في عمله المسرحي الأول "قريب من هون"، يذهب صاحب "بمثل بيروت" (2004) إلى تفكيك معادلة تعدّ بشكلّ أو بآخر إحدى نتاجات قمع السلطة ذاتها التي تصدّر أزماتها عبر القتل، لكنه اختار أن يرصد حالات الانتظار لذوي المتحاربين، الذي اتّخذوا قرار الحرب بالنيابة عنهم.
عُرض العمل مؤخّراً على "مسرح المدينة" في بيروت، ولعب بطولته كلّ من الفنانة جوليا قصار برفقة لينا سحاب وساندي شمعون، وهو يأتي بعد عدة تجارب قدّمها ديب في أكثر من فيلم قصير وفيديو وتجهيز فني قبل أن يفكّر بالكتابة والإخراج على الخشبة.
يبدو ديب مسكوناً بالحرب رغم أنه لم يعشها حيث ولد في قريته قرب مدينة طرابلس، لكنه ظلّ مأخوذاً بصورتها التي انطبعت في مخيّلته منذ مشاهدته فيلم "أماني تحت قوس قزح" (1985)، من بطولة ريم بندلي والذي يصوّر تشرّد أطفال أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، حيث يعيد قراءة أرشيف تلك المرحلة في فيلم الفيديو "تحت قوس قزح" الذي أنتجه عام 2011.
ولدت فكرة "قريب من هون" منذ أن رأى إحدى الصور التي التقطها مصوّر إيطالي وتًظهر "أهل حلب يحيكون ستائر شرفاتهم ببعضها لحمايتهم من رصاص القناصة، حتى غطت الستائر مباني المدينة بأكملها"؛ حين وصل العنف في المدينة إلى أبشع تجلياته من دون دماء على الشاشة.
لكن في هذه المرّة، سيخترع مدينة متخيلة أهلها يشاركون في حروب لا تنتهي منذ آلاف السنين، والذاهبون إليها لا يعودون ولذلك يُحرمون من دفن أقاربهم، فطوّروا تقليداً خاصاً بهم حيث يقيمون طقوس العزاء للمحارب قبل توجّهه إلى القتال، كما يقول في حديثه لـ"العربي الجديد".
يشير ديب إلى أنها "تمارين للعزاء على أمل استكمالها حين يعود أبنائهم ذات يوم، ما ستكرّره أم يوسف (جوليا قصّار) مع ابنها بعد أن فقدت زوجها قبل سنين، لكنها لن تجد في الحي كلّه أحداً يشاركها الطقس بعد أن التحقوا جميعهم بالحرب فتضطر أن تطلب ذلك من القناص الموجود في الحي المجاور والذي قتل ابنتها منذ ستّ سنوات".
في الأثناء تقرأ المذيعة (لينا سحاب) أخباراً آتية من أنحاء متعدّدة من العالم العربي بصورة فيها شيء من المبالغة والتضخيم، حيث تطلب مثلاً مراجعة المستمعين "ليتعرّفوا على أشلائهم التي وجدت مع التنبيه أن فحص الـDNA سيكون مجاناً".
أما ابنة أم يوسف (ساندي شمعون) فتتحوّل إلى مغنية تردّد مقطوعات من التراث العراقي والشامي والمصري في رثاء ضحايا الحرب، ومنها "ربيتك صغيرون حسن" و"يا غزال". في كلّ هذه المشاهد لا يظهر القاتل (القنّاص) ولا الابن الذي من المتوقّع أن يُقتل في الحرب الدائرة، التي يختبر أقسى لحظاتها من دون أن يتناول تفاصيلها بشكل مباشر.