زرياب فلسطين.. عاشق يداوي وتر الإحساس

10 نوفمبر 2015
عازف على العود وليس صانعاً له فقط (نور حميدان)
+ الخط -
علي حسنين، فلسطيني من مدينة نابلس يعشق العود ويعتبره رفيق زمانه، يمتهن صناعته منذ 12 عاماً، يداعبه كأنه أحد أبنائه، يمضي معه 90 يوماً وهو يداوي فيه حتى يصبح صالحاً للاستخدام، بعدها يعرضه للبيع وهو يشعر أنه يبيع جزءاً من جسده.

أمسك حسنين عوداً من داخل محله في البلدة القديمة في نابلس، وراح يعزف على أوتاره ألحان الشرق القديم، يطرب الآذان بألحان أغنيات أم كلثوم، ويجذب سمع المارة عندما يصعد صوت لحن "جانا الهوى" لعبد الحليم حافظ.

قرر حسنين أن يترك مهنة التمريض التي عمل فيها 11 عاماً، ويخصص كل وقته لصناعة العود الذي يفتخر بخلوه من أي مواد كيميائية أو صناعية، ويركز في إنتاجه على مواد عضوية كاملة، معتبرا في حديث مع "العربي الجديد" أن العود بالنسبة له هو إحساس، وبالتالي لا بد من أن يكون هذا الإحساس كامل الاتقان وتتم صناعته بتفان كبير.

يوضح حسنين أن صناعة العود الواحد تأخذ منه مدة ثلاثة أشهر، لكنه يكون سعيدا طيلة تلك المدة وهو يجهز عوداً واحداً، مشيرا إلى اعتماده المواصفات العالمية في صناعته، ويستخدم أخشابا ثمينة جدا، لضمان أطول عمر ممكن للعود وعدم تلفه بعد فترة من استخدامه.

ومن الأخشاب، التي يستخدمها وهي متفاوتة الأسعار، خشب الجوز، والورد، والسرو، وأبانوس، وسيسم، وصاج هندي، والقيقب، موضحا أن أسعار العود الواحد تتراوح ما بين 800 دولار حتى 1500 دولار تقريبا، وتختلف بحسب نوعية الخشب المستخدم. ويضيف: "أستخدم في دهان ولصق خشب العود مواد عضوية وليست كيميائية، فيتم استخدام لاصق مستخرج من عظام الأسماك، والدهان يكون من صمغ الأشجار".

وبالإضافة إلى مهنة صناعة العود، يقوم حسنين بعمل صيانة كاملة لجميع الآلات الوترية الموسيقية، معتبرا أن هذه المهنة مصدر دخله الوحيد، ورغم أنها قد تكون غير مجدية مادياً نظراً لطول الوقت الذي يقضيه، إلا أنه غير مستعد للعمل في أية مهنة أخرى.

أمسك حسنين عوداً وراح يدندن لحن أغنية فيروز "نسم علينا الهوى من مفرق الوادي.. يا هوى دخل الهوى خدني على بلادي، يا هوى يا هوى، يللي طاير بالهوى، في منتورة طاقة وصورة خدني لعندن يا هوى"، تجمع شبان وفتيات على صوت الموسيقى الرقيق، وراحوا يطلبون منه عزف المزيد وإكمال رائعة فيروز، بينما بدأ آخرون يستفسرون عن أسعار العود واسم عدد من الآلات الموسيقية الموزعة باتقان في محله الصغير في حي "حبسة دم"، داخل البلدة القديمة من مدينة نابلس.

يقول حسنين إنه لم يمتهن صناعة العود صدفة، فوالده كان شغوفا بالموسيقى وكان يمتلك عودا قديما منذ العام 1938، لكن هذا العود كان غير صالح، فأخذه إلى عدة أماكن محاولا إصلاحه لكن دون جدوى، فحاول أن يقوم هو نفسه بالمهمة، وبعد عدة محاولات نجح في إصلاحه، وأعاده إلى العمل من جديد، فأيقن في ذاته أنه يمكن أن يمتهن هذه الصناعة، وهنا كان قراره بترك مهنة التمريض والتوجه لصناعة العود.

ويقول: "قررت أن أبدأ مشوار تعلم هذه الصناعة على أن تكون كلها يدوية وباحتراف كبير، فزرت سورية ومصر والعراق وهناك تعرفت على صناعة العود عن قرب، التقيت بالكثير وتعلمت منهم، وشاركت في العديد من دورات الموسيقى حتى أكون عازفا للعود وليس صانعا له فقط". ويفتخر حسنين اليوم أنه الوحيد في نابلس "المعتمد في صناعة العود وصيانته بطريقة يدوية كاملة".

وحول سبب اختيار البلدة القديمة كمقر لعمله يوضح "زرياب فلسطين" أن الموضوع يتعلق بالأصالة والتراث، ويقول: "عندما نتحدث عن العود، فنحن نحكي قصة تراث عربي وموسيقى شرقية، وأفضل مكان لاحتضان هذا الفن هو نابلس العريقة وتحديدا بلدتها القديمة".

يضطر حسنين إلى السفر بين الحين والآخر لعدة أماكن في العالم، في سبيل الحصول على بعض الأخشاب الخاصة بصناعة العود وغير المتوفرة في فلسطين، ولا يتردد في التوجه إلى أقسى بقاع الأرض باحثا عن أخشابه المفضلة ليعود بها مجددا إلى فلسطين ويصنع عودا جديدا بلمساته الخاصة.

ويوضح حسنين أن الكثير من الأخشاب التي يحتاجها تتواجد في اليابان والفلبين وإندونيسيا، وهي أخشاب مناسبة جدا لهذه الصناعة ولا يتردد في اقتنائها.

وحول زبائنه، يوضح "زرياب فلسطين" أن أكثر الناس طلباً لعوده هم طلبة كليات الفنون الجميلة، بحيث يحرصون على اقتناء عود بمواصفات مناسبة، وفي الوقت ذاته يحمل معه الأصالة والتراث والصناعة اليدوية، بالإضافة إلى بعض الهواة الذين يحبذون اقتناء الآلات الموسيقية، لكن وبفضل جودة ما يصنع أصبح لديه أيضا زبائن من دول عربية وعالمية عدة ووصله الناس من الولايات المتحدة وبلجيكا ودول أخرى.

إقرأ أيضاً: باليه في الضفة
المساهمون