رهان ماكرون السياسي في لبنان محفوف بالمخاطر

29 اغسطس 2020
سار ماكرون محاطاً بلبنانيين رحّبوا به، وطالب على مسامعهم بإجراء إصلاحات عاجلة (فرانس برس)
+ الخط -

يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت الاثنين، لتقييم خيار بدا منذ البداية محفوفاً بالمخاطر، إذ إنه يراهن على تغيير سياسي جذري في لبنان بعد انفجار المرفأ المروّع، في ظل إجماع على تصلب النظام اللبناني وعمق الأزمة.

وتستمر الزيارة يومين وتتخللها لقاءات سياسية، وهي الثانية لماكرون بعد زيارة أولى في السادس من أغسطس/آب تصدّرت اهتمام وسائل الإعلام، لا سيما بعد أن سار الرئيس الفرنسي في شارع منكوب محاطاً بلبنانيين رحّبوا به، وطالب على مسامعهم المسؤولين اللبنانيين بإقرار "ميثاق سياسي جديد" وإجراء إصلاحات عاجلة. ووعد ماكرون، خلال زيارته تلك، بالعودة مطلع سبتمبر/أيلول لتقييم التقدّم الذي تمّ إحرازه. ولم يكن اختياره هذا الموعد من باب الصدفة، إذ يتزامن مع إحياء الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير خلال فترة الانتداب الفرنسي.

ورغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع، لا يزال لبنان يلملم جراحه جراء الانفجار الذي أوقع 188 قتيلاً، وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 آخرين، وألحق أضراراً جسيمة بعدد من أحياء العاصمة. إلا أن المشهد السياسي لم يتبدّل ولم يدفع أياً من القوى السياسية إلى تقديم تنازلات أو إلى التنحي، وهو ما يطالب به عدد كبير من اللبنانيين الغاضبين، الذين يحملون الطبقة السياسية مجتمعة مسؤولية الانفجار بسبب فسادها واستهتارها. ولعلّ المتغير الوحيد هو تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون صباح الاثنين موعداً للاستشارات الملزمة التي سيجريها مع الكتل النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد، في خطوة قال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إن الدعوة إليها جاءت "حياء" قبل ساعات من وصول ماكرون.

تتزامن الزيارة مع إحياء الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير خلال فترة الانتداب الفرنسي

ويقول مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في بيروت جوزف باحوط، لوكالة فرانس برس، "سيعود ليرى أنه لم يتم إحراز أي تقدم"، واصفاً المسعى الفرنسي بـ"المجازفة السياسية لأنه تعهّد بمتابعة المسألة، وهذا تعهّد باسم فرنسا". ولم يصدر عن السلطة السياسية أو عن أعضاء المجلس النيابي ما يوحي أن السياسيين سيبدؤون ورشة لإصلاحات سياسية قال ماكرون إن "لا مساعدات مالية دولية" من دونها.

لا إصلاح
وحدّدت الرئاسة الفرنسية، الجمعة، هدف الزيارة بـ"ممارسة الضغط حتى تتوفّر الشروط لتشكيل حكومة بمهمة محددة قادرة على الاضطلاع بإعادة الإعمار والإصلاح"، مع ضمان أن يلتزم المجتمع الدولي بدعم لبنان الذي يشهد أسوأ أزماته الاقتصادية.
ولم تظهر حتى الآن أي بوادر توافق على اسم رئيس الوزراء المقبل، جراء التباين في وجهات النظر بين القوى السياسية الرئيسية، التي تبدو كأنها قد صمّت آذانها عن سماع صوت اللبنانيين المحبطين، الذين يصرّون على محاسبة الطبقة السياسية كاملة، ويرفضون عودة أي من رموزها إلى السلطة.

لم تظهر حتى الآن أي بوادر توافق على اسم رئيس الوزراء المقبل، جراء التباين في وجهات النظر بين القوى السياسية

ويوضح مصدر دبلوماسي في بيروت لفرانس برس أن "هناك مساعي حالياً لتسمية رئيس مكلف قبل زيارة الرئيس الفرنسي، لكن هذا لا يعني أنّ تشكيل الحكومة سيحصل بسهولة".
ولا يعني توجّه لبنان إلى تكليف رئيس جديد للحكومة خلفاً لحسان دياب، الذي استقال على وقع غضب الشارع عقب الانفجار، أن ولادة الحكومة باتت قاب قوسين. وغالباً ما تستغرق هذه المهمة أسابيع عدة أو حتى أشهراً، بسبب الانقسامات السياسية والشروط والشروط المضادة.

ويقول الباحث والأستاذ الجامعي في باريس زياد ماجد لفرانس برس "مع هذه الطبقة السياسية، لا إمكانيّة لأي إصلاح جدي، لأن سبب وجودها هو الزبائنية والطائفية والفساد". ويضيف "يودّون فقط (حفظ) الستاتيكو القائم، ووصول الأموال لتهدئة بعض الغضب قليلاً وانتظار الانتخابات الأميركية".

ويسود اعتقاد أن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة في الولايات المتحدة من شأنه أن يخفف التوتر الذي يشوب العلاقات الأميركية الإيرانية، ما سينعكس إيجاباً على حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في لبنان، وبالتالي يعطي دفعاً لتسوية جديدة برعاية دولية بينه وبين خصومه في لبنان.
ويشكل حزب الله، الذي يتمتع بالنفوذ الأكبر على الساحة السياسية، أكثرية مع حلفائه في البرلمان. وسبق أن أبدى رفضه تشكيل حكومة "حيادية"، مطالباً بحكومة تضم القوى السياسية التقليدية.

رضا أميركي
في هذا الوقت، يبدو المتظاهرون، الذين نزلوا إلى الشارع منذ أكتوبر/تشرين الأول مطالبين برحيل الطبقة السياسية مجتمعة، متعبين بعد صدمة انفجار بيروت، لكنهم يصرون على تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين. ويقول باحوط "اعتقد الجميع أن الكيل طفح" بعد الانفجار، "لكن بالمقابل لم يكن هناك من انفجار شعبي حقيقي"، وهو ما يريح الطبقة السياسية الحالية.

في المحصلة، يبدو الرئيس الفرنسي الذي تمكن عام 2017 من إخراج رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري من الرياض، حيث قدّم استقالته واحتُجز لبضعة أسابيع، وكأنه وحده يتعاطى بالملف اللبناني حالياً، مع هامش مناورة محدود. وبينما تغيب السعودية، الداعمة التقليدية للقوى السنيّة في لبنان، عن المشهد تماماً، تنأى الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب بنفسها عن الملف، مواصلة في الوقت ذاته التصدّي لحزب الله المدعوم من إيران. ويتحدث خبراء عن "رضا" أميركي لرؤية فرنسا "على الجبهة الأمامية". لكن ما لم يتوصّل ماكرون إلى نتائج ملموسة، فسيكون عليه، وفق باحوط، أن "يعيد الملف اللبناني إلى الأدراج لفترة طويلة"، ومعه على الأرجح جزءا من النفوذ الفرنسي في المنطقة.
(فرانس برس)

المساهمون