رمضان السنغال.. صوفيّة وسمك

25 يونيو 2016
السنغال معقل الصوفيّة في أفريقيا (الأناضول)
+ الخط -
يختلف الاحتفال بشهر رمضان في السنغال عن غيرها من دول غرب أفريقيا ذات الغالبية المسلمة، بالرغم مما يوحّد هذه الشعوب في اللغة والعرق والعادات والتقاليد. خصوصية السنغال تضع الصائم هناك في أجواء روحانية واجتماعية فريدة.

فالسنغال التي تعتبر معقل الصوفيّة في أفريقيا، تتميز بكثرة وتنوع التقاليد المرتبطة بالشهر الكريم خصوصاً العادات الصوفيّة التي انتشرت في غرب أفريقيا من خلال أتباع الطرق، فوصلت إلى مالي وموريتانيا وساحل العاج وغامبيا وغينيا. ما إن يهلّ شهر رمضان حتى يتبارى السنغاليون في إقامة سهرات دينية وأمسيات رمضانية مخصصة لفن الإنشاد وحلقات الذكر. ويحشد القائمون على الطرق الصوفية كالتجانية والمريدية أتباعهم للمشاركة بكثافة في تلك الحلقات التي تجري بشكل جماعي، وتتخللها ابتهالات وتضرعات للتزود بالنفحات الإيمانية.

من مظاهر الاحتفال بالشهر الفضيل في السنغال الموائد الخيرية والتكافل بين الناس والزينة الأفريقية التي تضفي على خيام الذكر ومجالس الحفلات الدينية روحانية خاصة. ويحرص السنغاليون على تلاوة القرآن الكريم، وممارسة العادات الشعبية، ولعلّ أهمّها طلب الصفح وإصلاح ذات البين.

عن ذلك، يقول عمر خي انجاي (42 عاماً، موظف): "يبدأ الجميع الصيام بعيداً عن الضغائن كصفحة بيضاء خالية مما يعكر أجواء الصوم". يضيف: "رمضان في السنغال له مذاق خاص ممزوج بالحياة الأفريقية البسيطة وروحانية الإسلام، بالإضافة إلى الصبغة الخاصة بأهل التصوف، ما يضع الصائم في جو روحاني حقيقي يلزمه بالحفاظ على الصلوات في أوقاتها في المسجد، ويشجعه على قيام الليل وأداء صلاة التراويح وحضور حلقات الذكر".

وإذا كان الكثير من السنغاليين يتفرغون للعبادة في رمضان بختم القرآن الكريم وحضور الدروس الدينية، فإنّ بعض أتباع الصوفيّة يذهبون أبعد من ذلك، فيعتزلون في خلوة للعبادة، أو يعتكفون في المساجد حيث يخصصون كامل يومهم للذكر والصلاة.


تنتشر في رمضان الخدمات الخيرية، ويبدي السنغاليون اهتماماً مفرطاً بالفقراء. ينظمون موائد الرحمن ويوزعون المساعدات على الأسر الفقيرة لحثها على الصيام، في بلد يعاني من الفقر المدقع، وترتفع فيه درجات الحرارة إلى مستويات قياسية في فصل الصيف، ما يجعل صيام الفقراء مسؤولية الأغنياء، بحسب ما يعتقد السنغاليون.

لا تغلق المساجد، التي تتزين بالأنوار في هذا الشهر، أبوابها في الليالي الرمضانية بل تمتلئ بالمصلين وقراء القرآن الكريم والمفتين والعلماء الذين ينظمون الدروس الدينية فيها. ويقاطع الشباب في السنغال السمر الليلي والاستماع إلى الأغاني احتراماً لقدسية هذا الشهر، فتجدهم يستمعون إلى الأناشيد الدينية. ومنهم من يتدرب على غناء الموشحات الدينية ورفع الأذان وفق الطريقة الأفريقية المميزة في السنغال.

وفي قرى السنغال، حيث يعيش نحو 60 في المائة من سكان البلاد، يحمل الرجال حفظة القرآن الكريم من الأطفال والشباب على الأكتاف ويطوفون بهم في الشوارع. ويحرص الجميع على ارتداء الملابس الأفريقية المميزة بألوانها. وبفضل العوائل الممتدة الكبيرة، وتعدد الزوجات، يجد السنغاليون نكهة خاصة لرمضان في الريف تطبعها اللمّة العائلية وإقامة الولائم البسيطة احتفاءً بهذا الشهر.

يعتبر الأرز الوجبة الأساسية في السنغال، كما هو الحال في دول غرب أفريقيا، ويحتفظ السنغاليون بالأرز كوجبة رئيسية في رمضان، خصوصاً الأرز بالسمك الذي يطلقون عليه "جيب جن". ويحرص مسلمو السنغال في الإفطار على تناول التمر وحليب الماعز والعصائر الأفريقية التي تحضّر من نقيع أعشاب ونباتات معروفة. وبعد صلاة المغرب يتناولون حلوى "لاخ" المصنوعة من الدقيق المطبوخ من اللبن والسمن والسكر، بالإضافة الى السمك المشوي تصاحبه جلسة شاي أفريقي. وبعد صلاة العشاء يتناولون الوجبة الرئيسية المكونة من الأرز والخضروات والسمك أيضاً. وهو الغذاء المتوفر بكثرة في السنغال ويباع بأسعار في متناول الجميع، ويحصلون عليه من سواحلهم الغنية المطلة على المحيط الأطلسي.

بالإضافة الى طبق الأرز بالسمك يتميز المطبخ السنغالي بأطباق مميزة أخرى، من بينها أطباق دخيلة جلبتها الجاليات الموريتانية واللبنانية الأكبر عدداً والأوروبية. ويكتفي السنغاليون بالعشاء من دون تناول السحور، فالأطباق الدسمة التي يتناولونها وقت الإفطار والعشاء تكفي كي لا يشعروا بالحاجة إلى الأكل بعد منتصف الليل.