الأشخاص ذوو الإعاقة في الوطن العربي ككل، يعانون من وضع الحواجز والعقبات في طريقهم. في تونس، تمنع النظرة النمطية إليهم أفراد هذه الفئة من الزواج وتكوين أسرة أسوة بغيرهم
يقدّر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس بأكثر من 250 ألفاً من مختلف الإعاقات. كثيرون من بينهم يؤدون دوراً في المجتمع بالرغم من العوائق التي تعترضهم، وبالفعل، حقق البعض نجاحات، إذ يشقون طريقهم في مراكز التكوين (التدريب) لتعلم مهنة، ومن بعدها ينجح بعضهم في شق طريقه إلى سوق العمل.
يتفق الجميع في تونس على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة والتعليم والعمل وغيرها، كما على دور أغلبهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. لكن، يبقى زواج الأشخاص ذوي الإعاقة هو الأصعب، فمهما كانت النظرة إليهم مشجعة في كثير من المجالات، يتضح التمييز تجاههم في مسألة الارتباط مع ما فيه من نظرة نمطية، فمعظم الأشخاص يرفضون الارتباط بهم مهما كانت إعاقتهم، والسبب عجزهم المفترض.
محمد الساحلي (50 عاماً) شخص مكفوف لكنّه مندمج في المجتمع. عمل في عدّة مهن يدوية منذ صغره، ولم يواجه صعوبة في إتقان أيّ منها، واليوم هو تاجر لمواد غذائية. حياته الزوجية عادية، فهو أب لشابين من أصحاب الشهادات العليا. يقول إنّه بالرغم من زواجه من إحدى قريباته زواجاً تقليدياً، لم يشعر يوماً أنّ إعاقته البصرية تجعله مقصراً في حياته الأسرية. فقد كان منذ صغره قادراً على قضاء شؤونه العادية واليومية من دون الحاجة إلى أحد.
لكن، إذا كانت ظروف معينة قد وفقت محمد في النجاح في حياته خصوصاً الزوجية، ووفقت المئات من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنّ معظمهم يواجه صعوبة في تكوين أسرة. فالرفض بسبب الإعاقة غالباً ما يعرقل الأمر.
اقــرأ أيضاً
بينما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تجد عشرات الصفحات التي خصصت لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة، يقدم فيها الآلاف من مختلف الدول عروضاً للزواج. أحد الشبان (31 عاماً) من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية بعد تعرضه لحادث سير. يكتب معلوماته هذه على الصفحة ويعلن: "أريد زوجة تكون سنداً لي".
هناك الكثير من الإعلانات على هذه الشاكلة لأشخاص ذوي إعاقة من عدة بلدان تستخدم تعبيرات عديدة.
يقول بلال العياري (34 عاماً): "لا يرى كثيرون غرابة في الأمر، فهناك عشرات من مواقع الزواج المخصصة لجميع الناس وليست محصورة بالأشخاص ذوي الإعاقة. مع ذلك، فإنّ الأمر أصعب بكثير بالنسبة لهذه الفئة وأنا منها". يضيف العياري: "حياة الناس غالباً ما تستمر بشكل اعتيادي، فلا شيء يمكن أن يعيق هذا الاستمرار سوى بعض التعثرات البسيطة. وحتى من يفتقد المال أو أي غرض مادي لا أعتقد أنّه سيعجز عن تجاوز مشكلته والعثور على حلّ لها" مع ذلك، فإنّ الإعاقة في بلدان غير مجهزة للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة كما يجب عن طريق الدمج وتجهيز البيئة الهندسية وتيسير الوصول لهم، وتهيئة المجتمع ثقافياً، يمكن أن تعطل حياة أفراد هذه الفئة التي تشكل جزءاً مهماً من المجتمع، خصوصاً مع التمييز الذي يمكن أن يتعرضوا له والذي يصل إلى حدّ التهميش والعزل.
يتابع العياري: "هذا ما يحصل معي، فأنا من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية منذ كنت طفلاً، وربما منذ ولادتي. لم أمشِ حتى بضع خطوات، وحتى الأطباء عجزوا عن تشخيص وضعي. لكنني عشت طوال تلك السنوات من دون الشعور بالحاجة إلى أحد. أمي هي سندي وقت حاجتي وقوتي وقت عجزي، خصوصاً في سنوات صغري. تعلّمت في ما بعد ألا أحتاج إليها في كثير مما أحتاجه. علمتني أمي أن أتكل على نفسي في أداء تلك الحاجات، حتى أنّني منذ بلغت العشرين وأنا أعمل في مكتبة لبيع الكتب القديمة. ولم أشعر يوماً أنّي عاجز، أو أنني أدنى من الناس الآخرين خصوصاً من هم من خارج فئة الأشخاص ذوي الإعاقة. مع ذلك، لم تقبل بي أيّ امرأة كي أرتبط بها، بسبب إعاقتي بالذات. كيف لا، والكلّ يعتقد أنّ من هو غير قادر على المشي سيكون في حاجة إلى خدمة كبيرة في أدق شؤون حياته اليومية، فكأنّه سيكون عبئاً على الطرف الآخر".
بذلك، يعاني العياري من نظرة نمطية تحول بينه وبين إتمام هذه الشراكة التي يتمنى أن يتمكن منها يوماً ما. وليست قصته الأولى أو الأخيرة لأحد الأشخاص ذوي الإعاقة في مسألة البحث عن زوج أو زوجة، فعندما انطلقت رحلة عامر الخياري (36 عاماً) في البحث عن زوجة، كان يدرك أنّ المهمّة صعبة، وأنّ رحلة البحث ستطول، لكنّه لم يتوقع أن تستمر أكثر من أربع سنوات. والنظرة النمطية إلى الشخص ذي الإعاقة هي السبب.
كان عامر طفلاً عندما أصيب بحادث سير أدى إلى شلل في ساقيه. من جهته، تكيّف مع وضعه بمساعدة عائلته والمحيطين به، وتعلّم كيف يتدبر شؤونه الخاصة بنفسه من دون الحاجة إلى أحد. أكمل تعليمه الجامعي، ويعمل في إحدى رياض الأطفال، ويدرّس بعض تلاميذ السنوات الأولى. لم يشعر أنّ عجزه عن المشي قد يعيق أيّ مرحلة في حياته. لكنّ "غياب فهم ثقافة الاختلاف، ووجود مفاهيم خاطئة عن الإعاقات وأصحابها، وربطهم بالحاجة والنقص، أدّى إلى الفهم الخاطئ عن مدى قدرة كلّ شخص ذي إعاقة على النجاح في الحياة الأسرية كأيّ شخص آخر". يتابع الخياري مشيراً إلى النظرة النمطية في المجتمع التونسي: "الكلّ يعتقد أنّ الشخص ذا الإعاقة لن يتمكن من تحمل المسؤولية، بل سيمثل عبئاً على زوجته (زوجها). وهو ما يجعل أغلب الأسر ترفض تزويجي من بناتها حتى وإن قبلت الفتاة بالأمر".
يقدّر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في تونس بأكثر من 250 ألفاً من مختلف الإعاقات. كثيرون من بينهم يؤدون دوراً في المجتمع بالرغم من العوائق التي تعترضهم، وبالفعل، حقق البعض نجاحات، إذ يشقون طريقهم في مراكز التكوين (التدريب) لتعلم مهنة، ومن بعدها ينجح بعضهم في شق طريقه إلى سوق العمل.
يتفق الجميع في تونس على حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة والتعليم والعمل وغيرها، كما على دور أغلبهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية. لكن، يبقى زواج الأشخاص ذوي الإعاقة هو الأصعب، فمهما كانت النظرة إليهم مشجعة في كثير من المجالات، يتضح التمييز تجاههم في مسألة الارتباط مع ما فيه من نظرة نمطية، فمعظم الأشخاص يرفضون الارتباط بهم مهما كانت إعاقتهم، والسبب عجزهم المفترض.
محمد الساحلي (50 عاماً) شخص مكفوف لكنّه مندمج في المجتمع. عمل في عدّة مهن يدوية منذ صغره، ولم يواجه صعوبة في إتقان أيّ منها، واليوم هو تاجر لمواد غذائية. حياته الزوجية عادية، فهو أب لشابين من أصحاب الشهادات العليا. يقول إنّه بالرغم من زواجه من إحدى قريباته زواجاً تقليدياً، لم يشعر يوماً أنّ إعاقته البصرية تجعله مقصراً في حياته الأسرية. فقد كان منذ صغره قادراً على قضاء شؤونه العادية واليومية من دون الحاجة إلى أحد.
لكن، إذا كانت ظروف معينة قد وفقت محمد في النجاح في حياته خصوصاً الزوجية، ووفقت المئات من الأشخاص ذوي الإعاقة، إلا أنّ معظمهم يواجه صعوبة في تكوين أسرة. فالرفض بسبب الإعاقة غالباً ما يعرقل الأمر.
بينما تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تجد عشرات الصفحات التي خصصت لزواج الأشخاص ذوي الإعاقة، يقدم فيها الآلاف من مختلف الدول عروضاً للزواج. أحد الشبان (31 عاماً) من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية بعد تعرضه لحادث سير. يكتب معلوماته هذه على الصفحة ويعلن: "أريد زوجة تكون سنداً لي".
هناك الكثير من الإعلانات على هذه الشاكلة لأشخاص ذوي إعاقة من عدة بلدان تستخدم تعبيرات عديدة.
يقول بلال العياري (34 عاماً): "لا يرى كثيرون غرابة في الأمر، فهناك عشرات من مواقع الزواج المخصصة لجميع الناس وليست محصورة بالأشخاص ذوي الإعاقة. مع ذلك، فإنّ الأمر أصعب بكثير بالنسبة لهذه الفئة وأنا منها". يضيف العياري: "حياة الناس غالباً ما تستمر بشكل اعتيادي، فلا شيء يمكن أن يعيق هذا الاستمرار سوى بعض التعثرات البسيطة. وحتى من يفتقد المال أو أي غرض مادي لا أعتقد أنّه سيعجز عن تجاوز مشكلته والعثور على حلّ لها" مع ذلك، فإنّ الإعاقة في بلدان غير مجهزة للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة كما يجب عن طريق الدمج وتجهيز البيئة الهندسية وتيسير الوصول لهم، وتهيئة المجتمع ثقافياً، يمكن أن تعطل حياة أفراد هذه الفئة التي تشكل جزءاً مهماً من المجتمع، خصوصاً مع التمييز الذي يمكن أن يتعرضوا له والذي يصل إلى حدّ التهميش والعزل.
يتابع العياري: "هذا ما يحصل معي، فأنا من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية منذ كنت طفلاً، وربما منذ ولادتي. لم أمشِ حتى بضع خطوات، وحتى الأطباء عجزوا عن تشخيص وضعي. لكنني عشت طوال تلك السنوات من دون الشعور بالحاجة إلى أحد. أمي هي سندي وقت حاجتي وقوتي وقت عجزي، خصوصاً في سنوات صغري. تعلّمت في ما بعد ألا أحتاج إليها في كثير مما أحتاجه. علمتني أمي أن أتكل على نفسي في أداء تلك الحاجات، حتى أنّني منذ بلغت العشرين وأنا أعمل في مكتبة لبيع الكتب القديمة. ولم أشعر يوماً أنّي عاجز، أو أنني أدنى من الناس الآخرين خصوصاً من هم من خارج فئة الأشخاص ذوي الإعاقة. مع ذلك، لم تقبل بي أيّ امرأة كي أرتبط بها، بسبب إعاقتي بالذات. كيف لا، والكلّ يعتقد أنّ من هو غير قادر على المشي سيكون في حاجة إلى خدمة كبيرة في أدق شؤون حياته اليومية، فكأنّه سيكون عبئاً على الطرف الآخر".
بذلك، يعاني العياري من نظرة نمطية تحول بينه وبين إتمام هذه الشراكة التي يتمنى أن يتمكن منها يوماً ما. وليست قصته الأولى أو الأخيرة لأحد الأشخاص ذوي الإعاقة في مسألة البحث عن زوج أو زوجة، فعندما انطلقت رحلة عامر الخياري (36 عاماً) في البحث عن زوجة، كان يدرك أنّ المهمّة صعبة، وأنّ رحلة البحث ستطول، لكنّه لم يتوقع أن تستمر أكثر من أربع سنوات. والنظرة النمطية إلى الشخص ذي الإعاقة هي السبب.
كان عامر طفلاً عندما أصيب بحادث سير أدى إلى شلل في ساقيه. من جهته، تكيّف مع وضعه بمساعدة عائلته والمحيطين به، وتعلّم كيف يتدبر شؤونه الخاصة بنفسه من دون الحاجة إلى أحد. أكمل تعليمه الجامعي، ويعمل في إحدى رياض الأطفال، ويدرّس بعض تلاميذ السنوات الأولى. لم يشعر أنّ عجزه عن المشي قد يعيق أيّ مرحلة في حياته. لكنّ "غياب فهم ثقافة الاختلاف، ووجود مفاهيم خاطئة عن الإعاقات وأصحابها، وربطهم بالحاجة والنقص، أدّى إلى الفهم الخاطئ عن مدى قدرة كلّ شخص ذي إعاقة على النجاح في الحياة الأسرية كأيّ شخص آخر". يتابع الخياري مشيراً إلى النظرة النمطية في المجتمع التونسي: "الكلّ يعتقد أنّ الشخص ذا الإعاقة لن يتمكن من تحمل المسؤولية، بل سيمثل عبئاً على زوجته (زوجها). وهو ما يجعل أغلب الأسر ترفض تزويجي من بناتها حتى وإن قبلت الفتاة بالأمر".