رمضان في لبنان: مونديال و"طفر" وخطر أمني

23 يونيو 2014
لكل مدينة طقوسها الخاصة في رمضان (عبد الرحمن عرابي)
+ الخط -

تستغرب أم محمد لدى سؤالها عن تحضيراتها لشهر رمضان. تستدرك لحظة الاستغراب بالسؤال عن إعلان المرجعيات الدينية عن موعده المحدد. ففي لبنان تعلن ثلاث مرجعيات عن مواعيد مختلفة لبدء الصوم: "دار الفتوى" في الجمهورية اللبنانية، "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، و"مكتب المرجع السيد محمد حسين فضل الله". سبق مكتب السيد فضل الله الجميع وأعلن أن السبت 28 يونيو/ حزيران هو أول أيام الصوم بحسب الحسابات الفلكية.

تبدأ أم محمد بإحصاء "المونة" الموجودة في المنزل وتلك التي عليها أن تشتريها قبل غلاء الأسعار. "سأضطر إلى استدانة بعض المال لشراء المونة قبل حلول رمضان، لأسبق ارتفاع الأسعار"، تقول.

 "بأجره عند الله"

في أحد محال الحبوب في منطقة صبرا الشعبية في بيروت، تفاوض أم محمد على أسعار الحمص والبرغل "يبدو أن الأسعار قد بدأت بالارتفاع. كان كيلو العدس بألفي ليرة واليوم أصبح بألفين وخمسمئة ليرة، أما الحمص فقد ارتفع من ثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة إلى أربعة آلاف وخمسمئة".

يحاول التاجر أن يخفف من وقع "الأسعار الجديدة" على أم محمد: "الأسعار ترتفع قليلا مع بداية الشهر الكريم بفعل ارتفاع الطلب، لكنها تعود للوضع الطبيعي بعد مضي أول أسبوع منه".

تشتري أم محمد القليل من مختلف أنواع الحبوب وتمضي. تكافح الحرّ بصعوبة وهي تتنقّل بين المحلات. تكاد ورقة المحارم تتفتّت في يدها من أثر الأسعار وأثر الحر "يبدو الصوم صعباً هذا العام، فالحرارة المرتفعة وساعات الصوم الطويل ستتعبنا". لكنها تستدرك سريعاً: "كله بأجره عند الله، كما أن الساعات الفاصلة بين انتهاء الدوام ووقت المغرب ستكون كافية لإعداد الطعام".

يمتد الصوم هذا العام قرابة 16 ساعة ونصف ساعة في لبنان، تبدأ عند الثالثة والنصف فجراً لغاية موعد أذان المغرب عند الثامنة مساء.

"الكلّاج" ذهب الحلويات

في المساء يحلو لأم محمد أن تفاجئ أسرتها بصنف من أصناف الحلويات العربية. تفضل أن تشتريه جاهزاً من السوق. تدخل إلى أحد محال الحلويات لتطلع على جديد الأسعار قبل رمضان. "ارتفعت أسعار كل المواد في لبنان فانعكس ذلك على أسعار الحلويات. أصبح سعر كيلو المعمول المدّ بالقشطة عشرين ألف ليرة في المحال الشعبية، وسعر البقلاوة ثمانية عشر ألف ليرة"، يقول البائع.

تتنقل أم محمد بنظرها بين الأواني النحاسية الكبيرة وأصناف الحلويات المتلألئة بفائض السمن الحموي، وتخرج.

يشير أحد الزبائن في المحل نفسه إلى تفضيله "صحن التشكيلة" في رمضان. يشرح: "يقدم المحل هنا تشكيلة من أغلب الأصناف الرمضانية ضمن صحن واحد يرضي أذواق كافة أفراد أسرتي، فلا شيء أجمل من ضحكة ابني وهو يتناول الكلّاج (حلوى تصنع من النشاء والسكر والحليب المطبوخ وتقلى بالزيت)، في حين تفضل ابنتي المفروكة، وأتشارك أنا وزوجتي في تناول قطع "البحصلينو" (أقراص مكونة من الفستق الأخضر المعجون بالسكّر والقشطة)".

يتصدر "الكلّاج" المقلي قائمة المبيعات، وتخصص محال الحلويات فسحة أمام مداخلها لتثبيت المقلى الكبير في واجهات خاصة، وقدر القطر السائل (يصنع من الماء والسكر وماء الزهر)  الذي تبرّد فيه قطع "الكلّاج" المحشوة بالحليب المطبوخ فتخرج لمّاعة من القدر مثل السبائك الذهبية.

الأمن والمونديال

فيما تتركز اهتمامات أم محمد على تأمين لوازم رمضان، يبدو ابنها محمد مشدوداً نحو متابعة نتائج كأس العالم. ورغم تزامن بعض المباريات مع موعد الإفطار، يبدو محمد مصمماً على متابعتها: "اتفقت مع أصدقائي على أن نتابع المباريات في المقاهي التي تقدم وجبات الإفطار، فالمونديال مقدس بالنسبة لنا!".


تقاطعه أم محمد لتذكّره بالمخاطر الأمنية ولا سيما مداهمة الأجهزة الأمنية الأخيرة لأحد الفنادق في شارع الحمرا البيروتي، حيث يتابع عدد كبير من هواة كرة القدم المباريات. يوافق محمد والدته لكنه يذكّرها بأن الاهتزاز الأمني صار من المسلّمات اللبنانية. يقول لها: "الغريب في لبنان أن يستقر الوضع الأمني!". ويتابع: "ألم تري كيف نزل عناصر حزب الله بالسلاح قرب طريق المطار لحماية مشجعي منتخب إيران أثناء المباراة؟".

يتحدث محمد عن انتشار أمني نفذه حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بالتزامن مع خطة أمنية أطلقتها الحكومة اللبنانية في العاصمة، استجابة لتحذيرات أمنية تلقتها.

ويبدو أن هذه الإجراءات ستتواصل خلال شهر رمضان، لا سيما أمام المساجد وأماكن التجمع كمراكز توزيع الطعام للفقراء والخيم الرمضانية، فتبدو زينة رمضان بارزة امام هذه المراكز، لكنها تغيب عن العديد من الشوارع. تقلصت المبادرات الأهلية والفردية لتزيين الأحياء إلى حدودها الدنيا، بسبب ضيق الحال.

طقوس مناطقية

تمتاز المناطق اللبنانية بطقوس خاصة لكل مدينة. ففي مدينة صيدا الساحلية (جنوب لبنان) تجوب الجماعات الصوفية شوارع المدينة القديمة، على وقع الدفوف، ويقدم "الدراويش" ألعاب "الشيش". وفي "عاصمة الشمال" اللبناني يرتاد أهالي طرابلس المساجد الأثرية لا سيما "المنصوري" و"طينال"، حيث يقدم السّاقون المشروبات الرمضانية كـ"الجلاب"، "السوس"، و"التمر الهندي" بأزيائهم التقليدية.

أما في بيروت فتزدحم مساجد الأحياء بالجيران لأداء صلاة التراويح بشكل سريع، ويقصد رواد المساجد وسط بيروت حيث يؤم شيوخ القراء الصلوات ويقرأون الختمات القرآنية.