بعد سنواتٍ من الحديث عن المشاريع الخاصّة برقمنة المخطوطات الجزائرية وحفظها من الضياع والتلف، يبدو الموضوع، اليوم، كما لو كان يراوح مربّعه الأوّل.
مؤخّراً، أعلن وزير الثقافة عز الدين ميهوبي عمّا أسماه مشروعاً لرقمنة المخطوطات، قال إنه سيتمّ إطلاقه قريباً، كاشفاً عن إسناده إلى "الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي".
لم يوضّح ميهوبي إن كان المقصود هو مواصلة مشروع قائمٍ أصلاً، أم أن الأمر يتعلّق بآخر جديد. في الحالتين: لا تزال الأسئلة حول مصير العملية والأهداف التي حقّقتها قائمة.
يُمكننا أن نستشفّ إجابةً لبعض تلك الأسئلة من حديث الوزير، الذي أكّد رقمنة 200 ألف كتاب إلى غاية الآن، مضيفاً أن وزارته تطمح لأن يبلغ هذا الرقم سقف 300 ألف كتاب.
ستكون البداية، حسب قوله، بـ "رقمنة المخطوطات والوثائق والكتب والخرائط والصور النادرة الموجودة في حوزة قطاعه".
يقول ميهوبي إن وزارته تعكف على تدريب مختصّين في هذا المجال، من خلال الاستعانة بالخبرات الأجنبية، ولاسيما الأوروبية منها، وبمساعدة "اليونيسكو"، داعياً الجامعات ومراكز البحث إلى المساهمة في حماية التراث الثقافي الجزائري.
تشير الأرقام الرسمية إلى وجود نحو 35 ألف مخطوط في الجزائر، لكن المختصّين يؤكّدون أن هذا الرقم بعيد عن الواقع، بالنظر إلى وجود أعداد كبيرة من المخطوطات في الخزائن والمكتبات الخاصة التي تمتلكها عائلات وزوايا، والتي يصعب جردها وتحديد أمكنتها بدقّة.
أمّا أقدم تلك المخطوطات وأندرها، فتوجد في "المكتبة الوطنية"، التي كانت قد أطلقت مشروعاً لرقمنة مخطوطاتها في عهد مديرها الأسبق أمين الزاوي.
تضمّ المؤسّسة قرابة 4200 مخطوط عربي وفارسي وتركي، يعود تاريخ بعضها إلى القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ميلادي.
رغم أهميّتها، إلاّ أن تلك الثروة المعرفية والحضارية لا تزال تواجه الإهمال الذي يُضاف إلى صعوبة حفظها وترميمها أصلاً، بسبب رفض العديد من العائلات فتح خزائنها للمختصّين.
يُضاف إلى ذلك، الدور الذي تلعبه الطبيعة في إتلاف المخطوطات، حيث تُعتبر الحشرات وارتفاع الرطوبة ودرجات الحرارة التي تصل إلى خمسين درجة تحت الظلّ في بعض مناطق الجنوب عدوّاً محدقاً بها.
أمّا أخطر الأعداء، فهي عمليات السلب التي تطال المخطوطات التي يتمّ تهريبها عبر الحدود، لينتهي بها الأمر إلى الأسواق أو المتاحف الأوروبية. تشير بعض التقارير إلى أن عدد المخطوطات الجزائرية الموجودة في المتاحف والمحلات التركية والفرنسية والروسية والأميركية يفوق بكثير تلك الموجودة في الجزائر.
بدأت عمليات التدمير والنهب التي أتت على أعداد كبيرة من الكتب القديمة والنادرة والمخطوطات الأثرية خلال الفترة الاستعمارية، وأبرزها كان إحراق جزء من مكتبة الأمير عبد القادر سنة 1849، ونقل ما تبقّى منه إلى فرنسا، حيث توجد اليوم في متحف "اللوفر".
أيضا، سرقة باخرة "الرايس حميدو" بما تحمله من مقتنيات وكتب خاصة به، وهي موجودة في بالتيمور في الولايات المتّحدة الأميركية، حيث تحوّلت إلى متحف. كما تمّ نهب عدد من مخطوطات المكتبة الوطنية وكتبها النادرة خلال حريق نشب فيها سنة 1962.