ما زال أهالي سيناء يعانون جراء استمرار المعارك بين الجماعات المسلّحة وقوّات الأمن المصرية. للعام الثالث على التوالي، يجدون أنفسهم عاجزين عن الاستمتاع بشهر رمضان، جراء التهجير والقتل واختفاء كثيرين.
سيناء التي كانت لا تنام طيلة أيام الشهر المبارك، ويشارك أهلها في صلاة التراويح والابتهالات في المساجد، عدا عن التكافل الاجتماعي بين سكان قراها، قد خسرت هذه التفاصيل الجميلة التي تحولت إلى مجرّد ذكرى، بحسب شيخ قبلي رفض الكشف عن نفسه. يضيف أنه مرة أخرى، يأتي رمضان وما زال الوضع الأمني في سيناء صعباً. مئات المنازل سُوّيت بالأرض، فيما هجر آلاف السكان قراهم، وفقدت أسر أبناءها الذين إمّا قتلوا أو اعتقلوا أو اختفوا.
في مدينة الشيخ زويد، يبحث الشاب محمد سالم عن دواء لوالده المسن في صيدليات عدة من دون أن يجده. يقول لـ "العربي الجديد": "الدواء على وشك النفاد. بحثت في صيدليات المدينة ولم أجده بسبب قلّة الكميات". يضيف أنه يضطر كل شهر للذهاب إلى مدينة الإسماعيلية لشراء الأدوية اللازمة، بعد عرقلة قوات الجيش والشرطة عملية إدخال الأدوية عبر كمين الريسة قرب العريش، والذي تمر من خلاله البضائع من وإلى مدينتي رفح والشيخ زويد.
وإلى كمين الريسة، الذي يسمّيه عدد من سكان سيناء "معبر الريسة"، في ظل الإجراءات الأمنية الصارمة، يقول عدد من التجار لـ "العربي الجديد" إن "الجيش يماطل في إدخال المواد الأساسية إلى مدينتي رفح والشيخ زويد". ويوضح أحد تجار مدينة رفح أن الجيش يتولّى تنفيذ عمليات تفتيش دقيقة للبضائع المتوجهة إلى الشيخ زويد ورفح بعد إنزالها عن الشاحنات، وتبقى تحت أشعة الشمس لساعات طويلة ما يجعلها غير صالحة للاستخدام.
ويوضح التاجر أبو جهاد موسى، وهو من سكان الشيخ زويد، أن التجار باتوا يرفضون جلب البضائع، في ظلّ استمرار الإجراءات الصارمة على الحواجز، ما أفرغ المحال التجارية من بضائعها خلال الأشهر الماضية، على الرغم من قدوم شهر رمضان. كلّ ما سبق أدى إلى خلق أزمة في ظل عدم قدرة أهالي مدينتي رفح والشيخ زويد على تأمين جميع احتياجاتهم في رمضان، ما اضطر البعض إلى شرائها بأسعار مرتفعة، أو التوجّه إلى العريش لشرائها، فيما كان الأمر أكثر صعوبة لدى أهالي القرى المحيطة.
على صعيد آخر، خفتت أصوات المساجد في المدينتين، بعدما هدم الجيش المصري عدداً منها خلال حملته لإقامة المنطقة العازلة، وفرض حظر التجوال مساءً تزامناً مع توقيت صلاة التراويح، ما أفقد المواطنين متعة ممارسة الشعائر الدينية في هذا الشهر كما جرت العادة.
كذلك، تفتقد سيناء لموائد الإفطار العامة بين المواطنين والقبائل، خشية تعرّضهم لنيران الجيش أو الجماعات المسلحة، في ظل استمرار المعارك بين الجانبين. في هذا السياق، يقول أحد سكان قرية الجورة جنوب الشيخ زويد، محمد أبو النور، إن "المعاناة كبيرة في رمضان الحالي. المواد الغذائية ليست متوفرة، ولا يمكننا التوجه إلى المساجد وقد فقدت عشرات العائلات أبناءها. الوضع القائم في سيناء يمنعنا من الفرح". يضيف أنه فقد اثنين من أبناء عمه خلال حملات أمنية للجيش في المنطقة. "العزاء مستمرّ في منزل عمي. الألم لا ينتهي وإن مرّ عامان على مقتلهما".
أما الحاجة فاطمة، وهي من قبيلة الترابين، فتقول إنها ما زالت تأمل لقاء ابنها المختفي قسرياً منذ عام ونصف العام، بعد سماعها أنباء عن إفراج الجيش عن 27 شخصاً من سجن العازولي العسكري. تقول لـ "العربي الجديد"، وهي تحمل صورة ابنها: "في بداية عام 2015، فقدت ابني أثناء مروره على حاجز للجيش قرب العريش. اليوم، لا نعرف شيئاً عنه. رمضان ليس للعائلات التي تعاني مثلنا".