من البديهي أن المقارنة ظالمة بين دور النشر العربية والغربية نظراً للفوارق في الإمكانات وفي حجم الأسواق وغير ذلك. أيضاً، يمكن رصد هذه الفوارق على مستوى التخطيط، ففيما نجد حرصاً هناك على التأسيس لقارئ وفيٍّ، من خلال تقديم خارطة لما سينشر، يبدو هذا التخطيط – وبالتالي هذا القارئ الوفيّ – غائباً في أجندات دور النشر العربية أو شكلياً.
يمكننا أن نوسّع دائرة التساؤل أكثر، فكم قطعت صناعة الكتاب في البلاد العربية من مسافة؟ إنها تبدو وقد عجزت عن بناء تقاليدها، فلم نشهد طوال عقود تغيّرات سوى تلك التي دفعت بها سياقات عامة مثل ظهور التقنيات الإعلامية ما جعل من معظم التغيرات مظهرية، فيما ظل كل شيء قيد نفس الشبكات والمراكز والعقليات.
متابع عالم النشر عربياً يعرف بأن مصادر الطاقة في هذا المجال قليلة، فهي إما نابعة عن مؤسسات – حكومية غالباً – تجعل من الكتاب بضاعة تزويقية، أو أنها تعتمد على الطاقة الشخصية لناشر يدير مؤسّسته بعلاقاته الشخصية غالباً ورؤاه إلى أن تنضب، وفي المحصلة لا نحصد سوى ما يفرزه المشهد الثقافي بتذبذبه وتعقيداته وهشاشته.
يمارس الناشر هنا زراعة بعلية (تعتمد على الطبيعة)، وبالتالي يصعب أن يصبح التخطيط جوهرياً في عمله، مقابل زراعة أُسّست حولها قنوات ريّ وسدود وسوق، فلا يبقى على الناشر سوى رعاية الكتاب الذي يُصدره، ورعاية الكاتب أيضاً.