ولن تكون زيارة وزير خارجية النظام، وليد المعلّم، إلى موسكو هذا الأسبوع، بعيدة عن هذه الأجواء. وقد نسبت وكالات إعلام روسية لسفير النظام في روسيا، رياض حداد، قوله أمس السبت، إنّ المعلّم سيزور موسكو أواخر شهر أغسطس/ آب الحالي، من دون أن يدلي بتفاصيل المواضيع التي سيبحثها المعلّم مع السلطات الروسية، لكن الأكيد أنّ إدلب ستكون محورها الأساس.
وأقرّ لافروف الجمعة بأنّ الوضع في إدلب "صعب جداً"، مع حديثه عن "ضرورة تجنيب المدنيين الخطر لدى تطهير إدلب من الإرهابيين، وضرورة فصل الإرهابيين عن المعارضة المعتدلة... بالطبع يجب فعل كل شيء ليتحقق هذا الفصل، ولكي تقلّ أي مخاطر على المدنيين". لكن وزارة الدفاع الروسية خرجت السبت بتصريحٍ على لسان المتحدث باسمها، إيغور كوناشينكوف، تروّج فيه لاحتمال وقوع هجومٍ كيميائي "مُفبرك" في إدلب، و"سيصبح حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضدّ دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية".
وزعمت وزارة الدفاع الروسية أنّ "هيئة تحرير الشام" تستعد لـ"عمل استفزازي من أجل اتهام دمشق باستخدام الكيميائي ضد المدنيين في محافظة إدلب"، مدعيةً أنّ "مسلحي التنظيم قد نقلوا ثماني حاويات مليئة بالكلور إلى مدينة جسر الشغور في محافظة إدلب لتنظيم مسرحية الهجوم الكيميائي المزعوم بمشاركة الاستخبارات البريطانية"، متابعةً بالقول: "سيصبح (الهجوم) حجة جديدة لقيام الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بضربة جوية وصاروخية ضدّ دوائر الدولة والمنشآت الاقتصادية السورية". وبالعودة إلى السنوات الماضية، تحديداً منذ التدخل الروسي العسكري نهاية 2015 في سورية، يلاحَظ أن روسيا تعتمد الاستراتيجية نفسها؛ ففي كل مرة كانت ترتكب فيها مجزرة كبيرة جداً، من حلب إلى حمص ودوما وداريا، كانت موسكو تستبق المجزرة بإشاعة أجواء مفادها أن الفصائل المسلحة تنوي ارتكاب هجوم بسلاح غير تقليدي، كيميائي أو بيولوجي، وهو ما غالباً ما كان يحصل عكسه، أي أن الروس والنظام السوري هما اللذان كانا يرتكبان مجزرة بهذا السلاح "غير التقليدي".
وربط المسؤول الروسي هذه المزاعم بوصول قطع بحرية عسكرية أميركية إلى الخليج العربي، قائلاً: "لهذا الهدف وصلت إلى الخليج العربي منذ أيام عدة المدمرة الأميركية The Sullivans وعلى متنها 56 صاروخاً مجنحاً. كما وصلت إلى قاعدة العديد الجوية في قطر المقاتلة الاستراتيجية الأميركية "В-1В" وعلى متنها 24 صاروخاً مجنحاً من طراز AGM-158 JASSM".
كذلك، حذّرت الخارجية الروسية لاحقاً، أمس السبت، من إمكانية قيام الدول الغربية بتوجيه ضربة جديدة لنظام بشار الأسد. وقال نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف: "نسمع الإنذارات من واشنطن، بما فيها العلنية"، متحدثاً عن أنّ الدول الغربية لا تريد مساعدة بلاده بمسألة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم: "في الواقع، إنّ الدول الغربية لا تريد المشاركة في هذه العملية، وهذا يدلّ مرة أخرى على أن لديها أهدافاً أخرى تماماً هي زعزعة الاستقرار في سورية بأي أساليب كانت، وإيجاد حجج جديدة لطرح مسألة تغيير السلطة في دمشق. ولا يوجد هناك شيء جديد في ذلك. ونحن نستعدّ لمثل تطور الأحداث هذا، ونكشف هذه الخطط..."، مضيفاً "نحذّر الأميركيين وحلفاءهم من اتخاذ خطوات متهورة جديدة".
وفيما يُنتظر أن تُعقد قمة طهران قريباً، بين قادة تركيا وإيران وروسيا، التي ستبحث الملف السوري ومستقبل محافظة إدلب خصوصاً، تلقّى السكان المحليون في إدلب تصريحات وزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين، حول مزاعم هجومٍ كيميائي جديد في المحافظة، بكثيرٍ من القلق، إذ إنّ بعض السكان الذين حاورهم "العربي الجديد" اعتبروا ذلك "مقدمة لإمكانية وقوع هجومٍ كيميائي بالفعل، كما حدث في دوما بالغوطة الشرقية، في إبريل/ نيسان الماضي".
وقال معتز الأغا من مدينة إدلب لـ"العربي الجديد" إنّ "فهمنا لعقلية النظام والروس، وطريقة طرحهم للبروباغندا الإعلامية، يجعلنا فعلاً نخشى من وقوع هجوم كيميائي... أيام معارك الغوطة الأخيرة قالوا الأمر نفسه، ثمّ نفّذوا الهجوم فعلاً، واتهموا المعارضة أنّها قصفت نفسها".
وأضاف الشاب الثلاثيني الذي يحمل إجازة جامعية من كلية التربية بجامعة دمشق، ويعمل بمنظمة تهتم بشؤون الإغاثة في محافظة إدلب: "باتت تهديدات النظام وروسيا لإدلب تأخذ شكلاً يتجاوز الحرب النفسية... هذا تهديد باستخدام السلاح الكيميائي، وكأنهم يقولون إنّ كلّ الخيارات بالنسبة لهم ممكنة. للأسف لا أحد يردعهم، لا القانون الدولي ولا مجلس الأمن ولا حقوق إنسان".
من جهته، يرى رائد الحمصي، أحد المقيمين في إدلب، الذي ينحدر أساساً من ريف حمص الشمالي، أنّ "إدلب قد تكون مقبلة على أيام صعبة جداً، إذا لم يتم وضع حدّ للعربدة والإجرام الروسي في سورية... نحن أتينا إلى هنا من حمص، وغيرنا جاء من ريف دمشق ودرعا، لكن الآن إلى أين نذهب؟".
ويعتقد الحمصي، وهو ربّ لأسرة من خمسة أشخاص، ويعمل في صناعة الأخشاب، أنه "ما دامت نقاط المراقبة التركية موجودة في إدلب، ويتم تحصينها الآن، فإنّ ذلك يؤشّر إلى أنّ الجيش التركي باقٍ في إدلب، ولا هجوم واسعاً للنظام هناك، باستثناء أن تحدث معارك على الأطراف الجنوبية والغربية للمحافظة، قرب خان شيخون جنوباً وريف حماة الشمالي، وعند ريف اللاذقية الشمالي نحو جسر الشغور غرب المحافظة".
وتبقى مسألة "هيئة تحرير الشام" في إدلب العقدة التي يحاول الجانب التركي التعاطي معها، علماً أنها العقدة الأساسية في محادثات المسؤولين الأمنيين والعسكريين الروس والأتراك. ولكن يبدو أنّ المحاولات والمبادرات التي طُرحت، لحل "الهيئة" نفسها عن طريق المفاوضات، لم تجد تجاوباً من الأخيرة حتى الآن، مع إصرارها، كما ظهر في حديث زعيمها أبو محمد الجولاني قبل أيام، على عدم تسليم سلاحها، وتوجهها نحو الاستعداد العسكري للمرحلة المقبلة.