يستمر المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، نائب الرئيس السابق جو بايدن، بالتقدم في استطلاعات الرأي على الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وذلك وسط ترقب دولي لنتيجة الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لا سيما في موسكو التي ترصد الحملة الانتخابية الأميركية، بانتظار اتضاح هوية الرئيس الذي ستتعامل معه في القضايا الثنائية والدولية المُلحّة خلال السنوات الأربع المقبلة. وتتزايد التقديرات الروسية، بأن تقدم بايدن في السن سيمنعه من إكمال ولايته، في حال فوزه، وتسود التوقعات بتولي نائبته، كامالا هاريس، زمام الرئاسة خلفاً له.
تتزايد التقديرات الروسية، بأن تقدم بايدن في السن سيمنعه من إكمال ولايته، في حال فوزه
وعلى الرغم من إبداء المرشح الديمقراطي لهجة أكثر تشدداً تجاه روسيا، من الرئيس ترامب، تكشف خبرة موسكو في التعامل مع الإدارة الديمقراطية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، عن قابلية أكبر للتفاهم مع بايدن، في حال فوزه، في ما يتعلق بالحفاظ على الاتفاقات الدولية والمعاهدات العسكرية التي ينسحب منها ترامب واحدةً تلو الأخرى. ومن بين هذه الاتفاقيات، اتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني، ومعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، وكذلك اتفاقية السماوات المفتوحة، فيما تواجه معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ("ستارت - 3") مصيراً مجهولاً.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في الشأن الأميركي بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أليكسي ناوموف، أن فوز بايدن المحتمل سيعني بالنسبة إلى روسيا استقراراً بالمعنيين الإيجابي والسلبي للكلمة في آن معاً، مستبعداً احتمال تحول العلاقات إلى ودية بين البلدين، بصرف النظر عن هوية الفائز في الرئاسيات الأميركية. ويقول ناوموف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن بايدن سيلتزم بنظام منع انتشار السلاح النووي والحدّ من سباق التسلح بشكل عام، وقد نتوقع إعادة إبرام معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، كما لن يعود مصير معاهدة ستارت -3 على المحك، وسيزداد السلام العالمي صموداً من هذه الناحية". لكن من جانب آخر، بحسب ناوموف، فإنه "لا يمكننا انتظار أي اختراق في العلاقات الروسية الأميركية في ظلّ صعود بايدن على موجة معاداة ترامب، إذ سيتعين على الأول التشديد على مناهضته لروسيا، لاستعراض اختلافه عن الإدارة السابقة".
وحول تأثير احتمال فوز المرشح الديمقراطي على المشهد الدولي ومثلث العلاقات بين موسكو وواشنطن وبكين، يعتبر الخبير الروسي أنه "يمكننا أن ننتظر بحلول نهاية ولاية بايدن نوعاً من الاستقرار في العلاقات، بالتزامن مع احتدام التنافس الأميركي - الصيني، وقد يعرض الأميركيون على روسيا بناء العلاقات على قاعدة الإجماع على معاداة الصين، إلا أن الأرجح عدم موافقة موسكو على ذلك". ويخلص ناوموف إلى أن أوقاتاً هادئة ومستقرة تنتظر العلاقات الروسية الأميركية، ولكنها لن تصبح ودية، لا مع بايدن ولا مع ترامب، في ظلّ إجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري على معاداة روسيا، والطابع الأيديولوجي للمواجهة بين موسكو وواشنطن الذي يتعذر تجاوزه.
ولما كان بايدن، البالغ من العمر 77 عاماً، يواجه مشكلات صحية، زاد ذلك من اهتمام الصحافة الروسية بشخصية السيناتورة عن ولاية كاليفورنيا، كامالا هاريس، التي اختارها المرشح الديمقراطي نائبة له في حال فوزه. ووصل الأمر إلى حد التساؤلات حول ما إذا تم اختيارها كأول امرأة ستترأس الولايات المتحدة، وسط تشكيك في قدرة بايدن على استكمال ولايته.
لا تنتظر موسكو أي اختراق في العلاقات الروسية الأميركية في ظلّ صعود بايدن على موجة معاداة ترامب
وفي مقال بعنوان "بايدن يقرر الحفاظ على تقدمه على ترامب بمساعدة يسارية سوداء"، لفتت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، إلى أن اختيار هاريس يدل على توجه الحزب الديمقراطي نحو مواكبة الزمن والحفاظ على نواة ناخبيه، بدلاً من توسيعها على حساب أنصار ترامب المتأرجحين، موضحةً أن الأميركيين المصوتين لصالح بايدن "لا يمكنهم ألا يدركوا أنهم ربما ينتخبون هاريس البالغة من العمر 55 عاماً، رئيسةً".
ونقلت الصحيفة عن كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة وكندا، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير فاسيلييف، قوله إن "باراك أوباما حاول أن يفرض على بايدن حليفته سوزان رايس التي شغلت بين العامين 2013 و2017 منصب مستشارة الأمن القومي. أما بايدن، فانطلق من أن نائبته يجب أن تكون شخصية لا ترتبط في الأذهان بأوباما. هاريس هي سيناتورة جديدة انتخبت في العام 2016، ولا تمت لإدارة أوباما بصلة".
ووصفت "نيزافيسيمايا غازيتا" اختيار بايدن لهاريس، بأنه "عجيب للغاية"، كونها في آن معاً امرأة وسوداء، تعود أصول والدها إلى جامايكا ووالدتها من الهند، مذكرة بانعدام سوابق لشغل امرأة ذات بشرة سوداء منصب الرئيس أو نائب الرئيس الأميركي. ولفتت الصحيفة إلى أنه "حتى المرشحة الديمقراطية في انتخابات 2016، هيلاري كلينتون، لم تجرؤ على تحدي التقليد الراسخ بهذه الصورة الراديكالية، واختارت الأبيض، تيموثي كين، نائباً لها.
أما صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، فأبدت يقيناً أكبر في تقييم فرص هاريس في تولي زمام الرئاسة، لافتة في مقال بعنوان "بايدن يختار الرئيسة الأميركية المقبلة"، إلى أن اختيار هاريس هو "الأهم من نوعه منذ عقود طويلة"، كونه لا يتعلق بـ"الظل المبتسم والممل للرئيس"، وإنما مَن قد تترأس الدولة الأميركية قبل الانتخابات التالية بعد 4 سنوات. واعتبر المقال أن احتمال فوز بايدن لا يزال وارداً فقط نتيجة لعدم إجراء حملة انتخابية متكاملة بسبب جائحة كورونا، مشيرا إلى أن كل ما يقوم به بايدن الجالس في منزله وكأنه "مختبئ" هو تسجيل كلماته إلى الناخبين، بينما لن يصوت الناخبون لصالحه بقدر ما سيصوتون ضد ترامب.
واستشهدت "فزغلياد" بنتائج استطلاعات رأي تظهر أن نحو 60 في المائة من الأميركيين لا يثقون في قدرة بايدن على استكمال حتى ولايته الأولى، موضحة أن هاريس ستتولى مهام الرئاسة في حال وفاته أو فقدانه الأهلية، ومرجحة أنها ستكون هي المرشحة الديمقراطية في انتخابات 2024. كما لفتت الصحيفة إلى أن الكاليفورنية هاريس تلبي مطلب المرأة السوداء اسمياً فقط، كونها ليست سوداء، وإنما "ملونة"، ومن بين من يطلق عليهم "بيض في داخلهم"، وابنة مهاجرينِ لا تمت بصلة لجالية السود التي عانت طويلاً من العبودية والتمييز.