رواتب المعوّقين تُسرَق في أفغانستان

29 مايو 2016
الدراجات لا تصل إلى مستحقيها (عارف كريمي/ فرانس برس)
+ الخط -
خلّفت الحروب الدامية التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود في أفغانستان، عشرات آلاف الأشخاص المعوّقين، معظمهم يعيش اليوم في حالة مزرية. أبرز أسباب ذلك عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة والمجتمع الدولي كما يجب من جهة، والفساد المالي والإداري الذي طاول معظم نواحي الحكومة ومنها إدارة المعوقين من جهة ثانية.
ثمّة تقارير تشير إلى أنّ رواتب آلاف المعوّقين تُصرف إلى جيوب المسؤولين في الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية. كذلك، من غير الممكن توظيف المعوّقين في الإدارات المعنية بهم إلا بعد دفع الرشاوى.

على الرغم من أنّ الحكومة الأفغانية جلبت خلال الأعوام الماضية مبالغ ضخمة من المجتمع الدولي من أجل مساعدة الأشخاص المعوّقين وترتيب برامج تساعدهم في حياتهم اليومية، إلّا أنّ هؤلاء ما زالوا يحتاجون إلى أبسط الاحتياجات. من ذلك الدراجة الخاصة التي وصل منها إلى الإدارة المعنية في السنوات السابقة عدد لا يُحصى. لكنّ مصيرها كان بعد ذلك، البيع في الأسواق، بدلاً من منحها إلى مستحقّيها من الأشخاص المعوّقين حركياً.
تشير مؤسسة "باز" الخيرية التي تعمل في مجال حقوق الأشخاص المعوّقين، إلى أنّ أعداداً كبيرة منهم في حاجة إلى تلك الدراجات. كذلك هم في حاجة إلى كثير من الضرورات الحياتية، خصوصاً أنّ معظمهم من أصحاب الأسر. بالنسبة إلى المؤسسة، المؤسف هو أنّ أحداً لا يفكّر في الأشخاص المعوّقين ولا يسعى إلى تغيير أوضاعهم.

في هذا الإطار، يقول نائب رئيس المؤسسة حمد الله أرباب: "وزّعنا مئات الدراجات على الأشخاص المعوّقين. ونظراً لما تواجهه المؤسسة من ظروف مالية صعبة، فإنّها غير قادرة على تقديم مساعدات أكثر، وذلك في ظل احتياج كثيرين إلى الدراجات وغيرها من الاحتياجات". كذلك يوضح أنّ عامة المواطنين وأثرياء البلاد والتجار لم يوفّروا جهداً في مساعدة هؤلاء من خلال برامج المؤسسة نفسها. ويشير إلى أنّ كلّ ما تقدّمه المؤسسة من أعمال خيرية للمعوّقين هو بفضل مساعدة الأهالي.
أمّا الحكومة، فقد جلبت خلال أكثر من عقد أموالاً طائلة من أجل مساعدة المعوّقين، إلّا أنّ الفساد المستشري لم يسمح بتحسّن حالة هؤلاء بل تدهورت أكثر، خصوصاً مع ازدياد أعدادهم عاماً بعد عام.

يقول الموظف السابق في إدارة الأشخاص المعوّقين في مدينة جلال آباد (شرق)، سيد سرور، إنّ المسؤولين في تلك الإدارة غارقون في الفساد. يتابع أنّهم ينهبون كلّ ما يقدمه المجتمع الدولي إلى الإدارة بهدف مساعدة المعوّقين، بدءاً من الرواتب الشهرية ومروراً بمساعدات مستلزمات الحياة الأولية، وانتهاء بالدراجات الخاصة. يضيف سرور أنّ الدراجات الخاصة تباع اليوم في الأسواق، مع أنّها مخصصة مجاناً للمعوّقين. ويؤكد أنّ كبار المسؤولين ضالعون في بيعها، مشيراً إلى أنّ توظيف المعوّقين في الإدارة غير ممكن إلاّ بعد دفع الرشاوى للمسؤولين أو لمن لديه قرابة معهم.
يشدّد سرور على أنّ قضية الأشخاص المعوّقين هي قضية آلاف الأسر وآلاف الأطفال، فمعظمهم لديه أبناء، ولا يمكن له أن يمارس أيّ عمل في ظلّ غياب الحكومة عن مساعدته: "بل إنّها لا تقف في وجه من يأكل أموال المعوّقين ومساعداتهم التي يمنحها لهم المجتمع الدولي".



شاه ضمير شاب فقد رجله اليمنى نتيجة انفجار استهدف سيارة مدنية في مديرية خوجياني في إقليم ننجرهار (شرق) قبل أربعة أعوام. لم يتمكن الثلاثيني من الحصول على بطاقة المعوّقين التي يُصرف بموجبها الراتب الشهري وغيره من المساعدات. يؤكد أنّه طرق كل الأبواب وناشد كلّ مسؤول، لكن بلا طائل. لا أحد يهتم بقضيته وقضية آلاف آخرين مثله.

يشار إلى أنّ من بين الأشخاص المعوّقين مئات ممن فقدوا أيديهم وأرجلهم خلال أعمالهم في المؤسسات العسكرية على مدى الأعوام الثلاثة عشر الماضية، لكنّ معاناتهم لا تقل في أيّ حال عن معاناة باقي الأشخاص المعوّقين. هم يتقاسمون الشقاء معاً، كما يؤكّد فضل واحد، وهو جندي سابق في الجيش الأفغاني فقد يده ورجله في معارك مع طالبان في إقليم هلمند (جنوب). يحصل الشاب على راتبه الشهري، لكنّه غير كاف لاحتياجات حياته. والده ووالدته مريضان ولديه خمسة أولاد، كلهم يحتاجون إلى الاهتمام. هو عاجز عن إرسال أولاده إلى المدرسة، كذلك فإنّ الراتب ينقطع عنه في بعض الشهور، فيما يقتطع المسؤولون في الحكومة المحلية جزءاً منه.
زار واحد العاصمة الأفغانية كابول مرّتين ليطلب من المسؤولين في الداخلية قبوله في وظيفة في إحدى الدوائر الخاصة. هو خريج ثانوية يكتب ويقرأ. لكن أحداً لم يهتم به.

على صعيد الفساد، أثبتت إحصائيّة أخيرة أجرتها وزارة العمل أنّ ثمة 50 ألف شخص معوّق وهمي. وقد أُصدرت لجميع هؤلاء بطاقات إعاقة، فيما تُصرف الرواتب إلى جيوب المسؤولين في الحكومات المحلية والحكومة المركزية. الإحصائيّة التي أجريت في 34 إقليماً تثبت أنّ ثمة آلاف الأشخاص المعوّقين الذين مُنحوا بطاقتين بعدما دفعوا رشاوى، وهم يحصلون على راتبَين، في حين أنّ هناك آخرين ليس لهم بطاقة.