14 نوفمبر 2024
رُبَّ ضارّة نافعة
على الرغم مما تنطوي عليه صفقة القرن من مخاطر حقيقية، تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتعويمها في تفاهماتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ تقنيةٍ تكرس الهيمنة الإسرائيلية، وتصادر مزيدا من الحقوق الفلسطينية والعربية، إلا أن هناك وجها آخر لهذه الصفقة، لا تنبغي الاستهانة به؛ يتعلق الأمر بفرصة تاريخية أمام الفاعل الفلسطيني، لإعادة النظر في خياراته، وترتيب أولوياته وفق هذا المستجد الذي يحظى بدعم الإدارة الأميركية والنظام الرسمي العربي.
أبرز هذه الخيارات التي راهنت عليها القيادة الفلسطينية، منذ توقيع اتفاق أوسلو (1993)، إمكانيةُ التوصل إلى سلام عادل وشامل مع إسرائيل. وقد أبانت سياسات الاستيطان والتهويد والتقتيل والتهجير وتدمير البيوت، وقد انتهجتها إسرائيل طوال الأعوام المنصرمة، استحالة أن يكون الصهاينة طرفا في عملية سلام شاملة في المنطقة.
يتكشف الآن بالملموس أن القيادة الفلسطينية راهنت على حصانٍ خاسر، أولا باعتقادها أن إسرائيل، الكيان الغاصب وصاحب السجل الإجرامي الأسود، يمكن أن تكون شريكا فيما كان يسميه الزعيم الراحل ياسر عرفات ''سلام الشجعان''، وثانيا حين اعتقدت أن الوساطة الأميركية يمكن أن تكون محايدة في إشرافها على أي تسويةٍ ممكنةٍ بين الطرفين.
كان خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي، مختلفا إلى حد ما. وكشف، ربما، عن صحوةٍ متأخرةٍ بشأن الخيارات التي تبنّاها الطرف الفلسطيني منذ التوقيع على اتفاق أوسلو. صحيحٌ أن عباس لم يغلق الباب تماما أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، حين تجنب الحديث عن الانسحاب من هذا الاتفاق، وما ترتب عنه من تدابير، إلا أنه على الأقل أقرّ، ضمنيا، بوصول عملية التسوية إلى الباب المسدود، في ظل تعنت إسرائيل والانحياز الأميركي السافر لها.
تبدو الفرصة سانحة، اليوم، أمام الفلسطينيين لإعادة جدولة الأولويات الوطنية، وإنهاء الانقسام وإعادة صياغة المشروع الوطني وفق المتغيرات الإقليمية والدولية. ولعل أبرز هذه المتغيرات نجاح إسرائيل في اختراق نوعي للنظام الرسمي العربي، كان عنوانه الأحدث حضور سفراء عرب مراسيم إعلان الرئيس الأميركي صفقة القرن، ما يعني انتقال جزء هام من هذا النظام، بشكل أو بآخر، إلى دعم سياسات إسرائيل العنصرية وتبريرها.
يُضاف إلى ذلك، تحولُ القضية الفلسطينية إلى ورقة انتخابية داخل إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما يعني سحب البساط، بطريقةٍ دراماتيكيةٍ غير مسبوقة، من تحت أقدام الفاعل الفلسطيني، بتحويل هذه القضية إلى مصدر لتغذية تطلعات اليمين الإسرائيلي للفوز في انتخابات الشهر المقبل (مارس/ آذار)، وبالتالي الاستمرار في سياساته العنصرية بحق الفلسطينيين. ولا يبدو الأمر مختلفا في المشهد الأميركي في ظل التركيبة المعقدة للسياسة الداخلية. وواضح أن ترامب يسعى إلى استخلاص عائد انتخابي من تسويقه صفقة القرن في هذا التوقيت، يمكّنه من إرضاء تطلعات اللوبي الصهيوني، وضمان ولاية رئاسية ثانية.
هناك حاجة إلى برنامج سياسي فلسطيني موحد، تتوافق عليه الفصائل، بمختلف أطيافها الإيديولوجية والسياسية، في أفق إعادة الوحدة إلى الصف الوطني، وإرساء المصالحة الفلسطينية، والبحث عن بدائل نضالية بديلة، تأخذ بالاعتبار ميزان القوى الإقليمي والدولي، وما تشهده المنطقة من متغيرات منذ 2011. وهي البدائل التي يُفترض أن تنطلق من المفاتيح الكبرى لأي تسوية ممكنة للقضية الفلسطينية، والتي تتمثل في حق عودة اللاجئين، وإقامة الدولة الوطنية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
لا ينبغي أن يفاجئنا الدعم الأميركي غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، فلم تكن الإدارات الأميركية المتعاقبة، يوما، طرفا محايدا في وساطتها المزعومة، مثلما لا ينبغي أن تفاجئنا سياسات بعض الدول العربية في سعيها إلى تسويق هذه الصفقة، والمتاجرة بالحقوق الفلسطينية في كواليس السياسة الدولية.
محاولةُ استدراج الفلسطينيين إلى رخاء اقتصادي مزعوم في ظل دويلة مقطعة الأوصال، وبلا هوية وطنية، ليست إلا واحدةً من حلقات المشروع الصهيوني الذي بات تجديدُه هاجسا يقضّ مضجع النظام الرسمي العربي على ما يبدو. ولعل من شأن وقوف الفلسطينيين على هذه الحقيقة أن يدفعهم إلى إعادة النظر في مجمل خياراتهم، فربّ ضارّة نافعة.
يتكشف الآن بالملموس أن القيادة الفلسطينية راهنت على حصانٍ خاسر، أولا باعتقادها أن إسرائيل، الكيان الغاصب وصاحب السجل الإجرامي الأسود، يمكن أن تكون شريكا فيما كان يسميه الزعيم الراحل ياسر عرفات ''سلام الشجعان''، وثانيا حين اعتقدت أن الوساطة الأميركية يمكن أن تكون محايدة في إشرافها على أي تسويةٍ ممكنةٍ بين الطرفين.
كان خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في اجتماع مجلس جامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي، مختلفا إلى حد ما. وكشف، ربما، عن صحوةٍ متأخرةٍ بشأن الخيارات التي تبنّاها الطرف الفلسطيني منذ التوقيع على اتفاق أوسلو. صحيحٌ أن عباس لم يغلق الباب تماما أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، حين تجنب الحديث عن الانسحاب من هذا الاتفاق، وما ترتب عنه من تدابير، إلا أنه على الأقل أقرّ، ضمنيا، بوصول عملية التسوية إلى الباب المسدود، في ظل تعنت إسرائيل والانحياز الأميركي السافر لها.
تبدو الفرصة سانحة، اليوم، أمام الفلسطينيين لإعادة جدولة الأولويات الوطنية، وإنهاء الانقسام وإعادة صياغة المشروع الوطني وفق المتغيرات الإقليمية والدولية. ولعل أبرز هذه المتغيرات نجاح إسرائيل في اختراق نوعي للنظام الرسمي العربي، كان عنوانه الأحدث حضور سفراء عرب مراسيم إعلان الرئيس الأميركي صفقة القرن، ما يعني انتقال جزء هام من هذا النظام، بشكل أو بآخر، إلى دعم سياسات إسرائيل العنصرية وتبريرها.
يُضاف إلى ذلك، تحولُ القضية الفلسطينية إلى ورقة انتخابية داخل إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما يعني سحب البساط، بطريقةٍ دراماتيكيةٍ غير مسبوقة، من تحت أقدام الفاعل الفلسطيني، بتحويل هذه القضية إلى مصدر لتغذية تطلعات اليمين الإسرائيلي للفوز في انتخابات الشهر المقبل (مارس/ آذار)، وبالتالي الاستمرار في سياساته العنصرية بحق الفلسطينيين. ولا يبدو الأمر مختلفا في المشهد الأميركي في ظل التركيبة المعقدة للسياسة الداخلية. وواضح أن ترامب يسعى إلى استخلاص عائد انتخابي من تسويقه صفقة القرن في هذا التوقيت، يمكّنه من إرضاء تطلعات اللوبي الصهيوني، وضمان ولاية رئاسية ثانية.
هناك حاجة إلى برنامج سياسي فلسطيني موحد، تتوافق عليه الفصائل، بمختلف أطيافها الإيديولوجية والسياسية، في أفق إعادة الوحدة إلى الصف الوطني، وإرساء المصالحة الفلسطينية، والبحث عن بدائل نضالية بديلة، تأخذ بالاعتبار ميزان القوى الإقليمي والدولي، وما تشهده المنطقة من متغيرات منذ 2011. وهي البدائل التي يُفترض أن تنطلق من المفاتيح الكبرى لأي تسوية ممكنة للقضية الفلسطينية، والتي تتمثل في حق عودة اللاجئين، وإقامة الدولة الوطنية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
لا ينبغي أن يفاجئنا الدعم الأميركي غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، فلم تكن الإدارات الأميركية المتعاقبة، يوما، طرفا محايدا في وساطتها المزعومة، مثلما لا ينبغي أن تفاجئنا سياسات بعض الدول العربية في سعيها إلى تسويق هذه الصفقة، والمتاجرة بالحقوق الفلسطينية في كواليس السياسة الدولية.
محاولةُ استدراج الفلسطينيين إلى رخاء اقتصادي مزعوم في ظل دويلة مقطعة الأوصال، وبلا هوية وطنية، ليست إلا واحدةً من حلقات المشروع الصهيوني الذي بات تجديدُه هاجسا يقضّ مضجع النظام الرسمي العربي على ما يبدو. ولعل من شأن وقوف الفلسطينيين على هذه الحقيقة أن يدفعهم إلى إعادة النظر في مجمل خياراتهم، فربّ ضارّة نافعة.