رمضان ينقذ ميزانيات الباعة المتجولين في تونس

21 يونيو 2015
الحل بإقامة سوق نظامي للباعة المتجولين (العربي الجديد)
+ الخط -
"دولار ... دولارين إشري يا زوّالي"، هكذا تتعالى أصوات الباعة المتجولين في ساحة برشلونة بالعاصمة تونس لجلب الزبائن. ففي رمضان تكون الفرصة سانحة لترويج سلعهم التي تتغير حسب المواسم، لكن عين تترصد الحريف وأخرى ترمق أقصى الشارع، خوفاً من وصول أعوان الشرطة البلدية فجأة، فيهرول بعض الباعة ويختبئ آخرون، وتتناثر بعض السلع وتسقط أخرى على الرصيف، وهكذا يقضي الباعة المتجولون يومهم من أجل ضمان لقمة العيش.


تلاحقهم الشرطة البلدية، فيحملون بضاعتهم في أكياس بلاستيكية، وما إن يختفي الأعوان لبضع دقائق حتى يصفّ الباعة علبهم الكرتونية على قارعة الطريق من جديد، ويزينون سلعهم التي تبدو بسيطة، لكنها تشكل مصدر قوتهم اليومي.

حقائب يدوية وألعاب وملابس ومظلات شمسية ونظارات وأوان وملاعق وأطقم أكل ومواد تنظيف وجلابيب وسجادات ... سلع متنوعة ومختلفة يعرضها الباعة المتجولون بمناسبة رمضان في شارع شارل ديغول وجمال عبد الناصر ونهج روما وسط العاصمة تونس.

عمليات الكرّ والفرّ تنتهي عادة بحجز بعض السلع. لكن متاعب هؤلاء الباعة "هينة" لأن المواطن التونسي يحبذ مثل هذه السلع الزهيدة وذات الكلفة المنخفضة.


ورغم عديد الحملات التي شنّتها مؤخرا السلطات التونسية، والتضييقات الكبيرة التي قامت بها حكومة الحبيب الصيد للقضاء على البيع العشوائي وغير المرخص به وسط العاصمة تونس، إلا أنها لم تنجح في مهمتها على الأقل في الوقت الراهن.

أيمن شاب في عقده الثاني، كان يبيع ملابس مخصصة للرجال، يقول لـ"العربي الجديد" أعمل بائعاً متجولاً منذ 9 أعوام، ورغم الملاحقات المتعددة فأنا أرفض أن أعمل عند شخص آخر يأمرني أو ينهاني، أحب أن أكون مستقلاً وتاجراً حراً، مشيراً إلى أن الرقابة تتقلص قليلاً في رمضان فيتمكنون من ترويج سلعهم ولو لبعض ساعات. وأوضح أنه اختار مثل هذا العمل لأنه لا وجود لبديل، ويستدرك قائلا: "الأطباء والأساتذة عاطلون فكيف لشاب مثلي أن يجد عملاً أفضل؟".

وتابع أنه يفضل بيع بضاعته في الشارع على البقاء عاطلاً عن العمل، أما ملاحقات الشرطة البلدية له ولزملائه فقد أصبحت مسألة جد عادية بالنسبة له، موضحاً أن أغلبهم لم يعد يأبه كثيراً بملاحقاتهم التي قد تصل إلى حد احتجاز السلع والسجن.

وأفاد أنّه يحبذ العمل في شارع شارل ديغول لأن الحركة في هذه المنطقة نشطة، مبيناً أن موقعه استراتيجي، ويشهد يومياً اكتظاظاً، خصوصاً خلال الأيام الأولى من الشهر المبارك. واعتبر أن إقبال التونسيين يهوّن عليهم ملاحقات الشرطة البلدية.

وأكد أنه لم يعد يحصي عدد المرات التي احتجرت فيها الشرطة البلدية سلعه، أو تلك التي أودع فيها السجن. وقال إن الباعة متضامنون بعضهم مع بعض، وأنهم كوّنوا عديد الصداقات وصارت تجمعهم ألفة كبيرة بحكم وجودهم يومياً في نفس المكان.

"لا تتكسر...دولار، دولار...أواني بلورية لا تتكسر"، هكذا كان محمد يصرخ في محاولة منه لاستمالة السيدات اللاتي تجمعن حوله يرمقن الأواني. وقال: "أغيّر سلعتي بحسب المواسم، ففي رمضان تحبذ ربّات البيوت الأواني البلورية وأدوات المطبخ من ملاعق ومناديل... بالأمس كانت الحركة هنا على أشدها".

أما حسن، أحد الباعة، فأكدّ أنه قضى 25 عاماً في مثل هذا العمل، مبيناً أنه كان يتعرض لمضايقات من الدولة، مشيراً إلى أنه كالكثيرين من الباعة أمثاله بات عاجزاً عن إعالة أسرته ودفع الإيجار. واعتبر أن على الدولة وقبل أن تفكر في القضاء على التجارة الموازية، يتوجب عليها تخصيص فضاء يجمع هؤلاء الباعة. ورأى أنه طالما لم يتحقق ذلك فإن الدولة لن تنجح في القضاء عليهم.

وذكر أن الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، عندما كان يشغل خطة والي تونس، وقّع على فضاء قرطاج، وهو سوق تنوي تونس تخصيصه للباعة المتجولين ليكون قادراً على استيعاب الباعة الواقفين على قارعة الطريق.

وقال إن هذا المشروع لا يزال معطلاً رغم أن كلفته لا تتعدى الـ7 مليارات دينار، مرجحاً سبب تأخر المشروع بغياب الإرادة. وأكدّ أنّه لو توفر فضاء منّظم فإنهم سيعملون بكرامة، وسيتخلصون من شوارع العاصمة ومن ملاحقات الشرطة البلدية، وسيصبح لديهم مكان يعملون فيه بطريقة منظمة.

وأضاف أن دخله في حدود 5 دولارات يومياً، وأنه يوفر الحد الأدنى من المعيشة لأسرته، موضحاً أنّ اليوم الذي تكثر فيه مضايقات الشرطة فإنه لا يعمل، وبالتالي يعجز عن توفير مستلزمات أسرته.

أما محمد، وهو متزوج، فاعتبر أن الدخلاء على المهنة هم سبب تنامي أعداد التجار المستقلين، مشيراً إلى أن أعدادهم قبل الثورة كانت لا تتعدى 300 بائع يتوزعون على الشوارع المتاخمة لساحة برشلونة، ولكن منذ الثورة توافد عليهم عديد الباعة من شتى المحافظات التونسية فأصبح العدد في العاصمة ككل يقدر بنحو ألف تاجر. وقال إنه لم يعد يفصل بين البائع والآخر سوى بضعة أمتار، ما يسبب الكثير من الفوضى وتكثيف الرقابة عليهم.


واعتبر أنه بعد الحملات الأخيرة التي شنت عليهم تراجعت أعدادهم، ولم يبق إلا الباعة القدماء ممن تعودوا العمل في أحلك الظروف. وكشف أن سلعهم تونسية، وأنهم يتحصلون عليها من باعة الجملة، مبيناً أن لديهم فواتير توضح ذلك. لكنه لم يخف أن هناك من يقتني سلعاً صينية من تجار يبيعون منتوجات مضروبة، متسائلاً عن كيفية دخولها إلى التراب التونسي، ولماذا تترك الحكومة الرؤوس الكبيرة وتلاحق الباعة الصغار.

وبيّن أنهم يتعرضون للإهانة والتحقير والسب والشتم، وإن سلعهم ترمى على الطريق، وذنبهم الوحيد أنهم يريدون الحصول على لقمة العيش، محملاً الدولة مسؤولية ما يحدث، لأنها لم تهيئ لهم ظروف العمل المناسبة.

في السياق ذاته، قالت رجاء ربة بيت، إنها ضد البيع العشوائي، فوجود الباعة على قارعة الطريق يعيق حركة المرور ويشوه مظهر الشوارع الكبرى، خصوصاً في وسط العاصمة. وأكدت أن على الباعة الالتزام بالقوانين، فلا يمكنهم تحت غطاء تحصيل القوت إحداث مثل هذه الفوضى.

وذكر محمد صاحب محل تجاري أنهم يدفعون الضرائب للدولة، ويسددون الإيجار وتكاليف الكهرباء، في حين أن التاجر العشوائي لا يلتزم بأي قانون، ويلحق ضرراً بالاقتصاد. وبيّن أن تجارتهم تضررت، وأن أرباحهم تقلصت لأن المواطن يحبذ دائماً السلع الرخيصة.

من جهته، أكد كاتب عام النقابة الأساسية للتجار المستقلين معز العلوي لـ"العربي الجديد" أن على الحكومة إيجاد حل نهائي لوضعيتهم، وإلا فإنهم سيواصلون نشاطهم بصفة عشوائية.

وشدد كاتب عام النقابة الأساسية للتجار على مواصلة كل أشكال النضال للعمل على تأمين لقمة العيش، وأنه في حال عدم الاستجابة إلى مطالبهم سيدخلون في اعتصام مفتوح وإضراب جوع بفضاء قرطاج الذي توقفت أشغاله منذ عام 2012.

اقرأ أيضاً:تونسيّون ينتظرون حقّهم في العمل