عكست زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة التركية أنقرة، مسعى لإعادة ترميم العلاقة بين البلدين، بعد الاختلافات الكثيرة في المرحلة الأخيرة إزاء الأزمات التي تمر بها المنطقة. كما شكّلت الزيارة محاولة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وهو ما عبّر عنه روحاني بعد لقائه نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بدعوته إلى ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين على مختلف الأصعدة، مشيراً إلى إمكانية تعزيز التعاون في مجال الطاقة والنفط والسياحة.
وفيما كانت القمة الإسلامية التي عُقدت في إسطنبول قد وجّهت في بيانها الختامي إدانات لإيران، لم يبدُ أن ذلك أثّر على زيارة روحاني التركية، التي التقى خلالها أردوغان ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وأكد فيها ألا خلافات بين أنقرة وطهران في ما يخص المبادئ الأساسية، قائلاً: "أنا سعيد جداً لأننا غير مختلفين في ما يخص المبادئ الأساسية. على حدود بلداننا أن تبقى ثابتة، وألا يتم تمزيق أي منها، حيث أكدنا معاً هذا الأمر. وكذلك لا بد من وقف القتل، ومكافحة الإرهاب أنى كان".
ولا تبدو هذه الزيارة غريبة بالنظر إلى تعقّد المشهد الجيوسياسي في المنطقة، وتبحث أنقرة وطهران عن طريقة لإعادة ترميم العلاقات بينهما بما يعيد التوازن إلى المنطقة، الأمر الذي بدأه داود أوغلو خلال زيارته إلى طهران الشهر الماضي. وبحسب الباحث الإيراني (من أصل آذاري) عارف كسكين، لن يكون ترميم العلاقات التركية الإيرانية بالأمر السهل، مشيراً إلى أن الربيع العربي أدى إلى اشتباك إيراني تركي غير معهود في المنطقة على عدة جبهات، مما أنهى المعادلة القديمة التي حكمت طبيعة العلاقة بين الطرفين، ممثلة بمعاهدة قصر شيرين (عام 1639) التي رسمت النفوذ بين البلدين، واضعة نفوذ إيران شرق الخط الحدودي الإيراني العراقي، وكذلك قسّمت مناطق النفوذ وصولاً إلى القوقاز.
ويقول كسكين إن "الربيع العربي سمح لتركيا بالتمدّد في عمق المنطقة العربية، فيما تحاول طهران الحد من النفوذ العسكري والسياسي والثقافي والدبلوماسي التركي في المنطقة في عدة جبهات، تبدأ من بغداد، مروراً بدمشق، ونهاية بصنعاء، لذلك لم يعد بالإمكان الاستناد إلى معادلات ما قبل الربيع العربي لفهم العلاقة بين الطرفين". كما أن التمدّد الإيراني في المنطقة دفع أنقرة والرياض إلى تجاوز كل خلافاتهما، والتحالف سوياً، الأمر الذي بدا واضحاً في القمة الإسلامية الأخيرة. أما على المقلب الآخر، اندفعت طهران إلى التعاون مع موسكو لتقديم الدعم للنظام السوري، ذلك بينما تشهد العلاقات التركية الروسية أزمة عميقة انتقلت معاركها من سورية إلى القوقاز بعد تحريك ملف ناغورني قاره باغ، فيما يسيطر تصعيد غير مسبوق على العلاقات الإيرانية السعودية، في كل من اليمن والعراق وسورية.
وفيما كانت القمة الإسلامية التي عُقدت في إسطنبول قد وجّهت في بيانها الختامي إدانات لإيران، لم يبدُ أن ذلك أثّر على زيارة روحاني التركية، التي التقى خلالها أردوغان ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وأكد فيها ألا خلافات بين أنقرة وطهران في ما يخص المبادئ الأساسية، قائلاً: "أنا سعيد جداً لأننا غير مختلفين في ما يخص المبادئ الأساسية. على حدود بلداننا أن تبقى ثابتة، وألا يتم تمزيق أي منها، حيث أكدنا معاً هذا الأمر. وكذلك لا بد من وقف القتل، ومكافحة الإرهاب أنى كان".
ويقول كسكين إن "الربيع العربي سمح لتركيا بالتمدّد في عمق المنطقة العربية، فيما تحاول طهران الحد من النفوذ العسكري والسياسي والثقافي والدبلوماسي التركي في المنطقة في عدة جبهات، تبدأ من بغداد، مروراً بدمشق، ونهاية بصنعاء، لذلك لم يعد بالإمكان الاستناد إلى معادلات ما قبل الربيع العربي لفهم العلاقة بين الطرفين". كما أن التمدّد الإيراني في المنطقة دفع أنقرة والرياض إلى تجاوز كل خلافاتهما، والتحالف سوياً، الأمر الذي بدا واضحاً في القمة الإسلامية الأخيرة. أما على المقلب الآخر، اندفعت طهران إلى التعاون مع موسكو لتقديم الدعم للنظام السوري، ذلك بينما تشهد العلاقات التركية الروسية أزمة عميقة انتقلت معاركها من سورية إلى القوقاز بعد تحريك ملف ناغورني قاره باغ، فيما يسيطر تصعيد غير مسبوق على العلاقات الإيرانية السعودية، في كل من اليمن والعراق وسورية.
وبعدما كانت سورية توصف بأنها "محمية إيرانية"، يبدو حليف إيران الأهم في المنطقة، أي النظام السوري، في وضع سيئ، ولم يعد يسيطر إلا على أقل نصف الأراضي السورية. وفي العراق الذي كان كله بيد إيران، باستثناء المناطق التابعة للحزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، تضعضعت سلطة إيران ولم تنفع محاولاتها لإبقاء سيطرة حلفائها عبر "الحشد الشعبي"، إذ تدخّلت واشنطن لدعم العرب السنّة لتكوين قوة قتالية لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بينما مدّت أنقرة نفوذها في الموصل وبين العشائر السنّية العربية. ومع ذلك، هنالك العديد من الملفات التي يمكن البناء عليها للوصول إلى معادلة إيرانية تركية جديدة، ويأتي على رأسها ملف حزب "العمال الكردستاني" وجناحه السوري حزب "الاتحاد الديمقراطي"، إذ إن تدخّل موسكو في سورية سحب الكثير من الأوراق السورية من يد إيران، لتتحوّل ورقة "العمال الكردستاني"، التي لعبتها طهران في سورية لمواجهة أنقرة، إلى مصدر قلق للأتراك والإيرانيين معاً، وذلك مع احتمال قيام إقليم كردي آخر في المنطقة يغذي الطموحات الانفصالية الكردية في البلدين، خصوصاً بعد أن قامت موسكو باستخدام الورقة الكردية في أزمتها الأخيرة مع تركيا.
أما الملف الثاني فهو الأزمة السعودية الإيرانية والأزمة التركية الروسية، وترى طهران في الإدارة التركية مفتاحاً لتخفيف التوتر المذهبي في المنطقة وتهدئة العلاقات مع الرياض، بينما ترى أنقرة في طهران أيضاً قناة لتخفيف التوتر مع موسكو، خصوصاً أن الطرفين يشعران بالقلق من النفوذ الروسي في سورية. وفي هذا السياق يقول كسكين: "علينا ألا ننسى أن روحاني وتيار الإصلاحيين يمثّل شرائح واسعة من شباب الثورة الخضراء التي اندلعت عام 2009 في إيران، والتي كانت إحدى أهم هتافاتها الموت لروسيا، إذ تبقى روسيا عدواً تاريخياً لكل من إيران وتركيا ومنافساً لن يتم السكوت عن محاولته مد نفوذه بما يعتبره هذان البلدان مجالهما الحيوي في الشرق الأوسط".
ولا يغيب الملف الاقتصادي عن العلاقات بين البلدين، وبينما تبحث تركيا عن حصتها في الاقتصاد الإيراني، تبدو إدارة روحاني بحاجة إلى مساعدة تركية لتطوير الاقتصاد الإيراني، خصوصاً أن فك العقوبات الدولية على طهران لم ينعكس بعد بشكل حقيقي على الاقتصاد وحياة الإيرانيين، ذلك بينما يحاول "الإصلاحيون" في إيران الحفاظ على السلطة بترشيح روحاني مرة أخرى للرئاسة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 2017.