صعّدت روسيا من دعمها المستمرّ للنظام السوري أخيراً، ليشمل "إنشاء جسر جوي"، يمدّ من خلاله الروس النظام بشحنات تموينية وعسكرية، تصل إلى مطار حميميم في ريف اللاذقية. كما شمل الدعم العسكري الروسي للنظام أيضاً، إيفاد عشرات الاستشاريين والخبراء العسكريين، لمساعدة قواته والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه، ووقف تمدّد قوات المعارضة باتجاه الساحل السوري. أما الأبرز في مجال الدعم الروسي، فكان تقديم الروس لدعم فني للنظام من أجل التنقيب عن النفط في الساحل، ليُشكّل هذا النفط، المُتوقع وجوده بكميّات كبيرة، بديلاً عن نفط الشرق السوري، الذي خسره النظام بالكامل.
وشهد الجسر الجوي الذي دشّنته روسيا باتجاه مطار حميميم بعض العراقيل، يوم الثلاثاء، مع إعلان بلغاريا إغلاق مجالها الجوي أمام الطيران الروسي المتجه إلى سورية، قبل أن يُعلن وزير الخارجية البلغاري دانيال ميتوف، أمس الأربعاء، أن "بلغاريا ستسمح لطائرات الإمداد الروسية المتجهة إلى سورية باستخدام مجالها الجوي، إذا وافقت موسكو على تفتيش حمولتها في مطار بلغاري". كما أعلنت وكالة أنباء "إنترفاكس" الروسية، أمس، نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أن "روسيا حصلت على تصريح من اليونان وإيران، للتحليق فوق أراضيهما لنقل المساعدات إلى سورية". وذكرت وكالة "تاس" الروسية، أن "الطلب يغطي الفترة من الأول إلى 24 سبتمبر/ أيلول الحالي".
وتوجد بالإضافة إلى القاعدة الجوية التي تسعى روسيا إلى إنشائها في مطار حميميم، قاعدة بحرية روسية في ميناء طرطوس، تم إنشاؤها بموجب اتفاق بين سورية والاتحاد السوفييتي عام 1971، قبل أن تُهجَر بعد انهيار الاتحاد عام 1991. وبقي فيها مركز دعم لوجستي وتموين للسفن، تابع للبحرية الروسية، ويخدم فيه عشرات العسكريين الروس المحميين من قوات النظام.
اقرأ أيضاً مليشيات النظام السوري وإيران: الوعر مقابل الفوعة وكفريا
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر في ميناء طرطوس، أن "تحضيرات لوجستية قد بدأت في الأيام الأخيرة، لإعادة تأهيل الميناء العسكري الموجود في طرطوس، ليتمكن من استقبال سفن عسكرية ضخمة، تشمل الطرادات البحرية العسكرية وحتى حاملات الطائرات، لتنفيذ الاتفاق الموقّع بين سورية وروسيا منذ عام 2008، والذي يقضي بتأهيل القاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس وإعادة تشغيلها مجدداً". وستعني إعادة تأهيل القاعدة العسكرية البحرية الروسية في طرطوس، تمكين الوجود الروسي في البحر المتوسط، في ظلّ انتشار نحو خمسين قطعة بحرية عسكرية في القاعدة.
ولم تكتفِ روسيا بذلك، بل أرسلت عشرات الخبراء والمستشارين العسكريين إلى سورية أخيراً، للقيام بمهمة الإشراف على عمليات قوات النظام في منطقتي سهل الغاب بريف حماة الشمالي وجبال ريف اللاذقية الشمالي، مستخدمين أبراج مراقبة ومنظومات اتصال قدمتها موسكو. وتزيد هذه المساعدات العسكرية من كفاءة قوات النظام، التي أصبحت تقاتل دفاعاً عن معاقل النظام الرئيسية في الساحل، بعد خسارتها لمعظم مناطق الشمال لصالح المعارضة. وأكدت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في تصريحاتٍ صحافية أمس، أن "العسكريين الروس المتواجدين في سورية هم خبراء وليسوا مقاتلين". وقالت زاخاروفا إن "كلّ العسكريين الروس الموجودين على الأراضي السورية، هم خبراء تنحصر مهماتهم في تدريب وإعداد الكوادر العسكرية السورية، للعمل على المعدات العسكرية الآتية من روسيا".
ولم يقتصر الدعم الروسي للنظام على الجانب العسكري، فإضافة إلى استخدام روسيا لجسرها الجوي باتجاه سورية، عبر نقل كميات ضخمة من المؤن والمواد الصناعية، التي فُقدت في مناطق سيطرة النظام، أشرف خبراء روس على عمليات تنقيب واسعة عن النفط، بدأتها مؤسسات النظام، منذ بداية الصيف في مناطق قريبة من مدينة اللاذقية.
وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، عن "تواصل أعمال الحفر بشكل شبه يومي في منطقتي قنينيص والمشاحير، على أطراف مدينة اللاذقية، وتجري هذه الأعمال بمشاركة مهندسين محليين إلى جانب خبراء شركة سيوز نفتا غاز الروسية، التي تعاقدت معها الشركة السورية للنفط عام 2013، لإجراء كشوف واسعة عن النفط. وتترافق أعمال الحفر مع استمرار زيارات متكررة من وفود رسمية تابعة للنظام لموقع الحفر، للاطلاع على الإنجازات المحققة والنتائج التي تم التوصل إليها".
وتسعى روسيا من خلال كل ذلك، إلى إعادة تأهيل النظام عسكرياً واقتصادياً، ليتمكن من الاستمرار في معظم مناطق سيطرته الحالية، التي بات يُطلق عليها في أوساط النظام اسم "سورية المفيدة"، وهي المناطق التي يحتفظ النظام بالسيطرة عليها إلى اليوم، وتحوي بيئة شعبية موالية له.
ولا يمكن أن يستمر النظام في هذه المناطق من دون إعادة تأهيل قواته، التي تآكلت بشكل كبير منذ أكثر من عامين ونصف العام إلى اليوم، بفعل الخسائر المتلاحقة التي تكبّدها أمام قوات المعارضة ومسلّحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
كما عانت قوات النظام في الأشهر الأخيرة من تراجع ميداني كبير، جعلها تضطر إلى الدفاع عن الساحل، الذي اقتربت منه المواجهات، والدفاع عن محيط دمشق، الذي يتميّز بوجود جيوب ضخمة لقوات المعارضة، وكذلك الأمر في مدينة حلب التي لا يسيطر النظام إلا على أقلّ من ثلث مساحتها، وتتعرّض مناطق سيطرته فيها لهجمات مستمرة من قوات المعارضة.
كما خسر النظام الشرق السوري بكامله بعد خسارته مدينة تدمر لصالح "داعش"، بالإضافة إلى معاناته جنوباً، بعد خسارته معظم محافظتي درعا والقنيطرة، فضلاً عن نشوب الانتفاضة الشعبية التي واجهها النظام من سكان السويداء أخيراً.
اقرأ أيضاً: واشنطن: دعم روسيا للأسد يصعد الصراع