات. فبات يحكم بأربعة أعوام من السجن على كل من يجبر شخصاً غير بالغ على الزواج. وقد فتح التعديل السويدي باب الجدال على مصراعيه، بعدما كشفت أرقام صادمة انتشار ظاهرة زواج القصّر والزواج القسري بين المراهقين اللاجئين والمقيمين. وبعد شهر من إقرار القانون السويدي، تلقّت اللجنة الوطنية لمحاربة تزويج الأطفال 504 اتصالات حول زيجات قسرية ودون السنّ القانونية.
لكنّ لا يبدو أنّ التعديل أتى رادعاً بما فيه الكفاية، بحسب ما يشير مهتمون بتلك قضايا التي تعدّها المجتمعات الاسكندنافية "اعتداءً على حقوق الطفل". فالعام الماضي "شهد انتشاراً للظاهرة بين صفوف الوافدين كلاجئين إلى البلد، بعد إجراء مسح في مراكز استقبال في أكثر من 80 بلديّة"، وفقاً لدائرة الهجرة. وكان السويديون قد بدأوا يفتحون أعينهم على حالات زواج القصّر مع تدفق اللاجئين الكبير في عام 2015، إذ وصل إلى البلاد أزواج كثر دون الثامنة عشرة بمفردهم، بينما وصل بعضهم معاً، وتقدّم آخرون بطلبات لمّ شمل للزوج القاصر. وسلّطت الإذاعة السويدية حينها الضوء على 70 مراهقاً متزوجاً وصلوا في خريف 2015، وهؤلاء ما زالوا حتى اليوم دون الثامنة عشرة ويُعَدّون في قوانين الدول الاسكندنافية "أطفالاً".
ومن خلال عملية مسح لزيجات القصّر في خريف عام 2016 شملت 110 حالات، وجدت لجان مختصة بأنّ 11 فتاة قاصرة تزوّجنَ قسراً، وهو ما يُعدّه الخبراء "فشلاً في تطبيق القانون الصارم وعدم فعاليته". ويربط هؤلاء الخبراء بين التزويج القسري وما يسمّونه "خروجاً عن مبادئ الديمقراطية في مجتمعنا". ويقول أحد مديري تطوير المشاريع في مجلس بلدية غوتلاند (جنوب وسط) جونو بلوم، إنّ "ثمّة زيادة كبيرة وملحوظة في عدد القصّر الوافدين والذي تبيّن أنّهم متزوجون". ويشدّد على "ضرورة أن تضمن السلطات سريان مبادئنا الديمقراطية. ومنع الاضطهاد والعنف بحقّ هذه الفئة يُعَدّ مهمة وطنية وليست محلية".
من جهتها، تعبّر منسقة الإعانات الاجتماعية في استوكهولم، فيرونيكا فولغاست كارلبيرغ، عن رضاها حول "إغلاق الحدود لمنع استغلال الوافدين للمّ الشمل والإعانات لديمومة قدرتهم على الزواج من قصّر". لكنّ بلوم لا يرى الحل في إغلاق الحدود فقط، "إذ إنّ الظاهرة منتشرة في البيئة المهاجرة كذلك. وما يجري بحسب القوانين هو منع تسجيل زواج من هم دون الثامنة عشرة، بالتالي لا نسمع عن هؤلاء الأطفال الذين يُزوّجون قسراً لأنّ زواجهم لا يسجَّل رسمياً". أمّا المشكلة الأخرى بحسب بلوم فهي أنّ "الزيجات جرت خارج حدود البلاد". وعلى الرغم من محاولة السلطات على مدى ثلاثة أعوام تعميم القانون ونشره في المطارات لمصلحة من يجري تسفيرهم أو تسفيرهنّ وتزويجهم أو تزويجهنّ قسراً، فإنّ السلطات وجمعيات حماية حقوق الطفل تجد نفسها عاجزة عن مواكبة هذه الظاهرة التي توصف بـ"المقلقة".
اقــرأ أيضاً
تجدر الإشارة إلى أنّه من بين نحو 96 ألف طالب لجوء قاصر استقبلتهم أوروبا مع تدفّق المهاجرين طالبي اللجوء في عام 2015، سجّلت مالمو (جنوب) وحدها 14 ألفاً و450 حالة. وبحسب بيانات للإذاعة السويدية بالتعاون مع صحيفة "سودسفانسكا"، جرى توثيق 59 حالة زواج لفتيات مراهقات، من بينهنّ خمس ينتظرنَ مولوداً. وتشير الصحيفة إلى "صدمة أن تجد فتيات في السادسة عشرة حوامل وقد تركتهنّ البلدية يعشنَ مع أزواج يكبرونهنّ سناً". إلى ذلك، جرى توثيق ثماني ولادات لقاصرات، في حين أنّ فتاة في السابعة عشرة من عمرها حامل وسبق أن أنجبت طفلَين من قبل.
قلق لدى المنظمات
في السياق، كانت مكاتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في الدول الاسكندنافية قد ناشدت السلطات بتطبيق صارم لمنع زواج الأطفال الذي "يتعارض تماماً مع اتفاقية حقوق الطفل"، بحسب ما يقول المدير العام لليونيسف في كوبنهاغن ستين أندرسن. أمّا مدير منظمة "حماية الأطفال" راسموس كيلدال، فيرى أنّه "من المقلق جداً أن يُسمح بإسكان زوجات قاصرات مع أزواج يكبرونهنّ سناً في مراكز استقبال (اللاجئين)".
وما يزيد قلق المنظمات المحلية والدولية في اسكندنافيا هو أنّ "عدداً من البالغين المتزوجين بقاصرات في النرويج والسويد والدنمارك غادروا البلاد نتيجة الإحباط الذي أصابهم لعدم الاعتراف القانوني بزيجاتهم أو لمّ شمل زوجاتهنّ القاصرات". وهو ما يعني عجز تلك المنظمات عن حماية القاصرات منذ عام 2016.
"الحق في الحياة الأسرية"
في الدنمارك، أثارت وزيرة الهجرة والدمج، إنغا ستويبرغ، جدالاً كبيراً ومستمراً طيلة شهر مايو/ أيار الماضي، وأدّى ذلك إلى تدخّل ديوان المظالم في البرلمان (أومبودسمان) لأنّ ستويبرغ متّهمة بأنّها "وجّهت قبل عام، وبطريقة غير قانونية، موظفين لفصل الفتيات القاصرات عن أزواجهنّ البالغين في مخيمات استقبال اللاجئين". ويرى حقوقيون أنّ تصرّف الوزيرة "وصل إلى حدّ خرق القوانين"، من دون أن يعني ذلك أنّ المنتقدين يؤيّدون هذا النوع من الزيجات. فالانتقادات وجّهت إليها لأنها استغلّت نفوذها ليس إلا. لكنّ ستويبرغ ردّت على الحملة ضدها قائلة: "من السخرية بمكان أنّ السياسيين والمحللين ينظرون إلى الشاب البالغ 17 عاماً كطفل وجبت حمايته، بينما الفتيات من العمر نفسه أو الأصغر سناً واللواتي أُجبِرن على الزواج، يُعطَين حريّة القرار ما إذا كنّ يرغبنَ في العيش مع أزواجهنّ الذين يكبرونهنّ".
انتقادات ديوان المظالم للوزيرة استندت في الأساس على "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" خصوصاً "الحقّ في الحياة الأسرية". وهذا أمر أنتج "مفارقة أخرى لا تقلّ خطورة عمّا سبق. فالاتفاقية الأوروبية تهدف أساساً إلى حماية الأطفال، لكنّ تلك الانتقادات تتعارض مع ذلك حين يُسمح لقاصرات بالعيش مع أزواج يكبرونهنّ في السنّ". وقد انتقد سياسيون من اليمين ما أسموه "مواقف سياسية للأمبودسمان في هذه القضية".
وتترجم القضية بحسب مهتمين بحقوق الطفل ورطة للنظام الاجتماعي الاسكندنافي. فالوزيرة ستويبرغ "طلبت شفوياً من موظفين في دائرة الهجرة ووزارتها، بفصل 23 زوجاً عن زوجاتهنّ القاصرات، وكان هؤلاء حضروا كلاجئين"، في حين رأى المنتقدون ذلك "إضرارا بحقّ الأسرة والعيش معاً".
وفي النرويج، الجارة الاسكندنافية الشمالية الغربية للدنمارك والسويد، لم يتوقّف الجدال حول زواج القاصرات منذ عام 2015، خصوصاً بعدما كشف تقرير التلفزيون الرسمي بالتعاون مع دائرتَي الأسرة والهجرة عن وجود أكثر من 60 حالة، 10 منها لفتيات دون السادسة عشرة، فيما أصغر "طفلة عروس" تبلغ من العمر 11 عاماً وقد وصلت إلى أوسلو في أواخر عام 2015. وأثار الأمر الرأي العام النرويجي، لا سيّما أنّ ذلك تزامن مع الكشف عن حمل فتاة في الرابعة عشرة وصلت مع زوجها البالغ 23 عاماً وابنه البالغ سنة ونصف السنة. يُذكر أنّ الشرطة تدخّلت في القضية وفرّقتهما عن بعضهما بعضاً. ويعاقب القانون النرويجي بالسجن ما بين ثلاثة وستّة أعوام كلّ من يستغلّ جنسياً القصّر، بغضّ النظر عن الطريقة. إلى ذلك، تُمنح الموافقة على زواج القاصرين دون الثامنة عشرة لكلّ حالة على حدة. ولا يُعترف بزواج من هذا النوع جرى خارج الأراضي النرويجية وكان فيه أحد الطرفَين دون السنّ القانونية عند عقد القران.
ألمانيا ليست أفضل حالاً
في ألمانيا كذلك، يقوم جدال حول قضايا زيجات الأطفال. وعلى الرغم من أنّ القانون الألماني يسمح لمن هم في السادسة عشرة بالزواج من شخص بالغ شريطة الحصول على موافقة الأهل ومحكمة الأسرة، فإنّ المشكلة التي يواجهها الألمان تكمن في قضايا زواج القاصرات خارج البلد ودخولهنّ كلاجئات. والجدال قائم في المجتمع الألماني منذ عام 2016 بعدما نُشِرت تقارير شاملة كشفت عنها سلطات محلية. ففي بافاريا على سبيل المثال، كشفت السلطات عن 161 زيجة أطفال بين طالبي اللجوء، من بين ما يُقدّر إعلامياً بأكثر من 1500 حالة. وقد تبيّن أنّ "الفتيات العرائس" كنّ دون السادسة عشرة، وأكثر من 550 حالة دون الثامنة عشرة.
ودفعت النقاشات عشية الانتخابات العامة التي تنظم في البلاد في سبتمبر/ أيلول المقبل، وزير العدل الألماني هايكو ماس في أواخر مايو/ أيار الماضي إلى التصريح بأنّه "سوف يُقدَّم تشريع لإلغاء كلّ زيجات من هم دون السادسة عشرة". لكنّ ذلك أحدث ردود فعل بين حقوقيين ومنظمات حقوقية إذ إنّ هذا الإلغاء "سوف يضرّ بالقصّر عبر فصلهم عن بعضهم"، وهو ما يُعدّ كذلك مفارقة وورطة حقوقية ومجتمعية.
تجدر الإشارة إلى أنّ العام الماضي شهد كذلك زيادة مقلقة في أعداد الأزواج القاصرين في ألمانيا بنحو ألف حالة، بالتزامن مع دفعات كبيرة من اللاجئين، بحسب تقرير نشرته صحيفة "دي فيلت". لكنّ جهات أخرى لفتت في تصريحات للصحيفة إلى أنّ "الأرقام أكبر من ذلك بكثير". بناءً على ذلك، ألّف وزير العدل الألماني لجنة وطنية اتحادية "لدراسة ما يجب القيام به في هذه القضية"، في حين وجدت الحكومة الاتحادية نفسها تحت ضغط المنظمة الألمانية لحماية الأطفال التي طالبت بتحديد سنّ الزواج بـ 18 عاماً وتشديد العقوبات على المخالفين.
اقــرأ أيضاً
تعود قضية زواج القصّر لتطل برأسها مجدداً في عدد من دول الشمال الأوروبي، لا سيّما مع تزايد الحالات والبحث عن حلول للتصدي لها. وفي 19 يناير/ كانون الثاني الماضي على سبيل المثال، ذهبت أغلبية برلمانية دنماركية للتصويت، مع معارضة أربعة من أحزاب اليسار، على قرار يسري بموجبه منع زواج/ تزويج كل من هو/ هي دون الثامنة عشرة بدءاً من فبراير/ شباط الماضي.
وفي 16 مايو/ أيار الماضي، عُرض على البرلمان الدنماركي مقترح قانون يمنع منعاً باتاً سكن قاصر مع زوج بالغ. وفي الخلفية، تظهر قصة شاب يبلغ من العمر 28 عاماً متزوّج من فتاة تبلغ 15 عاماً. وكان هذان الاثنان قد وصلا إلى البلاد خلال العام الماضي كلاجئَين وأصرّا على العيش معاً. وهذه مجرّد قضية من بين مئات القضايا التي تشمل مقيمين أو وافدين حديثاً. إلى ذلك، كان جدال مجتمعي قد سُجّل على خلفية الزواج القسري، وهروب الفتيات من أهاليهنّ، ومقتل بعضهنّ بسبب ارتباطهنّ بآخرين من غير الذين اختارهم الأهل على يد الأب أو الأخ، قبل أن تُعدَّل القوانين ويحدَّد سقف زواج المستفيدين من لمّ الشمل بـ 24 عاماً. ولأنّ القانون السويدي يسمح بالزواج لمن يبلغ الثامنة عشرة، اختار بعض أبناء المهاجرين في الدنمارك السفر إلى السويد للحصول على تسهيلات خاصة بلمّ شمل الزوج/ الزوجة دون الرابعة والعشرين.
تشريعات خاصة
على الرغم من أنّ مجتمع السويد يشبه مجتمعات دول الشمال الأخرى لجهة الأعراف التي ترفض زواج الأقارب والقصّر، فإنّ استوكهولم اضطرت في يوليو/ تموز من عام 2014 إلى تبنّي تشريع عدّل قوانين العقوبات. فبات يحكم بأربعة أعوام من السجن على كل من يجبر شخصاً غير بالغ على الزواج. وقد فتح التعديل السويدي باب الجدال على مصراعيه، بعدما كشفت أرقام صادمة انتشار ظاهرة زواج القصّر والزواج القسري بين المراهقين اللاجئين والمقيمين. وبعد شهر من إقرار القانون السويدي، تلقّت اللجنة الوطنية لمحاربة تزويج الأطفال 504 اتصالات حول زيجات قسرية ودون السنّ القانونية.
لكنّ لا يبدو أنّ التعديل أتى رادعاً بما فيه الكفاية، بحسب ما يشير مهتمون بتلك قضايا التي تعدّها المجتمعات الاسكندنافية "اعتداءً على حقوق الطفل". فالعام الماضي "شهد انتشاراً للظاهرة بين صفوف الوافدين كلاجئين إلى البلد، بعد إجراء مسح في مراكز استقبال في أكثر من 80 بلديّة"، وفقاً لدائرة الهجرة. وكان السويديون قد بدأوا يفتحون أعينهم على حالات زواج القصّر مع تدفق اللاجئين الكبير في عام 2015، إذ وصل إلى البلاد أزواج كثر دون الثامنة عشرة بمفردهم، بينما وصل بعضهم معاً، وتقدّم آخرون بطلبات لمّ شمل للزوج القاصر. وسلّطت الإذاعة السويدية حينها الضوء على 70 مراهقاً متزوجاً وصلوا في خريف 2015، وهؤلاء ما زالوا حتى اليوم دون الثامنة عشرة ويُعَدّون في قوانين الدول الاسكندنافية "أطفالاً".
ومن خلال عملية مسح لزيجات القصّر في خريف عام 2016 شملت 110 حالات، وجدت لجان مختصة بأنّ 11 فتاة قاصرة تزوّجنَ قسراً، وهو ما يُعدّه الخبراء "فشلاً في تطبيق القانون الصارم وعدم فعاليته". ويربط هؤلاء الخبراء بين التزويج القسري وما يسمّونه "خروجاً عن مبادئ الديمقراطية في مجتمعنا". ويقول أحد مديري تطوير المشاريع في مجلس بلدية غوتلاند (جنوب وسط) جونو بلوم، إنّ "ثمّة زيادة كبيرة وملحوظة في عدد القصّر الوافدين والذي تبيّن أنّهم متزوجون". ويشدّد على "ضرورة أن تضمن السلطات سريان مبادئنا الديمقراطية. ومنع الاضطهاد والعنف بحقّ هذه الفئة يُعَدّ مهمة وطنية وليست محلية".
من جهتها، تعبّر منسقة الإعانات الاجتماعية في استوكهولم، فيرونيكا فولغاست كارلبيرغ، عن رضاها حول "إغلاق الحدود لمنع استغلال الوافدين للمّ الشمل والإعانات لديمومة قدرتهم على الزواج من قصّر". لكنّ بلوم لا يرى الحل في إغلاق الحدود فقط، "إذ إنّ الظاهرة منتشرة في البيئة المهاجرة كذلك. وما يجري بحسب القوانين هو منع تسجيل زواج من هم دون الثامنة عشرة، بالتالي لا نسمع عن هؤلاء الأطفال الذين يُزوّجون قسراً لأنّ زواجهم لا يسجَّل رسمياً". أمّا المشكلة الأخرى بحسب بلوم فهي أنّ "الزيجات جرت خارج حدود البلاد". وعلى الرغم من محاولة السلطات على مدى ثلاثة أعوام تعميم القانون ونشره في المطارات لمصلحة من يجري تسفيرهم أو تسفيرهنّ وتزويجهم أو تزويجهنّ قسراً، فإنّ السلطات وجمعيات حماية حقوق الطفل تجد نفسها عاجزة عن مواكبة هذه الظاهرة التي توصف بـ"المقلقة".
قلق لدى المنظمات
في السياق، كانت مكاتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في الدول الاسكندنافية قد ناشدت السلطات بتطبيق صارم لمنع زواج الأطفال الذي "يتعارض تماماً مع اتفاقية حقوق الطفل"، بحسب ما يقول المدير العام لليونيسف في كوبنهاغن ستين أندرسن. أمّا مدير منظمة "حماية الأطفال" راسموس كيلدال، فيرى أنّه "من المقلق جداً أن يُسمح بإسكان زوجات قاصرات مع أزواج يكبرونهنّ سناً في مراكز استقبال (اللاجئين)".
وما يزيد قلق المنظمات المحلية والدولية في اسكندنافيا هو أنّ "عدداً من البالغين المتزوجين بقاصرات في النرويج والسويد والدنمارك غادروا البلاد نتيجة الإحباط الذي أصابهم لعدم الاعتراف القانوني بزيجاتهم أو لمّ شمل زوجاتهنّ القاصرات". وهو ما يعني عجز تلك المنظمات عن حماية القاصرات منذ عام 2016.
"الحق في الحياة الأسرية"
في الدنمارك، أثارت وزيرة الهجرة والدمج، إنغا ستويبرغ، جدالاً كبيراً ومستمراً طيلة شهر مايو/ أيار الماضي، وأدّى ذلك إلى تدخّل ديوان المظالم في البرلمان (أومبودسمان) لأنّ ستويبرغ متّهمة بأنّها "وجّهت قبل عام، وبطريقة غير قانونية، موظفين لفصل الفتيات القاصرات عن أزواجهنّ البالغين في مخيمات استقبال اللاجئين". ويرى حقوقيون أنّ تصرّف الوزيرة "وصل إلى حدّ خرق القوانين"، من دون أن يعني ذلك أنّ المنتقدين يؤيّدون هذا النوع من الزيجات. فالانتقادات وجّهت إليها لأنها استغلّت نفوذها ليس إلا. لكنّ ستويبرغ ردّت على الحملة ضدها قائلة: "من السخرية بمكان أنّ السياسيين والمحللين ينظرون إلى الشاب البالغ 17 عاماً كطفل وجبت حمايته، بينما الفتيات من العمر نفسه أو الأصغر سناً واللواتي أُجبِرن على الزواج، يُعطَين حريّة القرار ما إذا كنّ يرغبنَ في العيش مع أزواجهنّ الذين يكبرونهنّ".
انتقادات ديوان المظالم للوزيرة استندت في الأساس على "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" خصوصاً "الحقّ في الحياة الأسرية". وهذا أمر أنتج "مفارقة أخرى لا تقلّ خطورة عمّا سبق. فالاتفاقية الأوروبية تهدف أساساً إلى حماية الأطفال، لكنّ تلك الانتقادات تتعارض مع ذلك حين يُسمح لقاصرات بالعيش مع أزواج يكبرونهنّ في السنّ". وقد انتقد سياسيون من اليمين ما أسموه "مواقف سياسية للأمبودسمان في هذه القضية".
وتترجم القضية بحسب مهتمين بحقوق الطفل ورطة للنظام الاجتماعي الاسكندنافي. فالوزيرة ستويبرغ "طلبت شفوياً من موظفين في دائرة الهجرة ووزارتها، بفصل 23 زوجاً عن زوجاتهنّ القاصرات، وكان هؤلاء حضروا كلاجئين"، في حين رأى المنتقدون ذلك "إضرارا بحقّ الأسرة والعيش معاً".
وفي النرويج، الجارة الاسكندنافية الشمالية الغربية للدنمارك والسويد، لم يتوقّف الجدال حول زواج القاصرات منذ عام 2015، خصوصاً بعدما كشف تقرير التلفزيون الرسمي بالتعاون مع دائرتَي الأسرة والهجرة عن وجود أكثر من 60 حالة، 10 منها لفتيات دون السادسة عشرة، فيما أصغر "طفلة عروس" تبلغ من العمر 11 عاماً وقد وصلت إلى أوسلو في أواخر عام 2015. وأثار الأمر الرأي العام النرويجي، لا سيّما أنّ ذلك تزامن مع الكشف عن حمل فتاة في الرابعة عشرة وصلت مع زوجها البالغ 23 عاماً وابنه البالغ سنة ونصف السنة. يُذكر أنّ الشرطة تدخّلت في القضية وفرّقتهما عن بعضهما بعضاً. ويعاقب القانون النرويجي بالسجن ما بين ثلاثة وستّة أعوام كلّ من يستغلّ جنسياً القصّر، بغضّ النظر عن الطريقة. إلى ذلك، تُمنح الموافقة على زواج القاصرين دون الثامنة عشرة لكلّ حالة على حدة. ولا يُعترف بزواج من هذا النوع جرى خارج الأراضي النرويجية وكان فيه أحد الطرفَين دون السنّ القانونية عند عقد القران.
ألمانيا ليست أفضل حالاً
في ألمانيا كذلك، يقوم جدال حول قضايا زيجات الأطفال. وعلى الرغم من أنّ القانون الألماني يسمح لمن هم في السادسة عشرة بالزواج من شخص بالغ شريطة الحصول على موافقة الأهل ومحكمة الأسرة، فإنّ المشكلة التي يواجهها الألمان تكمن في قضايا زواج القاصرات خارج البلد ودخولهنّ كلاجئات. والجدال قائم في المجتمع الألماني منذ عام 2016 بعدما نُشِرت تقارير شاملة كشفت عنها سلطات محلية. ففي بافاريا على سبيل المثال، كشفت السلطات عن 161 زيجة أطفال بين طالبي اللجوء، من بين ما يُقدّر إعلامياً بأكثر من 1500 حالة. وقد تبيّن أنّ "الفتيات العرائس" كنّ دون السادسة عشرة، وأكثر من 550 حالة دون الثامنة عشرة.
ودفعت النقاشات عشية الانتخابات العامة التي تنظم في البلاد في سبتمبر/ أيلول المقبل، وزير العدل الألماني هايكو ماس في أواخر مايو/ أيار الماضي إلى التصريح بأنّه "سوف يُقدَّم تشريع لإلغاء كلّ زيجات من هم دون السادسة عشرة". لكنّ ذلك أحدث ردود فعل بين حقوقيين ومنظمات حقوقية إذ إنّ هذا الإلغاء "سوف يضرّ بالقصّر عبر فصلهم عن بعضهم"، وهو ما يُعدّ كذلك مفارقة وورطة حقوقية ومجتمعية.
تجدر الإشارة إلى أنّ العام الماضي شهد كذلك زيادة مقلقة في أعداد الأزواج القاصرين في ألمانيا بنحو ألف حالة، بالتزامن مع دفعات كبيرة من اللاجئين، بحسب تقرير نشرته صحيفة "دي فيلت". لكنّ جهات أخرى لفتت في تصريحات للصحيفة إلى أنّ "الأرقام أكبر من ذلك بكثير". بناءً على ذلك، ألّف وزير العدل الألماني لجنة وطنية اتحادية "لدراسة ما يجب القيام به في هذه القضية"، في حين وجدت الحكومة الاتحادية نفسها تحت ضغط المنظمة الألمانية لحماية الأطفال التي طالبت بتحديد سنّ الزواج بـ 18 عاماً وتشديد العقوبات على المخالفين.