زجاجة فودكا لن يغنمها أيزنكوت

10 مايو 2016

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي راهنه بوتين ممازحاً (11 مايو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
منذ بداية الحملة العسكرية الجوّية الروسية في سورية، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن الروس، بوضوح، أن عملياتهم منسّقة مع إسرائيل، وغيرها من دول الجوار السوري، وحتى مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهو تنسيق تقني، بحسب الإعلان الرسمي، لتجنب حدوث تصادم في مناطق العمليات المشتركة، أو معالجة أخطاء، على شاكلة تجاوز خط الحدود الدولية.
إلا أنه، وبخلاف الإعلان الرسمي، يبدو أن التنسيق بين الروس وإسرائيل تجاوز الجانب التقني إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، فقد كشف المعلق العسكري في القناة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، أخيراً، تفاصيل جديدة عن حجم التنسيق العسكري الإسرائيلي الروسي بشأن عمليات الأخيرة في سورية. وتحدث عن الأجواء الإيجابية التي أحاطت بزيارة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أخيراً، إلى موسكو، برفقة وفد رفيع المستوى سياسي وعسكري، والتي تلقى فيها تعهداً واضحاً من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بمنح إسرائيل ومصالحها "مكانة خاصة"، مبدياً استعداداً متزايداً للعمل لصالحها، بحسب ما جاء في مقالة بن دافيد التي نُشرت نهاية أبريل/نيسان الماضي على الموقع الإلكتروني لصحيفة معاريف الإسرائيلية. ويذكر فيها أن بوتين لم يكتف بذلك، بل أبلغ زائريه الإسرائيليين بأنه "غير مستعد لإخفاء أي معلومات عن إسرائيل في كل ما يتعلق بالأوضاع في سورية"، ومازح رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، جادي أيزنكوت، قائلاً: "إذا ثبت مرة أننا نخفي عنكم معلومات، فسأعطيك زجاجة فودكا".
وقبل ذلك، تحديداً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير الحرب، موشيه يعالون، إن إسرائيل أعلمت روسيا بأنها قد تنفذ ضربات داخل سورية، وأن موسكو أقرّت بالسماح لإسرائيل باتخاذ أي إجراءاتٍ تراها ضروريةً على هذا الصعيد. وأضاف أنه "حسب الاتفاقيات التي أبرمناها مع الروس، بإمكانهم العمل تبعاً لمصالحهم، ونحن نستطيع العمل تبعاً لمصالحنا، على أن لا يزعج أي من الطرفين الآخر".
ولم يتأخر الوقت، حتى ظهرت جليّة نتائج هذا التنسيق، حيث قامت إسرائيل بعمليات قصف عدة داخل الأراضي السورية، ناهيك عن عشرات الطلعات الجوية التي اخترقت فيها طائرات حربية إسرائيلية المجال الجوي السوري، وتوغلت داخل الأراضي السورية، في وقت كانت فيه الطائرات الروسية تجوب سماء سورية، من جنوبها إلى شمالها. وبطبيعة الحال، ما كان للعمليات الجوية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية أن تتم من دون تنسيق مسبق مع الروس، يتحدّد وفقه المسار الجوي الذي ستسلكه الطائرات الإسرائيلية، ومناطق عملياتها، لتلافي احتمال الصدام الخطأ مع الطائرات الروسية العاملة في الأجواء نفسها.

وكان اغتيال القيادي العسكري في حزب الله، سمير القنطار، وعدد من رفاقه، في إحدى ضواحي دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2015، من أبرز العمليات التي نفذتها إسرائيل داخل سورية، بعد بدء العملية الروسية، والتي من الصعب استبعاد فرضية أنها سُبِقت بتنسيق روسي إسرائيلي. ذلك حتى، وإن أخذنا برواية الإعلام الموالي للنظام السوري، التي تقول إن طائرتين إسرائيليتين من طراز إف 15، أطلقتا قذائف ذكية من طراز "Spice"، من فوق الجولان المحتل، من دون أن تجتازا خط الحدود. فتلك القذائف، من إنتاج شركة رافائيل الإسرائيلية، تحملها صواريخ مجنحة طولها ثلاثة أمتار، وهي كالطائرات، تحلق في مسار جوي محدّد، ومن غير المرجح أن تنفذ إسرائيل العملية من دون إخطار الروس بأن صواريخها ستشغل مساراتٍ معينة في الأجواء السورية في التاريخ والوقت المحددين للعملية.
ولا تكتمل دلالات التنسيق الروسي الإسرائيلي في سورية من دون البحث في الأهداف السياسية البعيدة للعملية الروسية في سورية. صحيح أن روسيا أرادت إنقاذ نظام الأسد، إلا أن عمليتها جاءت كذلك إعلاناً عن حدود مصالحها في الشرق الأوسط، في ظل تغيّر توازنات القوى على الصعيد الدولي، والذي من تجلياته الانسحاب الأميركي التدريجي المنظم من المنطقة. فكما تُعلن الغواصات وكاسحات الجليد الروسية عن مصالح موسكو المتنامية في القطب الشمالي، تقوم طائرات السوخوي في أجواء سورية بالمهمة نفسها.
تدرك روسيا القادمة بقوة إلى الشرق، تماماً، أن إسرائيل هي الجائزة الكبرى في المنطقة، وبالتالي، تحرص القيادة الروسية على التعاون وتنمية صلاتها بالدولة العبرية، مفتاحاً لتثبيت وجودها، وتعزيز مصالحها الروسية في المنطقة. والحرص نفسه نجده لدى إسرائيل التي أدركت، مبكراً، أهمية بناء علاقات متينة مع مجموعة القوى الناشئة، وفي مقدمتها روسيا والصين والهند، حتى وإن كانت الولايات المتحدة لا تنظر إلى تلك العلاقات بعين الرضى. وهذا غير مستغرب، مع أن طبيعة علاقة إسرائيل بالغرب لطالما وُصِفت في الأدبيات السياسية العربية بأنها عضوية، لكنها عضوية بمعنى المصالح السياسية/ الاقتصادية في إطار المنظومة الرأسمالية العالمية، لا بالمعنى الحضاري.
ووفق هذا الفهم، يكون من الطبيعي، حين ينتقل مركز المنظومة الرأسمالية شرقاً، أو تتعدّد المراكز، وفق السيرورة التي تسارعت بعد الأزمة المالية عام 2007؛ أن تؤدي إسرائيل الدور نفسه بالنسبة للقطب/ الأقطاب الجديدة، المهيمنة على/ أو في المنظومة الرأسمالية الدولية.
إسرائيل هي بالضرورة الحليف الرئيسي في المنطقة لروسيا الرأسمالية التوسّعية التي ستعمل، بحكم هذه العلاقة، على صون مصالح إسرائيل وضمان أمنها، سواء في ترتيبات عملياتها العسكرية في سورية، أو حتى في تشكيل النظام السياسي، (أو النُظم السياسية حال التقسيم) لسورية بعد الحرب.
كان فلاديمير بوتين يعلم، حين راهن دافيد أيزنكوت، أنه لن يخسر الرهان، وعلى الأرجح سينهي الأخير خدمته في رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، من دون أن يغنم زجاجة الفودكا الروسية الفاخرة.