قد يختلف الجزائريون حول أصل منشأ حلوى الزلابية وتسميتها، ويتنافسون مع جيرانهم الليبيين والتونسيين والمغاربة حول نسبها إليهم بالقول إنّهم أوّل من تلقاها عن العائلات الأندلسية النازحة بعد سقوط غرناطة في القرن الخامس عشر. لكنّهم يجمعون على أنّها الحلوى الأولى في سهراتهم الرمضانية.
إذا كانت مناطق معيّنة من الجزائر تجعل الزلابية واحدة من الحلويات الشعبية التي تملك سُلطة في شهر رمضان الفضيل، إلى جانب حلويات أخرى مثل "المقروط" و"البقلاوة" و"القطايف" و"قلب اللوز"، فإنّ ثمّة مناطق تكتفي بها وترى في خلوّ السهرات منها مظهراً من مظاهر البخل وعدم الحفاوة بالضيف. ويعرّض هذا السلوك أسرة ما إلى التهكّم والتندّر والوصف بقلّة الذوق.
يقرّ المحامي عبد السلام ش. بأنّ أطرف قضيّة تولاها في محكمة المسيلة (جنوب) كانت متعلقة بالزلابية. يخبر: "اشترى موكلي الزلابية في أوّل يوم من شهر رمضان في عام 2012، وحين طلبها من زوجته بعد صلاة التراويح، قالت له إنّها تساهلت في إخفائها فتخاطفها الأولاد خفية. فما كان منه إلا أن طلّقها تحت تأثير الغضب".
على الرغم من سهولة تحضير الزلابية وبساطة وصفتها التي لا تتطلب أكثر من سميد وزيت وسكّر، إلا أنّ نسبة قليلة من الأسر الجزائرية تعدّها في البيوت. الأغلبية تشتريها من المحلات الخاصة بها. يقول عبد القادر بلغربي إنّ "في مدينة معسكر، عادة ما نستدلّ على اقتراب شهر رمضان من خلال محلات الزلابية التي تزدهر بالمقارنة مع الشهور الأخرى من العام. الإقبال عليها في غير رمضان، مرتبط بالصدفة والمزاج الفردي". يضيف أنّ "إلى جانب المحلات الثابتة على مدار العام، فإنّ أخرى كثيرة تتخلى عن اختصاصاتها العادية وتتحوّل إلى بيع الزلابية خلال الشهر الفضيل".
اقــرأ أيضاً
وبَيع الزلابية على طاولات خاصة على الأرصفة وعند مداخل الأحياء الشعبية خلال شهر رمضان، يُعَدّ من المهن الموسمية في الشارع الجزائري. وهي تستقطب قطاعاً واسعاً من الشباب العاطلين من العمل أصلاً، أو أولئك الذين كانوا يشتغلون في مهن أخرى. والأخيرون يفضّلون التحوّل مؤقتاً إلى بيع الزلابية، لكثرة ما تدرّه عليهم في فترة وجيزة محدودة. كذلك، ينشط في ذلك طلاب جامعيون أنهوا عامهم الدراسي. يقول ياسين ف. وهو طالب جامعي يتابع دراسته في اللغة العربية وآدابها في "جامعة بودواو"، إنّه "منذ ثلاث سنوات، اتفقت مع محل لبيع الزلابية في المدينة على تزويدي بكمية منها يومياً خلال شهر رمضان، ليبيعها على الرصيف". يضيف: "أفعل ذلك بعد الإفطار لأنّ معظم المحلات المتخصصة فيها تكون قد باعت كلّ ما لديها". أما الأرباح التي يحقّقها من هذه التجارة خلال هذا الشهر، فهي "تغطّي تكاليف دراستي لعام كامل، مع ضمان كسوتي وكسوة إخوتي". ويشير إلى أنّه "لو كان بإمكاني جلب زلابية بوفاريك، كنت لأجني الضعفَين".
وتُعدّ زلابية بوفاريك، نسبة إلى مدينة بوفاريك (جنوب الجزائر العاصمة)، أكثر أنواع الزلابية شهرة في الجزائر، إذ لا تستقطب سكان المدينة فحسب، بل أيضاً أهل العاصمة والمحافظات المحيطة بها، مثل المدية وتيبازة وبومرداس والبويرة، بالإضافة إلى سالكي الطريق السريع الذي يمرّ بالقرب منها. يُذكر أنّ ازدحاماً كبيراً يُسجَّل بين العصر والمغرب في الشارع الرئيسي حيث تنتشر عشرات المحلات، وكذلك في الطرقات الرابطة بين تلك المحافظات ومدينة بوفاريك، خصوصاً طريق الجزائر العاصمة.
وكانت أسطورة زلابية بوفاريك قد انطلقت في عام 1889، على أيدي ثلاث عائلات ما زال أحفادها يحتكرون جودتها والتفوّق فيها، وهي عائلات "شبوب" و"لوكيل" و"أكسيل". ومن السائد عند هذه العائلات، أنّها تشترط على من يتقدّم لخطبة إحدى بناتها ألا يفرض عليها كشف الوصفة السحرية الخاصة بالعائلة. بالتالي، تبقى في مأمن من القرصنة والتقليد، ولا تتعرّض إلى فقدان سمعتها التي تجاوزت حدود البلاد.
في هذا السياق، يحكي الشاعر بوزيد حرز الله لـ "العربي الجديد" أنّه ومنذ ربع قرن، لا يستغني عن طقس يوميّ طيلة شهر رمضان، ألا وهو ركوب سيارته من بيته في العاصمة - على الرغم من إكراهات الزحمة - والتوجّه إلى بوفاريك لجلب الزلابية. يكمل: "يستغرق الوقت أحياناً ثلث اليوم، وقد تحتّم عليّ زحمة الطريق الوصول إلى البيت بعد الإفطار بساعة أو نصف الساعة. وذلك لأنّني لست الوحيد في هذا الشغف". ويشدّد: "لكنّني لا أستطيع أن أستوعب سهرتي الرمضانية خالية من زلابية بوفاريك".
اقــرأ أيضاً
إذا كانت مناطق معيّنة من الجزائر تجعل الزلابية واحدة من الحلويات الشعبية التي تملك سُلطة في شهر رمضان الفضيل، إلى جانب حلويات أخرى مثل "المقروط" و"البقلاوة" و"القطايف" و"قلب اللوز"، فإنّ ثمّة مناطق تكتفي بها وترى في خلوّ السهرات منها مظهراً من مظاهر البخل وعدم الحفاوة بالضيف. ويعرّض هذا السلوك أسرة ما إلى التهكّم والتندّر والوصف بقلّة الذوق.
يقرّ المحامي عبد السلام ش. بأنّ أطرف قضيّة تولاها في محكمة المسيلة (جنوب) كانت متعلقة بالزلابية. يخبر: "اشترى موكلي الزلابية في أوّل يوم من شهر رمضان في عام 2012، وحين طلبها من زوجته بعد صلاة التراويح، قالت له إنّها تساهلت في إخفائها فتخاطفها الأولاد خفية. فما كان منه إلا أن طلّقها تحت تأثير الغضب".
على الرغم من سهولة تحضير الزلابية وبساطة وصفتها التي لا تتطلب أكثر من سميد وزيت وسكّر، إلا أنّ نسبة قليلة من الأسر الجزائرية تعدّها في البيوت. الأغلبية تشتريها من المحلات الخاصة بها. يقول عبد القادر بلغربي إنّ "في مدينة معسكر، عادة ما نستدلّ على اقتراب شهر رمضان من خلال محلات الزلابية التي تزدهر بالمقارنة مع الشهور الأخرى من العام. الإقبال عليها في غير رمضان، مرتبط بالصدفة والمزاج الفردي". يضيف أنّ "إلى جانب المحلات الثابتة على مدار العام، فإنّ أخرى كثيرة تتخلى عن اختصاصاتها العادية وتتحوّل إلى بيع الزلابية خلال الشهر الفضيل".
وبَيع الزلابية على طاولات خاصة على الأرصفة وعند مداخل الأحياء الشعبية خلال شهر رمضان، يُعَدّ من المهن الموسمية في الشارع الجزائري. وهي تستقطب قطاعاً واسعاً من الشباب العاطلين من العمل أصلاً، أو أولئك الذين كانوا يشتغلون في مهن أخرى. والأخيرون يفضّلون التحوّل مؤقتاً إلى بيع الزلابية، لكثرة ما تدرّه عليهم في فترة وجيزة محدودة. كذلك، ينشط في ذلك طلاب جامعيون أنهوا عامهم الدراسي. يقول ياسين ف. وهو طالب جامعي يتابع دراسته في اللغة العربية وآدابها في "جامعة بودواو"، إنّه "منذ ثلاث سنوات، اتفقت مع محل لبيع الزلابية في المدينة على تزويدي بكمية منها يومياً خلال شهر رمضان، ليبيعها على الرصيف". يضيف: "أفعل ذلك بعد الإفطار لأنّ معظم المحلات المتخصصة فيها تكون قد باعت كلّ ما لديها". أما الأرباح التي يحقّقها من هذه التجارة خلال هذا الشهر، فهي "تغطّي تكاليف دراستي لعام كامل، مع ضمان كسوتي وكسوة إخوتي". ويشير إلى أنّه "لو كان بإمكاني جلب زلابية بوفاريك، كنت لأجني الضعفَين".
وتُعدّ زلابية بوفاريك، نسبة إلى مدينة بوفاريك (جنوب الجزائر العاصمة)، أكثر أنواع الزلابية شهرة في الجزائر، إذ لا تستقطب سكان المدينة فحسب، بل أيضاً أهل العاصمة والمحافظات المحيطة بها، مثل المدية وتيبازة وبومرداس والبويرة، بالإضافة إلى سالكي الطريق السريع الذي يمرّ بالقرب منها. يُذكر أنّ ازدحاماً كبيراً يُسجَّل بين العصر والمغرب في الشارع الرئيسي حيث تنتشر عشرات المحلات، وكذلك في الطرقات الرابطة بين تلك المحافظات ومدينة بوفاريك، خصوصاً طريق الجزائر العاصمة.
وكانت أسطورة زلابية بوفاريك قد انطلقت في عام 1889، على أيدي ثلاث عائلات ما زال أحفادها يحتكرون جودتها والتفوّق فيها، وهي عائلات "شبوب" و"لوكيل" و"أكسيل". ومن السائد عند هذه العائلات، أنّها تشترط على من يتقدّم لخطبة إحدى بناتها ألا يفرض عليها كشف الوصفة السحرية الخاصة بالعائلة. بالتالي، تبقى في مأمن من القرصنة والتقليد، ولا تتعرّض إلى فقدان سمعتها التي تجاوزت حدود البلاد.
في هذا السياق، يحكي الشاعر بوزيد حرز الله لـ "العربي الجديد" أنّه ومنذ ربع قرن، لا يستغني عن طقس يوميّ طيلة شهر رمضان، ألا وهو ركوب سيارته من بيته في العاصمة - على الرغم من إكراهات الزحمة - والتوجّه إلى بوفاريك لجلب الزلابية. يكمل: "يستغرق الوقت أحياناً ثلث اليوم، وقد تحتّم عليّ زحمة الطريق الوصول إلى البيت بعد الإفطار بساعة أو نصف الساعة. وذلك لأنّني لست الوحيد في هذا الشغف". ويشدّد: "لكنّني لا أستطيع أن أستوعب سهرتي الرمضانية خالية من زلابية بوفاريك".