لم تتوقف مطالبات أوساط ثقافية خلال الأعوام الأخيرة بترجمة أعمال الكاتب الجزائري مولود معمري (1917 – 1989) إلى اللغة الأمازيغية، وهو الذي اعتبر أحد أبرز الباحثين في تراث الأمازيغ وتعبيرات الفنية والجمالية، وبثّ الحياة فيها من جديد بنقلها من الشفاهية إلى تدوينها وحفظها، ويكاد لا يخلو بحث في هذا السياق من ذكْر جهد بحثي أو تنظير له.
أخيراً، أعلنت "المحافظة السامية للأمازيغية" في الجزائر العاصمة ترجمة ثلاثة أعمال لصاحب "الربوة المنسية" عن "الدار العثمانية" ضمن احتفالية مئوية مولده التي انطلقت العام الماضي، والتي ستوّفرها لدى جميع منافذ توزيعها قريباً.
اشتملت الأعمال المختارة على "نوم العادل" (تقوني نوين ايغزان) و"الوليمة" (اذراو) و"العبور" (تازقراوث) التي قام بترجمتها على التوالي كل من جمال لعصب وحبيب الله منصوري ومحند أعرب آيت قاسي.
في روايته "نوم العادل"، يقارب معمري من خلال بطله أرزقي الفارق بين التّحديث الذي يجعل المجتمع يتحرّك من ذاته، ويجعل هذا التحرّك وسيلة لتغيير وعي الأفراد وإدراكهم لوجودهم، وبيّن تبلور فكرة الحداثة كأيديولوجيا تم تعليمها مثلما حصل لأرزقي الذي بات يرى أن الحداثة ضرورة حياتية نابعة من الداخل، ولذلك يصبح من العبث الدفاع عن الأيديولوجيا.
أما مسرحية "الوليمة" فهي تشكّل أحد ثلاثيته المسرحية التي يحمل الجزءان الآخران عنواني "الريح الحارة أو الإثبات بتسعة" و"موت الأزتيك"، والتي يعود من خلالها إلى قراءة الثقافة الأمازيغية خلال قرون مضت، وما طرأ عليها من تغيّرات خلال حقب مختلفة آخرها الاستعمار الفرنسي.
يذهب في روايته "العبور"، وهي آخر ما صدر له في الرواية، إلى طرح نموذج لأحد الصحافيين الذين ناضلوا من أجل الحرية سنوات طويلة، ليتواجهوا في ما بعد مع خيباتهم تجاه ما يحدث في المجتمع، فيطرح تساؤلاته حول ماضيه من خلال تأملات ومراجعات عميقة، ومذا يعني له الاستمرار في الحياة.
يُذكر أن معمري كان أول رئيس لـ"اتحاد الكتاب الجزائريين" عام 1963 وخرج منه بعد خلاف مع السلطة ورؤيتها حول الثقافة. صدر له العديد من المؤلّفات البحثية والمسرحية والروائية؛ من بينها: "تاجرومث ن تمازيغث" (قواعد اللغة الأمازيغية)، و"قال الشيخ محند" (في التراث المحكي القبائلي).