البلدة الواقعة على مسافة سبعة كيلومترات غربي مدينة جرش، ونحو 37 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان، ما زال سكانها البالغ تعدادهم تسعة آلاف نسمة، والذين تعمل غالبيتهم في الزراعة أو الأجهزة الأمنية والجيش، ينظرون إلى الشيخ الريموني باحترام يقترب من القداسة، حتى إن عدداً كبيراً ممن شاركوا في تشييع النقيب أبو زيد حرصوا، على الرغم من مشاعر الغضب والصدمة التي كانت تسيطر عليهم، على التوقف عند المقام لقراءة الفاتحة على روح الشيخ.
أحد من سكان القرية لا يعلم على وجه اليقين متى توفي الشيخ الريموني، والذي يعتبرونه ولياً من أولياء الله الصالحين، لكنهم يجمعون على أن وفاته حدثت قبل أكثر من مائة عام. رجل طاعن في السن قال: "الشيخ الريموني كان رجلاً صالحاً وتقياً، كان يعلّم الناس الدين والأخلاق الطيبة، ونحن حتى اليوم نقتدي به، ولما مات قرر الناس أن يجعلوا المقبرة قريبة من قبره حتى يجاوروه حتى بعد موته".
الريموني كان شيخاً صوفياً، عاش خلال فترة الحكم العثماني للمنطقة، وكان يشجع الطرق الصوفية المنتشرة بشكل كبير في الأردن، وخصوصاً في مناطق الشمال. تشجيع مصدره انصراف الصوفيين للعبادة وعدم اهتمامهم بالسياسة والتزامهم بطاعة ولي الأمر، كما يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية مروان شحادة. ويشير شحادة إلى العداء التاريخي الذي يحمله السلفيون للصوفيين، والذي يصل حد تبادل التكفير، ويرى في الحظوة التي ما يزال يتمتع فيها مقام الشيخ الريموني لدى سكان البلدة، حتى وإن ابتعدوا عن الطقوس الصوفية، مؤشراً على عدم وجود فكر سلفي في البلدة، وهو الفكر الذي يحارب الأضرحة والمقامات.
مؤشرات قد تبرر غضب سكان ريمون من التحليلات الأولية التي رجّحت أن يكون التطرف حافز النقيب أبو زيد في تنفيذ هجومه بالتزامن مع الذكرى السنوية العاشرة للتفجيرات التي ضربت فنادق عمّان في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي سقط فيها أكثر من 60 قتيلاً و115 جريحاً، وتبناها تنظيم "القاعدة".
اقرأ أيضاً: مقتل عسكريين أجانب برصاص شرطي أردني وترجيحات حادث فردي
سكان البلدة التي شيّع الآلاف منهم جثمان النقيب الذي وصفوه بـ"الشهيد"، لا يزالون تحت تأثير الصدمة، ولا يجدون تفسيراً منطقياً يبرر الحادثة، لكنهم حذروا حتى قبل ظهور نتائج التحقيق الرسمية في الحادثة من اعتباره "إرهابياً"، وراحوا يقنعون أنفسهم برواية تقول إن استفزازاً وتحقيراً وجّهه الأميركيون لابنهم دفعه للإقدام على فعلته، حتى إن شقيقه فادي قال بعد الانتهاء من الدفن "أنور شهيد الدفاع عن دينه"، في إشارة إلى أن الإهانة التي تعرض لها من قبل الأميركيين كانت مرتبطة بالدين. وتحت تأثير تلك الرواية أطلق المشيعون هتافات معادية للوجود الأميركي في البلاد، وتوعدوا الولايات المتحدة وإسرائيل بالموت. ويقول فادي أبو زيد: "لا يمكن لشخص كان جزءاً من مهامه في جهاز الأمن العام محاربة التطرف والمتطرفين، أن يصبح هو متطرفاً".
وكان عضو مجلس النواب السابق، عن الحركة الإسلامية سليمان أبو زيد، وهو عم منفذ الهجوم، قد رجح منذ اللحظة الأولى للحادثة أن أنور تعرض لاستفزاز وتحقير من قبل الأميركيين قرر في أعقابه إطلاق النار عليهم، مشبهاً ما حدث معه بما حدث مع الجندي الأردني أحمد الدقامسة الذي أطلق النار على مجموعة من الفتيات الإسرائيليات في عام 1997 بعد أن أقدمن على الاستهزاء به أثناء تأديته الصلاة.
وتحوّل الدقامسة، والذي ما يزال يقضي عقوبة السجن المؤبد وتعتبره الدولة مجرماً، إلى بطل شعبي يطالب مناهضو إسرائيل بشكل مستمر بإطلاق سراحه. واليوم يسعى سكان ريمون إلى تحويل النقيب أنور الذي تعتبره الدولة مجرماً، إلى شهيد شعبي، من خلال رواية الانتصار للدين، مستغلين المزاج العام الأردني المعادي للوجود الأميركي في بلادهم والمنطقة، والذي ينظر بسلبية إلى السياسيات الأميركية التي تحابي إسرائيل. ويرى الباحث شحادة أن فرضية الاستفزاز كدافع للهجوم ممكنة، لكنه يضيف: "دُفن النقيب ودفن سره معه".
أياً كان السر، فإن الحادثة سبّبت حرجاً للأردن أمام الحليف الأميركي، وأثارت الكثير من التساؤلات في حال صحة رواية الدوافع المتطرفة؛ تساؤلات حول قدرة الأفكار المتطرفة على غزو عاملين في الأجهزة الأمنية، والذين تُمثّل مقاومة التطرف جزءاً كبيراً من عملهم، وتساؤلات حول الدوافع والأسباب التي تجعل متديناً فطرياً يتشرب الأفكار المتطرفة. لكنها حادثة أثارت جدلاً كبيراً حول ربط التدين بالتطرف، وخصوصاً بعد التركيز الكبير على التزام النقيب بتأدية العبادات، وهو ما أثار مخاوف كامنة لدى المتدينين، حتى أولئك البعيدين عن السياسة.
اقرأ أيضاً: عائلة النقيب الأردني لـ"العربي الجديد": ابننا ليس متطرفاً