رقعة الدامة تلمّ شمل الأجيال

09 ابريل 2014
مجلس الدامة - الدوحة
+ الخط -
عجلة الحياة المعاصرة لا تتوقّف عن الدوران. في طريقها تبعثر أشياء جميلة، خفتَ بريقها ولكنّه لم يمت. بين المحاولات المتميّزة لنفض غبار الزمن عن شيء أثير هو "مجلس الدامة" في قطر الذي تأسّس في ديسمبر/كانون الأول 2009، ويواصل حتى اليوم تنشيطها في الذاكرة الجماعية ونشر ثقافتها الشعبية.
في العقد المنصرم، كادت لعبة الدامة تختفي من قطر. اقتصرت ممارستها على عدد قليل من كبار السنّ الذين تعلموها عن آبائهم. كانوا يلعبونها في مقاهٍ شعبية متفرّقة، وبشكل غير منتظم، إلى أن دعم مكتب الهندسة في الديوان الأميري إقامة مجلس خاصّ للعبة ولاعبيها، واختير سوق واقف مكاناً له، لرمزيته الشعبية والتراثية وأيضاً السياحية.

عمل مؤسّسو المجلس على نشر اللعبة والتعريف بها، وجذب الشباب إلى عالمها عبر تنظيم مباريات ودورات تدريبية تقدّم خلالها حوافز مالية وعينية، وعبر المشاركة في المهرجانات الثقافية والسياحية التي يحييها السوق.

كما يتواجد في مبنى المجلس، بشكل دائم، أعضاء يتبرّعون بتعليم الزوّار قوانين اللعبة بشكل مجاني، ويوزّعون لهم كتيبات تشرحها.

لا يقتصر الأمر على اللعبة وقوانينها، بل هي تحوّلت إلى أداة للتقريب بين الناس، حيث يتبادل روّاد المجلس المسامرات والسوالف، مما يوطّد الصداقات بينهم، ويضفي على المجلس روحاً انسانيةً باتت المدن العصرية حول العالم تفتقر إليها.

نجح "مجلس الدامة" في استقطاب الشباب القطريين والمقيمين في قطر، وهم يتوافدون عليه يومياً، ويشاركون في المباريات والدورات التدريبية، حيث يساعدون طلاب المدارس على تعلّم اللعبة، بل ويسهمون بأدوات عصرهم بدعمها، إذ صمّم الشاب تركي الغانم مؤخراً برنامجاً للعبة يمكن تنزيله على الأجهزة الذكية.

يقيم المجلس سنوياً 5 مباريات محلية، واثنتين خليجيتين، يشارك فيهما هواة اللعبة من الكويت والامارات والسعودية...

في كلّ دورة يُقسم المتبارون الذين يقاربون 20 متبارياً إلى 4 أو 5 مجموعات، ويختارون أسماء أحياء قطرية قديمة لمجموعاتهم تحية لتلك الأحياء، مثل فريج البدع والرميلة وأماكن أثرية أخرى... لا يُسمح للجمهور بمتابعة المباريات، كيلا يشوّشوا على اللاعبين أو يساعدوهم بتعليمات معيّنة، ويقتصر الحضور على مراقبين متخصّصين في اللعبة ومنظّمي المسابقة. يترشّح الفائز من كلّ مجموعة إلى المرحلة الثانية ثم الثالثة، حتى يبقى فائز واحد ينال جائزة نقدية وشهادة تقدير.

"الملك – الدامة" فوق القانون

تأتي كلمة "دامة" من جذر تركي على الأرجح، وهي تعني الملك أو الشيخ، بينما تسمى شمال افريقيا "دوما". تتكوّن طاولة الدامة (الرقعة) من 64 خانة، توضع بين لاعبين اثنين، يملك كلّ منهما 16 حطبة أو حجراً، تتميّز أحجار كلّ لاعب بلون مختلف عن أحجار اللاعب الثاني.

يقضي قانون اللعبة بنقلة واحدة (ما يميّزها عن الشطرنج) حين يصل الحجر أو الحطب إلى الخانة الأخيرة في جهة الخصم يتحوّل الى ملك أو دامة ويصبح مطلق الصلاحيات! الملك فوق القانون، يتجاوز كلّ القواعد بمجرد تتويجه، ويسعى كل لاعب الى تتويج حطبه، كي يكسب نقاط قوّة في المعركة.

تسمى أحجار الدامة حطباً، لأنها مصنوعة من الخشب أساساً، أما الرقعة، فتبيّن رسومٌ وصورٌ قديمة أنّها كانت تُصنع من قماش أو جلد حيوان، وكانت تلعب فوق رمال الصحراء. يُرجع رئيس مجلس الدامة الأمر إلى زمن ازدهار الغوص في قطر، إذ بانتهاء موسم الغوص، كان للناس وقت فراغ طويل وهوايات محدودة بسبب المناخ الصحراوي، مما جعل لعب الدامة، الذي لا يتطلب التنقل وبذل مجهود جسدي، أمراً مناسباً.

يُحكى عن جذور فرعونية وهندية للعبة، لكن الأكيد أن أهل الجزيرة العربية أخذوها عن الأتراك، الذين نقلوها إليهم زمن الحكم العثماني.

اليوم، يفكّر مجلس الدامة القطري بتنظيم دورات عالمية للعبة، يجمعون فيها مشاركين من مختلف أصقاع الأرض، يضيف كل منهم خبرته وخططه الخاصة باللعبة وأيضاً التفاصيل التي تميزها بين ثقافة وأخرى.

يبقى أنّ تلك الرقعة المربعة سواء كانت من قماش أو خشب، وأحجارها التي تسمى دامة أو دوما، تستعيد بفضل مبادرات فردية دورها في جمع البشر حولها من جديد ليخوضوا منافسة ذهنية وتجربة تواصل إنسانية باتت نادرة.

المساهمون