روسيا تتمسك بإبادة الغوطة... والأهالي يرفضون التهجير

02 مارس 2018
جنود روس على "معبر الوافدين الإنساني"(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
رفع النظام السوري وحلفاؤه، سقف التحدي للمجتمع الدولي، وواصلوا حرب الإبادة التي تشن على غوطة دمشق الشرقية التي تضم عشرات آلاف المدنيين المحاصرين منذ سنوات عدة، إذ لم تتوقّف الغارات الجوية والقذائف المدفعية التي تحصد كل يوم أرواح مدنيين، أغلبهم أطفال ونساء، في وقت تحاول فيه قوات النظام التوغّل داخل الغوطة الشرقية، في محاولة لتقطيع أوصالها. ولم يكترث النظام وحلفاؤه بالقرار الدولي الذي صدر منذ أيام، والذي طالب بإيقاف العمليات العسكرية لمدة ثلاثين يوماً، إذ استغلّ الروس ثغرات واضحة في القرار، كانوا تعمّدوا الضغط لتمريرها تحت ضغط استخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاطه، لمواصلة العمليات العسكرية، متجاهلين دعوات من المعارضة السورية لإخراج مقاتلي "جبهة النصرة" من الغوطة، لسحب ذرائع من يد النظام وحلفائه، ولكن من الواضح أن هناك توجهاً لدى الروس والإيرانيين لجعل غوطة دمشق الشرقية بلا سكان.
في موازاة ذلك، حذّر المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، مرة جديدة أمس، من "حلب ثانية"، مؤكداً أنه يصر على تنفيذ القرار 2401 الخاص بالهدنة، من قبل طرفي النزاع. وقال دي ميستورا، في مؤتمر صحافي أمس، إن الوضع في الغوطة الشرقية "أضحى يشبه الوضع شرقي حلب"، مضيفاً "الأمم المتحدة هنا في جنيف لن تتراجع عن دعواتها إلى الامتثال للقرار 2401. وسنواصل المطالبة بذلك حتى نتلقى تأكيداً من كلا الجانبين، لأن إطلاق النار يأتي من الطرفين".

وواصل النظام قصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية، أمس الخميس، بمختلف أنواع الأسلحة. وقال الناشط محمد الشامي، ومصادر من الغوطة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الطيران الحربي التابع للنظام السوري، شنّ، صباح الخميس، غارات على مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة، موقعاً سبعة قتلى من المدنيين على الأقل، تلاها قصف بالمدفعية وراجمات الصواريخ على بلدات الشيفونية، أوتايا، حمورية، بيت سوى، جسرين، الأشعري، والمرج. وأكد ناشطون مقتل عدد من المدنيين في كفربطنا وحمورية والمرج.


وألقى الطيران المروحي، الخميس، أكثر من عشرين برميلاً متفجراً على مدينة دوما ومحيطها، وعلى محيط مدينة عربين وبلدة حزة، موقعاً أضراراً مادية، وجرحى بين المدنيين. وكان اعتمد مجلس الأمن، بالإجماع، القرار 2401، السبت الماضي، والذي يطالب جميع الأطراف بوقف الأعمال العسكرية لمدة 30 يوماً على الأقل في سورية، ورفع الحصار المفروض من قبل قوات النظام عن الغوطة الشرقية، والمناطق الأخرى المأهولة بالسكان.

وفي مقابل قرار مجلس الأمن، أعلنت روسيا، مساء الإثنين، عن ما روّجت له بأنه هدنة في الغوطة الشرقية المحاصرة، لمدة خمس ساعات يومياً، أكد الصليب الأحمر أنها لا تكفي لإيصال أي قافلة مساعدات، كما أعلنت عن توفير "معبرٍ آمن" لخروج من يشاء الخروج من المدنيين، إلاّ أنّ عمليات القصف تواصلت، ولم تُسجل عمليات إجلاء. فيما تكرر روسيا يومياً لازمة أن السبب في عدم حدوث عمليات إجلاء يعود إلى قصف مسلحين للمعبر.
واعتُبرت الهدنة التي أعلنها الجانب الروسي تحدياً واضحاً للمجتمع الدولي، وتجاوزاً للقرار الأممي الذي اعتمده أعضاء مجلس الأمن بالإجماع. وحاولت موسكو التحايل على القرار، إذ سأل المندوب الروسي لدى مجلس الأمن، فاسيلي نيبنزيا، أعضاء المجلس، في جلسة إحاطة للمجلس عُقدت مساء الأربعاء، إن كانوا قد قرأوا القرار، مشيراً إلى أن القرار كان واضحاً بأن أي وقف لإطلاق النار في سورية يجب أن يسبقه اتفاق بين الأطراف المتنازعة على التهدئة، على حد قوله.

من جانبه، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، الأربعاء، إن الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية بريف دمشق "تأزم"، منذ صدور قرار مجلس الأمن 2401 السبت الماضي، متسائلاً: "متى يبدأ تطبيق قرار المجلس في الغوطة؟". وشددّ على أنه من المستحيل إيصال مساعدات إلى الغوطة الشرقية ضمن مهلة الخمس ساعات اليومية التي أعلنتها روسيا.

وبات من الواضح أن النظام وحلفاءه يريدون إخلاء الغوطة من سكانها، في تكرار لسيناريو الأحياء الشرقية في مدينة حلب، أواخر عام 2016، لذا عمدوا إلى فتح ما أسموه "معبر الوافدين الإنساني"، زاعمين أن فصائل المعارضة السورية تحول دون خروج مدنيين من هذا المعبر. وتعتبر المعارضة السورية هذا المعبر مخصصا للتهجير، نافية وجود أي رغبة لدى نحو 400 ألف مدني موجودين في الغوطة الشرقية في ترك منازلهم والنزوح إلى المجهول، حيث لا يثق عموم السوريين في النظام الذي يعمد إلى القيام بعمليات انتقامية بحق المدنيين في المناطق التي ثارت عليه.


 

ورغم تأكيد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأربعاء، أن بلاده على استعداد لدعم انسحاب مقاتلي "جبهة النصرة" من الغوطة الشرقية، إلاّ أنّ الوقائع على الأرض لا تشير إلى توجه روسي نحو "تبريد الجبهات"، والضغط على النظام من أجل إيقاف القصف الجوي الذي يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى. فقد واصلت قوات النظام استهداف المنطقة الواصلة بين مدينتي دوما وحرستا بعدة صواريخ أرض أرض، نوع "فيل"، في محاولة لفصل المدينتين عن بعضهما، في إطار استراتيجية قتال تعتمدها قوات النظام تقوم على تقطيع أوصال الغوطة الشرقية كي يسهل إخضاعها.

من جانبه، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن "قوات النظام تمكّنت من السيطرة على بلدة حوش الظواهرة وكتيبة للدفاع الجوي في منطقة المرج، في وقت تدور معارك عنيفة في محيط بلدة الشيفونية". وتستهدف البلدة، وفق المرصد، منذ أيام، بغارات كثيفة وقصف بالبراميل المتفجرة والمدفعية، تسبب في دمار معظم أحياء المدينة.

ووثّق المرصد مقتل 602 مدني، بينهم 147 طفلاً و88 امرأة، بالقصف الجوي والصاروخي والمدفعي والقصف بالبراميل المتفجرة، في غوطة دمشق الشرقية، منذ 18 شباط/فبراير الماضي، من ضمنهم 67 مدنياً، بينهم 19 طفلاً و12 امرأة، قُتلوا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي.

وتؤكّد فصائل المعارضة السورية، من جانبها، أنها تتصدى لمحاولات النظام التقدّم في الغوطة الشرقية، مشيرة إلى "مقتل العشرات من قواته". وأكد حمزة بيرقدار، الناطق باسم فصيل "جيش الإسلام"، أبرز فصائل الغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد"، أن خطط دفاع طويل الأمد "معدة من زمن، لتدارك أي سيناريو محتمل، ولإفشال كل المخططات التي يحيكها النظام وحلفاؤه"، وفق بيرقدار.

في غضون ذلك، أرسل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الخميس، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول دائمة العضوية في المجلس، احتجاجاً على عدم التزام روسيا بالقرار رقم 2401، بحسب ما أفاد الموقع الرسمي للائتلاف.

وبحسب الرسالة، اعتبرت اللجنة القانونية في الائتلاف الوطني أن "موسكو تخطف مجلس الأمن بقراراته، وتمعن في مخالفتها وفي إجرامها"، وأن "الحملة العسكرية الشرسة على الغوطة الشرقية بقيادة روسيا، لم تتوقف على الرغم من إصدار مجلس الأمن القرار رقم 2401 بتاريخ 24/2/2018، القاضي بوقف الأعمال العسكرية ورفع الحصار وإدخال المساعدات وإجلاء الجرحى، لمدة 30 يوماً على الأقل".

ولفتت الرسالة إلى أن "روسيا وبدلاً من أن تلتزم بقرار المجلس الذي صوتت عليه، والذي لم يجف الحبر الذي كُتب به بعد؛ استمرت مع نظام الأسد والمليشيات الإيرانية، في قصف مدن وبلدات الغوطة الشرقية، ما تسبب في استشهاد وإصابة العشرات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال"، مشيرةً إلى "استخدام غاز الكلور السام أيضاً بتاريخ 25/2/2018، لمرة واحدة على بلدة الشيفونية، مما نتج عنه استشهاد طفل وإصابة 18 شخصاً، بينهم أطفال ونساء ومتطوعون في الدفاع المدني".


وشددت الرسالة "على أن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن هدنة إنسانية لمدة خمس ساعات يومياً، هو إقرار وتأكيد منها على أنها هي من تقود الحملة العسكرية في الغوطة الشرقية"، مؤكدةً أن "هذه الهدنة التي تطلب من السكان الخروج عبر الممرات الآمنة، تأتي في سياق سياسة التغيير الديمغرافي التي تتبناها روسيا لصالح إيران في سورية، ولقهر سكان الغوطة ووضعهم أمام خيارين، وهما إما التهجير أو القتل".

وطالبت الرسالة "مجلس الأمن، بمواجهة روسيا، على اعتبارها طرفاً في النزاع وفرض وقف إطلاق نار شامل في سورية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة كافة، وإدخال المساعدات الإنسانية لكافة المحتاجين، وإطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتأكيد على خروج جميع المليشيات الأجنبية المدعومة من إيران وروسيا".