أشارت رئيسة ملتقى سيدات الأعمال والمهن الأردني، ريم الضامن، إلى أن غياب مشاركة المرأة عن المشهد الاقتصادي، يعود سببه إلى السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، وفقاً لتوجهات المؤسسات المالية الدولية. وكشفت في هذا الحوار مع "العربي الجديد" كيف أثرت برامج الإصلاح والخصخصة بشكل سلبي على المشاركة الاقتصادية للنساء.
* كيف تنظرين إلى واقع المرأة الأردنية اليوم؟
لا شك أن المرأة الأردنية خطت خطوات هامة في مجالات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولم تتحقق هذه الخطوات بسهولة. وبالرغم من أهمية هذا التطور، إلا أنه لا يعتبر كافياً، وخاصة في ما يتعلق بالجانبين السياسي والاقتصادي. إذ يبلغ التمثيل النسوي في البرلمان الأردني حوالي 12.1%، أي بواقع 19 مقعداً من أصل 150 مقعداً. أما في الحكومة، فهناك ثلاث وزيرات من أصل 27 وزيراً، أي بنسبة %11. وتزداد هذه النسب في القطاع العام، حيث تصل إلى 40%. فيما يكثر التواجد النسائي في قطاع الخدمات، كالتعليم والصحة. بشكل عام، تدل المؤشرات أن المرأة الأردنية كشقيقتها العربية، ما زالت تقبع وراء الرجل في مجالي السياسة والاقتصاد. ونحن في ملتقى سيدات الأعمال والمهن نطمح إلى تمكين دور المرأة الأردنية في جميع المواقع والقطاعات، وتمكنيها من نيل حقوقها كاملة، لتلعب دوراً أكثر فاعلية في تنمية المجتمع وتطوره.
* برأيكم هل ضعف مشاركتها ينسحب أيضاً على سوق العمل وقطاع الأعمال؟
بكل تأكيد، فهناك انخفاض واضح في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة، وإذا أردنا أن نأخذ معدل مشاركتها في النشاط الاقتصادي، فسنجد بأنها تبلغ 12% فقط، وهي نسبة لم تتغيّر بشكل ملموس منذ ما يقارب 20 عاماً. وتشكل هذه النسبة في الواقع إحدى أهم العقبات التي تواجهها التنمية الاقتصادية في الأردن، لأنها تعني وجود طاقات وإمكانات مهدورة.
ونحن نعلم أن الغالبية العظمى من النساء متعلمات، وتصل نسبة من يحملن الشهادات العالية الى أكثر من 14.2%، مقابل 15.8% للذكور. لا شك بأنها نسبة عالية، لكن أين هن؟
غيابهن باعتقادي عن المشهد يعود سببه إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، وخصوصاً تلك التي اتبعت تطبيق برنامج هيكلة الاقتصاد الأردني، وإعادة بنائه وفق توجهات المؤسسات المالية الدولية التي كانت تعتمد على تحرير الاقتصاد، وتحرير التجارة الخارجية، ورفع الدعم عن السلع، وإعادة النظر بالسياسات الضريبية، إلى جانب خصخصة المؤسسات الحكومية، وغيرها من السياسات.
* نفهم من ذلك بأن برامج الإصلاح والخصخصة قد أثّرت بشكل سلبي على المشاركة الاقتصادية للنساء؟ كيف؟
نعم، وليس في الأردن وحسب، بل في الدول العربية أيضاً، لأن هذه البرامج قد أدت إلى انكماش القطاع العام، الموظِّف الرئيس للمرأة. في حين لم يتدخل القطاع الخاص لتعيين النساء، فمَن استطاعت منهن الحصول على وظيفة في القطاع الخاص، تكون وظيفتها بأجر أقل، بينما أُجبِرت الأخريات على العمل في القطاع غير الرسمي. ومع ذلك فثمة أسباب أخرى أثرت على هذه المشاركة، منها المفاهيم المجتمعية والقناعات الموروثة أيضاً.
* تحاول الاستراتيجية الوطنية رفع نسبة الناشطات اقتصادياً إلى 15% في عام 2017، ألا يؤدي ذلك إلى تحسين وضع النساء؟
آمل ذلك، لكن بقاء نسبة مشاركة المرأة على حالها مدة عشرين عاماً، كما تحدثت آنفاً، يدفعني للتساؤل، هل نحتاج إلى الفترة نفسها لنرفع النسبة 1 أو 2 أو 3%؟ بطبيعة الحال، فإن أي زيادة ولو ضئيلة خلال السنتين القادمتين ستكون جيدة بالنسبة لنا. الإرادة الملكية تطمح إلى هذا النمو، وتدرك ضرورته، وتشدد على الوصول إليه، لكن مع الأسف، عندما نصل إلى التطبيق تتوقف الحركة لدى السلطات التنفيذية، ولا أعرف لماذا.
* أليس للحكومة دور في إنجاح هذه الاستراتيجية؟
بالطبع لها الدور الأول والأخير، نحن نشكرها على هذه الاستراتيجية، ولكن لن تنجح ما لم نؤكد على مراقبة الأداء، ومتابعة الإنجاز. ومن دون مراقبة ومتابعة ستظل الاستراتيجية حبيسة الأدراج.
* ما هو دوركم كملتقى سيدات الأعمال والمهن على صعيد تمكين المرأة الأردنية في قطاع الأعمال؟
تأسس الملتقى في عام 1976، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعمل على دعم المرأة الأردنية صاحبة الأعمال والمهن في مسيرتها. لكن حتى الآن ما تزال نسبة النساء اللواتي يمتلكن شركات 5.4%، ولذلك فإننا نحاول الآن أن نستقطب الشابات الجامعيات ونهيئ لهن الأرضية المناسبة لدخول قطاع الأعمال.
الواقع يقول بأن هدف الفتيات اللواتي يتخرجن من الجامعات في المحصلة هو البحث عن عمل، ونحن نحاول أن نستبدل توجههن هذا بتوجه آخر هو التركيز على موضوع الريادة في الأعمال، ودخول قطاع الأعمال بكل ثقة. المشكلة هي أن الجامعات الأردنية لا تركز على هذه المسألة، ولا يوجد في مرحلة الدراسة الجامعية أي شيء له علاقة بالريادة في الأعمال. اليوم يدرك الملتقى أن أكبر نسبة بطالة هي بين الفتيات الجامعيات، لأنهن لا يجدن عملاً بعد تخرجهن، والقطاع العام أتخم ولا قدرة لديه على توفير أية فرصة، لذلك نعمل على تحفيز الشابات الجامعيات للانتقال من مرحلة الدراسة إلى مجال الأعمال، وتجاوز موضوع البحث عن وظيفة بعد التخرج.
كما يشجع الملتقى ويدعم استحداث كل الفرص المتاحة للمرأة الريادية كي تبدأ أو تتوسع أو تحسن مشروعها الصغير ضمن ظروف عملية ومهنية متطورة. لأن المشاريع المايكروية والصغيرة باتت المحرك الاقتصادي الأساسي للدول.
* كيف تفسرين تراجع وضع المرأة الأردنية على الصعيدين السياسي والاقتصادي وفق تقرير الفجوة الجندرية لعام 2014، في الوقت الذي ردم فيه الأردن الفجوة في مجال التعليم والصحة بين الجنسين؟
بشكل عام لدى المرأة توجهاً لدخول قطاع الخدمات أكثر من غيره، والمرأة بطبيعتها تفضّل أن تدخل هذا المجال، أي التعليم والصحة، لأن تكوينها ودورها كامرأة وزوجة وربة منزل وأم لأولاد عليها رعايتهم يتطلّب منها أن تلتحق بعمل ذي دوام محدد من أجل أن تلعب الأدوار الأخرى المطلوبة منها. هناك من اخترقن هذه القاعدة، والغالبية العظمى لا تميل إلى اختراقها، لأن المرأة في الأردن ما زالت تخضع للعادات والتقاليد، وتخضع لما يريده الأهل، وبالتالي من الصعب أن يوافق الأهل على عمل يتطلب سفراً واجتماعات ودواماً أطول. وفي ما يتعلق بالجانب السياسي، فلدينا طموح أن تتطور نسبة مشاركة المرأة في البرلمان والحكومة وفي المواقع القيادية بشكل عام، لأن مشاركتها الحالية ما زالت ضعيفة بكل تأكيد.
* يقال إن ثمة صعوبات تشكو منها سيدات الأعمال في إظهار مشاريعهن إلى حيّز التنفيذ وبعضها يتعلّق، على سبيل المثال، بعملية الإقراض المصرفي، فما رأيكم بهذا الموضوع؟
أجرينا دراسة حول التحديات التي تواجهها صاحبات الأعمال في عدة بلدان عربية من خلال بحث استقصائي، ووجدنا بأن جميع من شملتهن الدراسة أجمعن على أن التحدي الأول الذي يواجهنه هو الحصول على التمويل، بينما تأتي صعوبة التسويق في المرتبة الثانية، والثقافة والعادات في المرتبة الثالثة. وللإنصاف فإن بعض المصارف الآن، أصبحت صديقة للمرأة في قضية القروض، وبدأت باستقطاب السيدات اللواتي لديهن مشروعات ذات جدوى اقتصادية، لكن الأمر ما زال عبارة عن برامج قيد التنفيذ، ويحتاج تطبيقها إلى بعض الوقت.
* أليس من شأن التدابير الحكومية على مستوى الأردن وعلى المستوى العربي أن توفر بيئة مواتية لدخول المرأة قطاع الأعمال؟
التدابير الحكومية لا تكفي وحدها، هناك مؤسسات في الدول العربية بما فيها الأردن، ومن مسؤولية هذه المؤسسات أن تلتزم بالسياسات والاستراتيجيات التي تضعها حكوماتها. في الأردن، مثلاً، تدرك الحكومة أهمية تشجيع ودفع مشاركة المرأة إلى الأمام، لكن المؤسسات ليست بالمستوى الذي يشجع النساء لدخول قطاع العمل. مثلاً حاولت الحكومة أن تشجع المرأة المتزوجة على العمل، ففرضت على كل مؤسسة أو شركة لديها 20 إمرأة عاملة إنشاء حضانة للأطفال، وفوجئنا بأن معظم الشركات توظف فقط 19 إمرأة كي لا تلتزم بإنشاء هذه الحضانة!
فوجئنا أكثر عندما اكتشفنا بعد دراسة إحصائية أن مجالس إدارات القطاع العام الحكومي والخاص تكاد تخلو من العنصر النسائي، وهذا شيء مذهل ومخجل، أين المرأة المتعلمة صاحبة الشهادة العليا؟ لماذا لا توجد في الإدارات؟
لذلك، نحن نطالب بأن تكون هناك "كوتا" نسائية في مجالس إدارات القطاعين الحكومي والخاص، أسوة بالبرلمان، لأن المرأة الأردنية ما زالت مظلومة على هذا الصعيد. ولا أعتقد أن وضع المرأة في الدول العربية يخلو من معيقات كهذه، لأن الثقافة الذكورية والموروث الاجتماعي يهيمنان على تفكيرنا الشرقي، ويحاصران نظرتنا للمرأة في جانب وحيد، وهو الإنجاب لضمان دوام المجتمع واستمراره.
* كيف تصنّفين واقع المرأة في الأردن قياساً على واقعها في الدول العربية؟
لا أعتقد أن الوضع يختلف كثيراً، فالمرأة العربية عبارة عن شجون وتحديات، ومع ذلك لديها نقاط مضيئة. صحيح أن الدور الاقتصادي للمرأة، والذي يمكن التعرف عليه من خلال مستويات مشاركتها في سوق العمل، لم يشكل وزناً جوهرياً في الاقتصاد كالدور الذي يضطلع به الرجل، لكن ذلك لا يعني بتاتاً بأن المرأة كانت بعيدة عن المساهمة الاقتصادية في سوق العمل، بل كان لها، كما قلت سابقاً، مساهماتها في هذا السوق، وفي أنشطة هي في معظمها لمصلحة الأسرة، وربما لم تكن بالمستوى المطلوب.
المرأة اليوم هي جزء هام من مجتمعها، لا يقل أهمية عن ذلك الجزء الذي يشكله الرجل. وإضعاف حجم مشاركة المرأة في الجوانب المتعددة التي تتعلق بالمجتمع، سواء أكانت تلك الجوانب اقتصادية أو سياسية أو غيرها، باعتقادي، فإن ذلك سيترك آثاراً سلبية على مشاريع التنمية وفرص النمو الحقيقي، وتطلعاتنا كمجتمعات فتية إلى التطور والتقدم والرفاه، ذلك هو قصر الكلام.
بطاقة:
تحمل ريم الضامن شهادة الماجستير بامتياز في الكيمياء الحيوية، كما تحمل شهادة في التطوير الإداري للقيادات الإدارية والتربوية من جامعة برادفورد في بريطانيا. شغلت عدة مناصب كخبيرة في التدريب ثم رئيسة وحدة التدريب ثم مديرة عامة.
نساء يتحدين ويدخلن سوق العمل
أظهرت دراسة أجرتها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أن نسبة النساء العاملات في الأردن، بلغت حوالي 23.1%، من مجموع المشتغلين، فيما شكلت نسبة الذكور 76.9 %. وبينت الدراسة أن المرأة العاملة، تلعب دوراً مهماً في رفع مستوى نصيب الفرد من الدخل، رغم إرتفاع معدلات البطالة، وتدني نسبة مشاركتها في سوق العمل، وأن عملها يسهم بما نسبته 15.7 %من متوسط نصيب الفرد من الدخل. وأشارت الدراسة، إلى أن نسبة العاملات في المنشآت التي تستخدم خمسة أشخاص فأكثر، تصل الى نحو حوالي 90% من مجموع النساء العاملات، مقارنة مع 10% في المنشآت الصغرى، التي تستخدم أقل من هذا العدد. وفيما يتعلق بنسبة النساء العاملات حسب المستوى التعليمي، أوضحت الدراسة أن أعلى نسبة عمالة بين النساء، عند المستوى التعليمي بكالوريوس فأعلى، وبلغت 41.3 %، يليها الدبلوم المتوسط، بنسبة 22.3 %. وبينت الدراسة أن أعلى نسبة عمالة للنساء، في قطاع التعليم، وبلغت 42.7% تليها الصناعات التحويلية 16.2 %، و12.4% لنشاط الصحة والعمل الاجتماعي، أما قطاع الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، فبلغت نسبة الإناث العاملات فيه 7.15 % وهذا يظهر أن المرأة تتجه للعمل في القطاعات التي تحتاج إلى مهارة ومستويات تعليمية عليا.
إقرأ أيضاً: الإشاعات في تونس: "تكتيك" اقتصاديّ
لا شك أن المرأة الأردنية خطت خطوات هامة في مجالات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولم تتحقق هذه الخطوات بسهولة. وبالرغم من أهمية هذا التطور، إلا أنه لا يعتبر كافياً، وخاصة في ما يتعلق بالجانبين السياسي والاقتصادي. إذ يبلغ التمثيل النسوي في البرلمان الأردني حوالي 12.1%، أي بواقع 19 مقعداً من أصل 150 مقعداً. أما في الحكومة، فهناك ثلاث وزيرات من أصل 27 وزيراً، أي بنسبة %11. وتزداد هذه النسب في القطاع العام، حيث تصل إلى 40%. فيما يكثر التواجد النسائي في قطاع الخدمات، كالتعليم والصحة. بشكل عام، تدل المؤشرات أن المرأة الأردنية كشقيقتها العربية، ما زالت تقبع وراء الرجل في مجالي السياسة والاقتصاد. ونحن في ملتقى سيدات الأعمال والمهن نطمح إلى تمكين دور المرأة الأردنية في جميع المواقع والقطاعات، وتمكنيها من نيل حقوقها كاملة، لتلعب دوراً أكثر فاعلية في تنمية المجتمع وتطوره.
* برأيكم هل ضعف مشاركتها ينسحب أيضاً على سوق العمل وقطاع الأعمال؟
بكل تأكيد، فهناك انخفاض واضح في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة، وإذا أردنا أن نأخذ معدل مشاركتها في النشاط الاقتصادي، فسنجد بأنها تبلغ 12% فقط، وهي نسبة لم تتغيّر بشكل ملموس منذ ما يقارب 20 عاماً. وتشكل هذه النسبة في الواقع إحدى أهم العقبات التي تواجهها التنمية الاقتصادية في الأردن، لأنها تعني وجود طاقات وإمكانات مهدورة.
ونحن نعلم أن الغالبية العظمى من النساء متعلمات، وتصل نسبة من يحملن الشهادات العالية الى أكثر من 14.2%، مقابل 15.8% للذكور. لا شك بأنها نسبة عالية، لكن أين هن؟
غيابهن باعتقادي عن المشهد يعود سببه إلى السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الحكومات الأردنية المتعاقبة، وخصوصاً تلك التي اتبعت تطبيق برنامج هيكلة الاقتصاد الأردني، وإعادة بنائه وفق توجهات المؤسسات المالية الدولية التي كانت تعتمد على تحرير الاقتصاد، وتحرير التجارة الخارجية، ورفع الدعم عن السلع، وإعادة النظر بالسياسات الضريبية، إلى جانب خصخصة المؤسسات الحكومية، وغيرها من السياسات.
* نفهم من ذلك بأن برامج الإصلاح والخصخصة قد أثّرت بشكل سلبي على المشاركة الاقتصادية للنساء؟ كيف؟
نعم، وليس في الأردن وحسب، بل في الدول العربية أيضاً، لأن هذه البرامج قد أدت إلى انكماش القطاع العام، الموظِّف الرئيس للمرأة. في حين لم يتدخل القطاع الخاص لتعيين النساء، فمَن استطاعت منهن الحصول على وظيفة في القطاع الخاص، تكون وظيفتها بأجر أقل، بينما أُجبِرت الأخريات على العمل في القطاع غير الرسمي. ومع ذلك فثمة أسباب أخرى أثرت على هذه المشاركة، منها المفاهيم المجتمعية والقناعات الموروثة أيضاً.
* تحاول الاستراتيجية الوطنية رفع نسبة الناشطات اقتصادياً إلى 15% في عام 2017، ألا يؤدي ذلك إلى تحسين وضع النساء؟
آمل ذلك، لكن بقاء نسبة مشاركة المرأة على حالها مدة عشرين عاماً، كما تحدثت آنفاً، يدفعني للتساؤل، هل نحتاج إلى الفترة نفسها لنرفع النسبة 1 أو 2 أو 3%؟ بطبيعة الحال، فإن أي زيادة ولو ضئيلة خلال السنتين القادمتين ستكون جيدة بالنسبة لنا. الإرادة الملكية تطمح إلى هذا النمو، وتدرك ضرورته، وتشدد على الوصول إليه، لكن مع الأسف، عندما نصل إلى التطبيق تتوقف الحركة لدى السلطات التنفيذية، ولا أعرف لماذا.
* أليس للحكومة دور في إنجاح هذه الاستراتيجية؟
بالطبع لها الدور الأول والأخير، نحن نشكرها على هذه الاستراتيجية، ولكن لن تنجح ما لم نؤكد على مراقبة الأداء، ومتابعة الإنجاز. ومن دون مراقبة ومتابعة ستظل الاستراتيجية حبيسة الأدراج.
* ما هو دوركم كملتقى سيدات الأعمال والمهن على صعيد تمكين المرأة الأردنية في قطاع الأعمال؟
تأسس الملتقى في عام 1976، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعمل على دعم المرأة الأردنية صاحبة الأعمال والمهن في مسيرتها. لكن حتى الآن ما تزال نسبة النساء اللواتي يمتلكن شركات 5.4%، ولذلك فإننا نحاول الآن أن نستقطب الشابات الجامعيات ونهيئ لهن الأرضية المناسبة لدخول قطاع الأعمال.
الواقع يقول بأن هدف الفتيات اللواتي يتخرجن من الجامعات في المحصلة هو البحث عن عمل، ونحن نحاول أن نستبدل توجههن هذا بتوجه آخر هو التركيز على موضوع الريادة في الأعمال، ودخول قطاع الأعمال بكل ثقة. المشكلة هي أن الجامعات الأردنية لا تركز على هذه المسألة، ولا يوجد في مرحلة الدراسة الجامعية أي شيء له علاقة بالريادة في الأعمال. اليوم يدرك الملتقى أن أكبر نسبة بطالة هي بين الفتيات الجامعيات، لأنهن لا يجدن عملاً بعد تخرجهن، والقطاع العام أتخم ولا قدرة لديه على توفير أية فرصة، لذلك نعمل على تحفيز الشابات الجامعيات للانتقال من مرحلة الدراسة إلى مجال الأعمال، وتجاوز موضوع البحث عن وظيفة بعد التخرج.
كما يشجع الملتقى ويدعم استحداث كل الفرص المتاحة للمرأة الريادية كي تبدأ أو تتوسع أو تحسن مشروعها الصغير ضمن ظروف عملية ومهنية متطورة. لأن المشاريع المايكروية والصغيرة باتت المحرك الاقتصادي الأساسي للدول.
* كيف تفسرين تراجع وضع المرأة الأردنية على الصعيدين السياسي والاقتصادي وفق تقرير الفجوة الجندرية لعام 2014، في الوقت الذي ردم فيه الأردن الفجوة في مجال التعليم والصحة بين الجنسين؟
بشكل عام لدى المرأة توجهاً لدخول قطاع الخدمات أكثر من غيره، والمرأة بطبيعتها تفضّل أن تدخل هذا المجال، أي التعليم والصحة، لأن تكوينها ودورها كامرأة وزوجة وربة منزل وأم لأولاد عليها رعايتهم يتطلّب منها أن تلتحق بعمل ذي دوام محدد من أجل أن تلعب الأدوار الأخرى المطلوبة منها. هناك من اخترقن هذه القاعدة، والغالبية العظمى لا تميل إلى اختراقها، لأن المرأة في الأردن ما زالت تخضع للعادات والتقاليد، وتخضع لما يريده الأهل، وبالتالي من الصعب أن يوافق الأهل على عمل يتطلب سفراً واجتماعات ودواماً أطول. وفي ما يتعلق بالجانب السياسي، فلدينا طموح أن تتطور نسبة مشاركة المرأة في البرلمان والحكومة وفي المواقع القيادية بشكل عام، لأن مشاركتها الحالية ما زالت ضعيفة بكل تأكيد.
* يقال إن ثمة صعوبات تشكو منها سيدات الأعمال في إظهار مشاريعهن إلى حيّز التنفيذ وبعضها يتعلّق، على سبيل المثال، بعملية الإقراض المصرفي، فما رأيكم بهذا الموضوع؟
أجرينا دراسة حول التحديات التي تواجهها صاحبات الأعمال في عدة بلدان عربية من خلال بحث استقصائي، ووجدنا بأن جميع من شملتهن الدراسة أجمعن على أن التحدي الأول الذي يواجهنه هو الحصول على التمويل، بينما تأتي صعوبة التسويق في المرتبة الثانية، والثقافة والعادات في المرتبة الثالثة. وللإنصاف فإن بعض المصارف الآن، أصبحت صديقة للمرأة في قضية القروض، وبدأت باستقطاب السيدات اللواتي لديهن مشروعات ذات جدوى اقتصادية، لكن الأمر ما زال عبارة عن برامج قيد التنفيذ، ويحتاج تطبيقها إلى بعض الوقت.
* أليس من شأن التدابير الحكومية على مستوى الأردن وعلى المستوى العربي أن توفر بيئة مواتية لدخول المرأة قطاع الأعمال؟
التدابير الحكومية لا تكفي وحدها، هناك مؤسسات في الدول العربية بما فيها الأردن، ومن مسؤولية هذه المؤسسات أن تلتزم بالسياسات والاستراتيجيات التي تضعها حكوماتها. في الأردن، مثلاً، تدرك الحكومة أهمية تشجيع ودفع مشاركة المرأة إلى الأمام، لكن المؤسسات ليست بالمستوى الذي يشجع النساء لدخول قطاع العمل. مثلاً حاولت الحكومة أن تشجع المرأة المتزوجة على العمل، ففرضت على كل مؤسسة أو شركة لديها 20 إمرأة عاملة إنشاء حضانة للأطفال، وفوجئنا بأن معظم الشركات توظف فقط 19 إمرأة كي لا تلتزم بإنشاء هذه الحضانة!
فوجئنا أكثر عندما اكتشفنا بعد دراسة إحصائية أن مجالس إدارات القطاع العام الحكومي والخاص تكاد تخلو من العنصر النسائي، وهذا شيء مذهل ومخجل، أين المرأة المتعلمة صاحبة الشهادة العليا؟ لماذا لا توجد في الإدارات؟
لذلك، نحن نطالب بأن تكون هناك "كوتا" نسائية في مجالس إدارات القطاعين الحكومي والخاص، أسوة بالبرلمان، لأن المرأة الأردنية ما زالت مظلومة على هذا الصعيد. ولا أعتقد أن وضع المرأة في الدول العربية يخلو من معيقات كهذه، لأن الثقافة الذكورية والموروث الاجتماعي يهيمنان على تفكيرنا الشرقي، ويحاصران نظرتنا للمرأة في جانب وحيد، وهو الإنجاب لضمان دوام المجتمع واستمراره.
* كيف تصنّفين واقع المرأة في الأردن قياساً على واقعها في الدول العربية؟
لا أعتقد أن الوضع يختلف كثيراً، فالمرأة العربية عبارة عن شجون وتحديات، ومع ذلك لديها نقاط مضيئة. صحيح أن الدور الاقتصادي للمرأة، والذي يمكن التعرف عليه من خلال مستويات مشاركتها في سوق العمل، لم يشكل وزناً جوهرياً في الاقتصاد كالدور الذي يضطلع به الرجل، لكن ذلك لا يعني بتاتاً بأن المرأة كانت بعيدة عن المساهمة الاقتصادية في سوق العمل، بل كان لها، كما قلت سابقاً، مساهماتها في هذا السوق، وفي أنشطة هي في معظمها لمصلحة الأسرة، وربما لم تكن بالمستوى المطلوب.
المرأة اليوم هي جزء هام من مجتمعها، لا يقل أهمية عن ذلك الجزء الذي يشكله الرجل. وإضعاف حجم مشاركة المرأة في الجوانب المتعددة التي تتعلق بالمجتمع، سواء أكانت تلك الجوانب اقتصادية أو سياسية أو غيرها، باعتقادي، فإن ذلك سيترك آثاراً سلبية على مشاريع التنمية وفرص النمو الحقيقي، وتطلعاتنا كمجتمعات فتية إلى التطور والتقدم والرفاه، ذلك هو قصر الكلام.
بطاقة:
تحمل ريم الضامن شهادة الماجستير بامتياز في الكيمياء الحيوية، كما تحمل شهادة في التطوير الإداري للقيادات الإدارية والتربوية من جامعة برادفورد في بريطانيا. شغلت عدة مناصب كخبيرة في التدريب ثم رئيسة وحدة التدريب ثم مديرة عامة.
نساء يتحدين ويدخلن سوق العمل
أظهرت دراسة أجرتها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أن نسبة النساء العاملات في الأردن، بلغت حوالي 23.1%، من مجموع المشتغلين، فيما شكلت نسبة الذكور 76.9 %. وبينت الدراسة أن المرأة العاملة، تلعب دوراً مهماً في رفع مستوى نصيب الفرد من الدخل، رغم إرتفاع معدلات البطالة، وتدني نسبة مشاركتها في سوق العمل، وأن عملها يسهم بما نسبته 15.7 %من متوسط نصيب الفرد من الدخل. وأشارت الدراسة، إلى أن نسبة العاملات في المنشآت التي تستخدم خمسة أشخاص فأكثر، تصل الى نحو حوالي 90% من مجموع النساء العاملات، مقارنة مع 10% في المنشآت الصغرى، التي تستخدم أقل من هذا العدد. وفيما يتعلق بنسبة النساء العاملات حسب المستوى التعليمي، أوضحت الدراسة أن أعلى نسبة عمالة بين النساء، عند المستوى التعليمي بكالوريوس فأعلى، وبلغت 41.3 %، يليها الدبلوم المتوسط، بنسبة 22.3 %. وبينت الدراسة أن أعلى نسبة عمالة للنساء، في قطاع التعليم، وبلغت 42.7% تليها الصناعات التحويلية 16.2 %، و12.4% لنشاط الصحة والعمل الاجتماعي، أما قطاع الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات، فبلغت نسبة الإناث العاملات فيه 7.15 % وهذا يظهر أن المرأة تتجه للعمل في القطاعات التي تحتاج إلى مهارة ومستويات تعليمية عليا.
إقرأ أيضاً: الإشاعات في تونس: "تكتيك" اقتصاديّ