رُعب التواصل الافتراضي: نوع سينمائي جديد يساير اللحظة

07 مارس 2017
أسرة فيلم pulse (كيفن وينتر/ Getty)
+ الخط -
تحاول أفلام الرعب دائماً ابتكار شكل مميز كل عدة سنوات، والبحث عن أفكار ملهمة قادرة على توليد الخوف عند المشاهدين. في السبعينيات، مثلاً، كان رعب الشياطين والأرواح الشريرة. في الثمانينيات، رعب الوحوش والكوابيس. ومع التسعينيات، أصبحت أفلام القتلة المتسللين والـ"فاوند فوتيدج" هي التيمة الرائجة، وهكذا.. 

رعب بأدوات تكنولوجية حديثة
هناك محاولة لمسايرة اللحظة الزمنية وهواجسها، ونتيجة لذلك، فهناك نوع سينمائي جديد بدأ في الظهور خلال السنوات الأخيرة، مُلتصق تماماً بعالمنا اليوم، وهو نوع "رعب المواقع الاجتماعية". 

يعمل هذا النوع على فكرة "التواصل مع المجهول" الذي يتيحه بقوة تزايد المواقع الاجتماعية، يتحرك من نقطة الخطر الذي يأتي من خلال شاشة كمبيوتر. ويحاول ملامسة هاجس حقيقي عند العالم كله له علاقة بانفتاح العالم بعضه على بعض، والرعب الذي يمكن أن ينتج من ذلك. ولأن صورة تلك الأفلام، التي تتشكل الآن، تحدث غالباً على شاشة الكمبيوتر، فهي أفلام مُنخفضة الكلفة جداً، ما يتيح تزايدها وتجربة العديد من الأفكار بها، مثلما يحدث الآن.

إذا بدأنا في تتبع الأمر بشكلٍ مُبكّر، فإن الاستخدام المتزايد للإنترنت والتواصل الإلكتروني منذ نهاية التسعينيات، بدأ يؤثّر على بعض الأفلام في منتصف الألفية، فيلم Pulse مثلاً (إنتاج 2006)، تدور قصته الأساسية حول فتاة تصلها رسائل من صديقها الميت على بريدها الإلكتروني يطلب منها مساعدته. في أفلام من زمن أسبق، كان يحدث ذلك بالبريد أو بالكتابة على الجدران. ولكن في الألفية، لماذا لا تستخدم الأشباح ذاتها التكنولوجيا الحديثة؟

في عام 2008، ظهرَ فيلم رعب وإثارة آخر له علاقة بالإنترنت، وهو فيلم Untraceable، الذي يدور حول قاتل غريب الأطوار يبثُّ فيديوهات لجرائمه على موقع إلكتروني، ويعلِن أنّه كلما ازدادت الزيارات على الموقع ستزداد جرائمه، ولكن الفضول البشري يدفع الناس للدخول أكثر وكشف معلوماتهم وبياناتهم الإلكترونية أكثر، حتى مع احتمال أن يكونوا هم الضحية القادمة.

غموض الشخص المجهول
بعدها بعامين، صدر فيلم بريطاني يسمى Chatroom، يتحرك في مساحة بين الرعب النفسي ورعب الأماكن المغلقة، إذ يحول فكرة "غرف المحادثة" إلى كيان واقعي بين أشخاص لا يعرفون بعضهم البعض، قبل أن تتداخل الهواجس والرغبات والخيالات، وتبدأ جرائم قتل في الحدوث للشخصيات الموجودة داخل غرفة المحادثة. 

في الأفلام الثلاثة، لم تكن المواقع الاجتماعية قد ازدهرت بالقدر الذي نعرفه حالياً، وكانت الأفلام نتاج فترة تطورية أسبق لها علاقة عموماً بالإنترنت والمواقع وبث الفيديوهات الشخصية المصورة. ولكن بعد ذلك، وخلال الثلاثة أعوام الأخيرة، بدأ "رعب المواقع الاجتماعية" في الظهور والتبلور بشكل واضح.




الجحيم الجديد.. فيسبوك وتويتر 
أوّل الأفلام التي احتكَّت بشكل مباشر مع "رعب المواقع الاجتماعية" كان فيلم The Den الذي صدر عام 2013، بميزانية نصف مليون دولار فقط، وحقق نجاحاً مقبولاً جداً جماهيرياً ونقدياً. أحداث الفيلم تدور أغلبها على شاشة كمبيوتر، إذ تتواصل فتاة مع عشرات الأشخاص، وتكوّن صداقات معهم عبر المواقع الاجتماعية والـ"فيديو شات". وفي إحدى المرات، تفاجأ بجريمة قتل تحدث أمامها، ويخبرها القاتل المُلثّم بأن الآخرين الذين تتحدث معهم سيكونون أهدافاً أخرى له، قبل أن تكون هي نفسها هدفه النهائي. وهكذا، تجلس لتشاهد من تعرفهم يموتون الواحد تلو الآخر أمامها، دون قدرة على التدخل أو التحذير، ودون أن يصبح للصراخ معنى.

 الفيلم الثاني الذي يعتبر مؤسساً لهذا النوع هو Unfriended، الذي صدر في أميركا عام 2015، ورغم أن كلفته لم تتجاوز المليون دولار، إلا أنه حقق عائدات في شباك التذاكر بلغت 31 مليوناً. تتطور فكرة The Den هنا بشكل أكبر، وتستخدم وسائل التواصل بصورة أكثر فاعلية. يبدأ الفيلم بانتحار فتاة بعد أن قام شخص مجهول برفع فيديو مُهين لها على موقع يوتيوب. وبعد عام من انتحارها، يجتمع 6 من أصدقائها في محادثة جماعية على برنامج "سكايب"، ويفاجأون بشخص لا يعرفونه معهم في المحادثة، يسألهم: من رفع الفيديو قبل عام؟ وعندما لا يجيبون يقول لهم "أخبروني من رفع الفيديو وإلا شخص ما سيموت"، لتبدأ تجربة مرعبة في 6 نوافذ "سكايب" مفتوحة! 

نجح الفيلم بقوة، ما دفع التجربة للاستمرار في النوع السينمائي نفسه، مع فيلم جديد هو Friend Request، الذي صدر عام 2016، عن قصة "لورا" التي تقوم ذات مرة بحذف فتاة غريبة الأطوار من قائمة أصدقائها في موقع فيسبوك. ولكن الفتاة تقابلها في الجامعة، وتصرخ فيها بأنها "كانت تظن أنهما صديقتان". وبعد عدة أيام، تنتحر الفتاة، وتفاجأ "لورا" بوجود فيديو لحادثة الانتحار مرفوع باسمها على فيسبوك، قبل أن يبدأ كابوس من كيان شيطاني مجهول يهدف لقتل كل أصدقاء "لورا" وجعلها وحيدة على الموقع الاجتماعي الأشهر!

ومن جديد، يحقّق الفيلم نجاحاً وانتشاراً، وتحديداً بين جمهور من المراهقين، إذ يلامس الأمر ما يعرفونه وما يخافونه. لذلك، فعلى الأغلب سيستمر انتشار هذا النوع الجديد من أفلام الرعب وتجريب أفكار جديدة داخله، طالما ظلت مواقع الـ"سوشيال ميديا" هي الأكثر نجاحاً وزيارة من المستخدمين حول العالم، والمجهول يقع خلف الشاشة التي ننظر إليها.

دلالات
المساهمون